حذر السيّدمحمد حسين فضل الله من استخدام الأمم المتحدة مسرحاً لتمرير المصالح الأميركية والمشروعات الإسرائيلية، وأكد أنها لم تعد توفر شيئاً من الحماية المرجوة للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى وجود أسس أميركية إسرائيلية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال الأمم المتحدة، وأن الفيتو أصبح سلاحاً أميركياً لقهر الشعوب، إذ نشهد سقوطاً لعدالة الأمم المتحدة أمام العقلية الامبراطورية الأميركية.
جاء ذلك رداً على سؤال في ندوته الأسبوعية عن الدور المتبقي للأمم المتحدة أمام استخدام أميركا لحق النقض «الفيتو» في شكل مستمر لحماية «إسرائيل»، وقال: «جاء الاستخدام الأميركي الأخير لـ «الفيتو» في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الذي يطالب «إسرائيل» بالانسحاب من غزة ووقف عملياتها فيها في إطار سياستها الثابتة القائمة على دعم «إسرائيل» على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، والتي أكدتها عشرات القرارات في الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية وحتى في مجلس الأمن، والتي بقيت حبراً على ورق... فقد أخذت الإدارات الأميركية المتعاقبة على عاتقها حماية الكيان الصهيوني من خلال مظلة قانونية دولية عنوانها الفيتو الجاهز لمنع إدانتها، أو عملت على حمايتها بعيداً من هذه المظلة وتلك، ليكون الدعم السياسي الأميركي لهذا الكيان نموذجاً للظلم قد لا يشابهه أي نموذج آخر في التاريخ، إذ يحظى هذا الظلم بتغطية دولية أو بخضوع دولي لإرادة الدولة العظمى التي جعلت من مجلس الأمن والأمم المتحدة موقعاً لخدمة مشروعاتها السياسية ولحماية الظلم الإسرائيلي بكل الأساليب، ولإفراغ القرارات الدولية من محتوياتها. بل وتضغط أميركا على حلفائها للامتناع عن التصويت على القرارات التي قد تدعم أي حق للعرب أو الفلسطينيين.
وأضاف فضل الله: «لقد استخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض «الفيتو» 42 مرة على مدى الخمسين سنة الماضية، لمنع العالم من إدانة العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وأسقطت بالفيتو بعض القرارات التي ليس فيها إلا عبارة «الأسف» على احتلال «إسرائيل» للأراضي العربية، كما أسقطت قرارات أخرى تدعوها إلى «الامتناع عن القيام بأي أعمال ضد السكان العرب في الأراضي المحتلة»، أو تلك التي أشارت إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، كما استخدمت الفيتو لمنع إدانتها لحادث الهجوم على المسجد الأقصى أو اجتياحها للبنان العام 1982، أو لمنع إصدار قرار يدينها لاختطافها طائرة الركاب الليبية العام 1986، وكأن واشنطن تريد أن تقول للعالم إن عليه أن يقبل الإرهاب الإسرائيلي بكل تجلياته وأن إدانة «إسرائيل» من الممنوعات التي يُراد لها أن تتحوّل إلى خط أحمر دولي، إذ إن لـ «إسرائيل» رسالة حضارية غربية لابد من أن تمارسها في المنطقة، ألا وهي تقديم النموذج الأميركي «للديمقراطية» في المنطقة التي تنظر إليها أميركا على أنها منطقة «متوحشة ومتخلّفة»!
وأضاف: «إنّ هذا الخط البياني الظالم والحاقد للإدارات الأميركية حيال المسألة الفلسطينية، وهذا الدعم المطلق للظلم الإسرائيلي وتشريعه، والذي توّجته رسالة الضمانات التي تبنّاها بوش لمصلحة «إسرائيل»، وأسقط فيها حق العودة وشرّع الاستيطان في فلسطين المحتلة... يؤكد أن القضية خرجت عن نطاق الدعم السياسي أو العسكري ودخلت في نطاق إسقاط الأمم المتحدة نفسها والاستفادة من وجودها الشكلي لتبرير مشروعات السيطرة والهيمنة والقتل والاجتياح، وتقديم صورة لعالم تحكمه النزوات الطاغية والرغبات الجامحة نحو الظلم».
وأردف: لقد تحوّل الفيتو إلى سلاح لقهر الشعوب وإسقاط حقوقها المشروعة، ولذلك سقطت الأمم المتحدة أو أسقطت عدالتها أمام العقلية الإمبراطورية الأميركية التي شرّعت وتشرّع كل أنواع الظلم والإرهاب الإسرائيليين، ولأن هذا السلاح (الفيتو) الذي أريد له أن يكون الهراوة التي يستخدمها الكبار ضد الصغار أسقط كل مفاهيم العدل في الأرض وشرّع الإرهاب فيها من خلال مظلة الحماية التي وفّرها للإرهابيين الإسرائيلي والأميركي، وحتى من خلال إسقاطه للمبادئ والمفاهيم الأساسية التي قامت عليها الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان والإفساح في المجال أمام الشعوب لكي تقرّر مصيرها بنفسها. إننا نعتقد أن هناك دراما عالمية كبرى تستخدم فيها الأمم المتحدة كمسرح لتمرير القصة الأميركية والرواية الإسرائيلية، لا من أجل الضحك على العالم، بل لإفهام أمم الأرض كلها بأنه لا سبيل إلا لهذه الرواية، وإلا فهناك الفيتو ومن ورائه كل الترسانة النووية وغير النووية الأميركية والإسرائيلية.
وخلص إلى القول: «إننا نحذّر من أن الأسس الأميركية والإسرائيلية الجديدة لتصفية القضية الفلسطينية قد بدأت تعتمد على أكثر من صعيد، ولم تعد الأمم المتحدة توفر شيئاً من الحماية المرجوّة للشعب الفلسطيني، وليس الحديث الإسرائيلي الصريح بشأن «إسقاط كل هذه الرزمة المسماة بالدولة الفلسطينية» ببعيد من ذلك... ويراد لذلك كله أن يتم بحضور الأمم المتحدة ومتابعتها ومراقبتها وربما التصديق عليها. فالأمم المتحدة لا تملك أكثر من إيصال القضية إلى الجمعية العمومية... لأن الحقوق العربية والإسلامية تعلّق على جدارية الجمعية العمومية التي لا تملك إلا أن ترفع الصوت، أما ما يتعلق بالضغط على العرب فيصل تواً إلى مجلس الأمن ويلاحق من الأمين العام في شكل دوري، كما في القرار 1559، وكما في مسألة دارفور وقبلها العراق. وقد أصبح العالم أمام مهزلة الفيتو الأميركي وأمام إرهاب دولي يسحق حقوق الشعوب باسم مكافحة الإرهاب»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 770 - الخميس 14 أكتوبر 2004م الموافق 29 شعبان 1425هـ