العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ

الحرب الخفية بين اليسار المتطرف واليمين المتطرف في ألمانيا

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف فجرا حين بلغ مركز للشرطة في مدينة دريزدن بالشطر الشرقي في بحر الأسبوع الماضي أن حريقا نشب في أحد أحياء المدينة التي قام الإنجليز بعد ثلاثة أيام على استسلام ألمانيا النازية برمي أطنان من القنابل عليها من الجو ما أدى إلى مقتل 45 ألف دريزدني دفعة واحدة. ففي حديقة تابعة لمتجر للزهور شب حريق في سيارة نقل قبل أن اتسعت النيران وأتت على المتجر وحولته إلى رماد. عثر المحققون على ورقة أقرب إلى بيان يشير إلى هوية الفاعل كتب عليها: رحلة موفقة أيها الحزب القومي الألماني. في مساء اليوم التالي صدر تعليق أشبه بالعواء على الصفحة الإلكترونية لصحيفة (الصوت الألماني) الناطقة باسم النازيين الجدد التي كتبت تقول: اعتداء جديد استهدف أحد القوميين الألمان.

وفي اجتماع لقيادة الحزب اليميني المتطرف قال الرئيس الجديد للكتلة النيابية التابعة للحزب القومي النازي في برلمان ولاية سكسونيا في الشطر الشرقي: لو أن هذا الاعتداء وقع على متجر صاحبه تركي، كم ستكون صرخات السياسيين في برلين مدوية وكذلك تعليقات وسائل الإعلام؟ كان واضحا أن النازيين الجدد حاولوا استغلال الاعتداء ليظهروا أمام الرأي العام بدور الضحية. لكن الاعتداء الذي أتى على المكان في مدينة دريزدن لم يكن المقصود من ورائه القضاء على متجر الزهور، ففي هذا المبنى يقيم عضو بارز في قيادة الحزب القومي الألماني، المدعو فريتيوف ريشتر. كان هذا الاعتداء الرابع على المكان وقبل أن دون رجال الشرطة في ملف التحقيق ما حصلوا عليه من معلومات، تم تسجيل إتلاف خمسمئة ملصق انتخابي للحزب القومي الألماني الذي يعتبر نفسه خليفة الحزب النازي الذي قاده هتلر إلى السلطة في العام 1933 وتم حظر نشاطاته مع نهاية الحرب العالمية الثانية في مستهل صيف العام 1945.

وفقا لتحليلات البوليس السري الألماني فإن هذا الاعتداء الذي يشتبه في أن اليسار الألماني المتطرف قام به، ليس سوى عبارة عن تعويض متواضع احتفل اليساريون به بعد الانتصار الكبير الذي حققه النازيون الجدد في انتخابات ولايتي براندنبورج وسكسونيا في ألمانيا الشرقية السابقة إذ نجح اليمين المتطرف بدخول برلماني هاتين الولايتين محققا عودة اليمين المتطرف إلى الساحة السياسية.

وكان المستشار الألماني غيرهارد شرودر وسائر قادة الأحزاب الديمقراطية الكبيرة في ألمانيا قد رجوا الناخبين في الولايتين عدم مساعدة النازيين الجدد للفوز بالانتخابات وحذروا من أن هذه الخطوة ستلحق ضرراً بسمعة ألمانيا وخصوصاً بسمعة الشطر الشرقي عوضا عن أنها ستجعل المستثمرين المحليين والأجانب يصرفون النظر عن توظيف أموالهم في الشطر الشرقي. ويخشى البوليس السري الألماني أن يكون هذا الاعتداء مقدمة لموجة اعتداءات انتقاما لنجاح النازيين الجدد في الانتخابات وأن يكون من النتائج المتوقعة قيام النازيين الجدد باعتداءات انتقامية ضد اليسار المتطرف ما سيصعد الحرب القائمة منذ وقت بين الطرفين.

حين يعرض التلفزيون الألماني مشاهد لمسيرات النازيين الجدد الذين يتبادلون تحية (عاش هتلر) يلحظ المرء أن هذه المسيرات تتم تحت حراسة مشددة تفرضها قوى الأمن. وغالبا ما يتهم اليسار المتطرف الشرطة الألمانية بحماية ومساندة النازيين الجدد. يذكر أن الحزب القومي الألماني له جمع كبير من المؤيدين من ذوي الرؤوس الحليقة Skinheads الذين لديهم استعداد كبير للقيام بأعمال عنف. وهذا هو التصعيد الذي تخشى أجهزة الأمن الألمانية وقوعه. ولا يجد اليسار الألماني سوى العنف احتجاجا على التأهيل السياسي للنازيين الجدد الذين يسهمون أيضا في تصعيد الحرب بعد تغييرهم استراتيجيتهم مفضلين الانتقال من الشوارع إلى البرلمانات وهدفهم الكبير دخول البرلمان الاتحادي(بوندستاغ) في برلين في العام 2006.

