بعد أن تضرر من هجمات صاروخية ورد فعل أيديولوجي عنيف لايزال طموح كبير للغاية يحرك تنظيم «القاعدة» بإجهاد الغرب في مستنقع من الحرب في جنوب آسيا وفي صراع في أنحاء العالم في نهاية المطاف.
الجماعة التي تصف نفسها بأنها العدو الصبور والعنيد للغرب لن تهيمن على مناقشات قمة مجموعة العشرين التي تجري في الثاني من أبريل/ نيسان في العاصمة البريطانية لندن التي ستركز بدلا من هذا على الأزمة المالية التي تنظر إليها المخابرات الأميركية على أنها أكبر تهديد للأمن العالمي. وليس احتلالها مرتبة أقل مفاجأة فالاعتقالات وقتل عناصر «القاعدة» وتشديد الإجراءات الأمنية في أنحاء العالم منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على مدن أميركية أضرت فيما يبدو بقدرة الجماعة على شن هجمات في المجتمعات الغربية. لكن التنظيم سيحتل جانبا كبيرا من مناقشات مؤتمر تعقده الأمم المتحدة في لاهاي في 31 مارس/ آذار بشأن مستقبل أفغانستان إذ ترسل الولايات المتحدة قوات إضافية لكبح جماح تمرد متفاقم. هناك تمثل الجماعة مصدر تهديد عميق وإن كان بطريقة غير مباشرة. فلديها ملاذ بالمناطق القبلية بباكستان إذ يعتقد أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن والرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري متمركزان هناك.
ويقول خبراء إنه من هناك أقام تنظيم «القاعدة» علاقات تدريبية ودعائية مع الجماعات المستقلة المتعاطفة معه في أنحاء آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا مثل تلك التي شنت هجمات على مومبي في العام 2008 ومدينة لاهور الباكستانية هذا الشهر ومدريد في العام 2004 ولندن في العام 2005 والجزائر في العام 2007. وفوق كل هذا يمثل الحشد الأميركي للقوات في أفغانستان فرصة لتنظيم «القاعدة» لاستدراج الغرب إلى مزيد من التورط في تمرد غالي الثمن يمكن أن يغذي الاضطراب في باكستان المسلحة نوويا.
وقال بن لادن في رسالة الشهر الماضي وهو يعبر عن شماتته في الاحتمالات التي فتحتها الأزمة المالية لإلحاق مزيد من الضرر بنفوذ الولايات المتحدة فإن انسحب من الحرب فهي هزيمة عسكرية وإن واصل فيها غرق في الأزمة الاقتصادية. وقال الباحث في معهد كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن جيلز دورونسورو إن استراتيجية بن لادن الانتهازية التي تنطوي على استغلال قتال الغرب مع متمردي «طالبان» البشتون في أفغانستان تتسم بالدهاء. وأضاف «كان فخا منذ البداية. كلما زاد القتال في أفغانستان يكون الوضع أكثر أمانا لـ «القاعدة». هذا هو النجاح الاستراتيجي الأساسي». وأضاف «أن يجعلنا نقاتل البشتون بدلا من التركيز على الأمور المهمة بحق مثل أين يوجد أسامة بن لادن وشبكات (القاعدة) الحقيقية.
وقال أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون في واشنطن بروس هوفمان إنه ربما يكون «القاعدة» ضعف على الجبهة العالمية لكنه فيما يبدو عزز موقفه في جنوب آسيا. وهناك يتبع سياسة تخريب في باكستان بشكل واضح وخطير للغاية. وأضاف أن التنظيم «ليس متورطا بشكل ظاهر في أي نشاط بتلك المنطقة. إنه وراء الكواليس يوفر التدريب ومعلومات المخابرات والمساعدة اللوجيستية والدعاية». لكن خبراء يقولون إنه أصبحت قوة متضائلة كتنظيم وأيديولوجية توفر الإلهام ويرجع هذا جزئيا إلى أن الهجمات الانتحارية على المدنيين في العراق ومناطق أخرى نفرت كثيرين ممن كانوا متعاطفين مع قضيته ذات يوم. ويقول مراد دهينة وهو إسلامي بارز يتخذ من سويسرا مقرا له: «القتل من دون تمييز وغياب رؤية سياسية معقولة نقاط أساسية قللت بشدة من صدقية (القاعدة) وقدرته على تجنيد أعضاء جدد. ومن بين نقاط الضعف الأخرى الافتقار إلى رؤية إيجابية لمجتمع قادر على استقطاب دعم واسع النطاق بين المسلمين وازدراء الحلول الوسط القذرة التي تتطلبها السياسة اليومية».
وحرم ترك الرئيس السابق جورج بوش زعيم بن لادن من خصم وجد من السهولة بمكان تجسيده في صورة راعي بقر يكره المسلمين. وقال هوفمان إنه على الجبهة العسكرية قتلت صواريخ أطلقتها طائرات أميركية من دون طيار ما يصل إلى ثمانية من أعضاء بارزين بتنظيم «القاعدة» في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان في حملة يقول خبراء إنها أضرت بالجماعة وكان ثمنها الغضب المحلي بشأن الخسائر البشرية في صفوف المدنيين.
وقالت مها عزام وهي باحثة بمؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية ومقرها بريطانيا :»(القاعدة) كتنظيم مركزي أضعف في الواقع. لا أري أنه ستبعث فيه الروح بأي شكل جدي على المدى القصير أو المتوسط».
العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