لو أن انتفاضة الخمسينات التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني لم تقمع في نهاية العام 1956 لكان لدينا وضع سياسي واقتصادي مختلف جداً. فالبحرين كانت لديها انتخابات بلدية، بل ووصل الامر الى انتخابات لمجلسين، واحد للمعارف (التربية والتعليم) وواحد للصحة، وهذان المجلسان جزء من السلطة التنفيذية، بمعنى أن شعب البحرين وصل الى مرحلة متقدمة في بعض الجوانب.
البحرين كانت ايضاً منظمة بصورة متطورة أكبر بكثير من الدول الاخرى، وكان الكويتيون والسعوديون يستفيدون من خبرات البحرين في مختلف المجالات، فالكويتيون كانوا يرسلون بعض أعضاء بلديتهم للاطلاع على تجربة البحرين، والسعوديون كانوا بحاجة إلى الخبرات البحرينية في تأسيس منشآت وعمليات «أرامكو» ولو أن البحرين اتخذت قرارات أكثر استراتيجية لكانت موانئ البحرين المحطة الرئيسية للمعدات والمواد المطلوبة في السعودية، ما يعني ازدياد حركة الموانئ. ولنتذكر أن دبي الحالية قامت أساساً على انتعاش حركة الموانئ مع ايران ومع جميع الدول واستفادت من ذلك كثيراً.
وحتى القانون المدني لم يكن سيئاً عندنا، وكان بالامكان تطويره ليتضمن العمل النقابي بالشكل الذي طالبت به «الهيئة». والبحرين كانت لديها صحافة متطورة عن غيرها من الدول الجارة، ولكن تلك الصحافة أسدل عليها الستار مع إعلان حال الطوارئ في نهاية العام 1956. ولعل أفضل انجاز حققته «الهيئة» هو حصولها على اعتراف رسمي وهو أول اعتراف بحزب سياسي في الخليج.
على أن انتكاسة الهيئة لم تكن بسبب العوامل الخارجية فقط وإنما بسبب العوامل الداخلية للهيئة نفسها أيضاً. فالهيئة لم تستطع الامساك بالاجندة وكان الوضع ينفجر لأي سبب، مرة بسبب ما كان يجري في مصر، ومرة بسبب عراك في سوق الخضراوات، ومرة بسبب مرور زائر للبحرين سواء كان هذا الزائر وزير خارجية بريطانيا آنذاك سلوين لويد أو زيارة أنور السادات (ممثلاً جمال عبدالناصر آنذاك) في طريقهما إلى مكان آخر.
التصريحات كانت أيضاً متناقضة احيانا، فما يقوله عبدالرحمن الباكر يختلف عما يقوله عبدالعزيز الشملان أو أي قيادي آخر، كما أن ما يقوله الباكر داخل البحرين يختلف عما يقوله خارج البحرين. وهذه الاختلافات في الخطاب اتخذت حجة من الحجج لضرب الهيئة.
استراتيجة الهيئة كانت أيضاً غير واضحة بالنسبة إلى التعامل مع بريطانيا. فبعض قادة الهيئة كان يتحاور مع البريطانيين ويفتح القنوات معهم. وهذا ادى لحصول «الهيئة» على بعض أهدافها، ولكن كان هناك أيضاً من يستعدي بريطانيا ويجر الوضع الى مواجهة معها، وهي مواجهة محسومة مسبقاً. لم تستطع «الهيئة» ضبط الشارع بالنسبة إلى ما كان يجري في مصر، والحوادث تتابعت في العام 1956 بسبب توتير الوضع الداخلي مع تصاعد ايقاعات حوادث السويس وانفلت الشارع عدة مرات خارج سيطرة «الهيئة». فـ «الهيئة» كانت مشلولة عندما تنفجر العواطف ولم يستطع قادتها التحكم في المسيرة المنفجرة عاطفياً.
نرجع الى الوراء لنتعلم الاخطاء ولعلنا نستفيد من الدروس لكي نتعامل مع واقعنا الحالي بروية وننظر الى كيفية الحصول على المطالب، كما ننظر الى عدم تضييع ما حصلنا عليه بسبب العواطف الجياشة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 771 - الجمعة 15 أكتوبر 2004م الموافق 01 رمضان 1425هـ