تدعو الاستراتيجية الجديدة للنازيين الجدد إلى كسب ود الشباب وخصوصاً في الشطر الشرقي الذين يميلون إلى اليمين المتطرف ويتم اصطيادهم في نوادي الشباب وملاعب كرة القدم. ويبدو أن النجاح الذي حققه النازيون الجدد في الانتخابات الأخيرة زاد عزائمهم وفي هذا السياق قرر اتحاد الشعب الألماني الذي يتزعمه الناشر البافاري غيرهارد فراي وأود فويغت زعيم الحزب القومي الألماني توحيد نشاطات الحزبين ووقف المنافسة بينهما ودخول الحملات الانتخابية في المستقبل وخصوصاً الانتخابات التشريعية العامة في العام 2006 بقائمة مشتركة من المرشحين. وكلما فتح فويغت فمه تعين على المدعي العام فتح تحقيق جديد ضد زعيم الحزب القومي الألماني الذي دعا مؤيديه إلى مقاطعة فيلم (هتلر) الذي يعرض حاليا في ألمانيا ويتناول الأيام الأخيرة من حياة الزعيم النازي بحجة أن الفيلم يتحدث عن أفول النازية لكن الإيديولوجية مازالت حية.

كما وصف فويغت هتلر بأنه كان رجل دولة من الطراز الأول. مخطط النازيين الجدد يثير حفيظة الأحزاب التقليدية الكبيرة التي تجد نفسها مضطرة إلى القيام بجهد كبير لاستعادة ثقة مؤيدي معسكر اليمين المتطرف بواسطة قوة الإقناع. هذا السلاح الذي يجد اليسار الألماني أنه وصفة عقيمة ويصر على استخدام العنف ضد النازيين الجدد الذين يعتزمون ضم ثلاثة من الذين يطلق عليهم ( كبار النازيين الجدد) إلى مجلس قيادة الحزب القومي الألماني بينهم توماس فولف الذي يحلو له الظهور في مختلف المناسبات وهو يرتدي معطفا طويلا وقبعة عسكرية كأنه يقود ألمانيا على حرب. ولا يخفي فولف شغفه بجنرال كان يعمل في صف الحرس الشخصي لهتلر اس اس يدعى فيليكس شتاينر الذي كان يرأس وحدة تحمل اسم (فايكينغ). أصحاب الأسماء الثلاثة لهم سوابق وأمضوا بعض الوقت في السجن بعضهم بسبب الاعتداء على مواطنين أجانب.

وكان أوتو شيلي وزير الداخلية الألماني قد عنف المحكمة العليا عقب الكشف عن نتائج الانتخابات في ولايتي براندنبورج وسكسونيا لأنها رفضت دعوى رفعتها الحكومة الألمانية ومجلس البوندستاغ بحظر نشاطات الحزب القومي الألماني لأنه معادٍ للدستور. وهكذا حاول شيلي الإيحاء بأنه عثر على كبش فداء متجاهلا أن البوليس السري الألماني تسبب في الحيلولة دون صدور قرار آخر عن أكبر مرجع قضائي في البلاد.

فقد تم الكشف قبل وقت قصير على انعقاد أول جلسات الدعوى أن البوليس السري الألماني مول بعض نشاطات النازيين الجدد من خلال الاستعانة ببعض الأشخاص المحسوبين على هذا المعسكر المتطرف بغية الحصول على معلومات عن نشاطاتهم. حيال هذا الوضع يأمل السياسيون في برلين أن يسهم القادة النازيون الجدد أنفسهم بوقف زحفهم إلى مجلس البوندستاغ ويراهن هؤلاء على أن التجارب السابقة كشفت دائما مدى صعوبة أن يتفق قادة الحزب القومي الألماني مع اتحاد الشعب الألماني خلافا للنزاعات التي تنشأ دائما بسبب اقتصاص أموال. لكن هذا لا يمنع اليسار المتطرف من مواصلة مطاردته للنازيين الجدد واستخدام السوط بدلا من الكلمة ضد المعسكر اليميني المتطرف ومؤيديه

العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً