العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ

رأس الرمان... وقفة للتأمل «الطبقي» ليس إلا...

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

إذا وقفت على أطراف رأس الرمان بالقرب من مسجد «بن ساعد» أو حتى المسجد الكبير، أو مدرسة سكينة بنت الحسين، التي حلت محل أول محطة كهرباء بالبحرين (أي، تغيير نور بنور)، وهي بالمناسبة، الحسنة الوحيدة التي استفاد منها أهالي المنطقة بعد ردم بحرها الجميل؛ تلاحظ أن امتداداً واسعاً إلى «ثالث بر بحري» تشغله الآن، المنطقة الدبلوماسية، بما فيها من فنادق (5 نجوم) ووزارات، سفارات ومصارف، شركات وعمارات، مواقف سيارات وجسور، إلى آخره من مقومات الطفرة العمرانية المعاصرة.

في مقابل ذلك، تجد حيّ رأس الرمان الفقير، «منحصراً - محصوراً» من كل الجهات ببيوته العتيقة الآيلة إلى السقوط، وهو «يتوسع إلى الأعلى»، كما وصفه عبدالله خليفة في أحد تحقيقاته الصحافية، فخسر فضائه البحري وتنفسه ومصدر رزقه وأغانيه وفلكلوره وتاريخه الشامخ في تقطيع الأحجار من «الفشت» أو «القحة»، إذ كان يسمى باسمها في مرحلة تاريخية ما، وبني بواسطة فشته أول جسر يربط المحرق بالمنامة في الأربعينات من القرن الماضي وبسواعد أهالي هذا الحيّ.

ومن المفارقات الطبقية العجيبة، أن بحر رأس الرمان الذي تم دفنه وردمه وشيدت على أنقاضه المنطقة الدبلوماسية بكل جمالياتها وعائدها الاقتصادي الذي يقدر بالمليارات، لم يستفد منها الحيّ ولا أهله أو واحد فقط من أهله، لا بقطعة أرض كانت في يوم من الأيام تتسع «لحضرة صيد» الأسماك، أو مرسى لسفنهم، أو حفرة صغيرة يثبت فيها «قراقيرهم»، فالمالكون كلهم جدد وغرباء لا علاقة لهم بهذا البحر ولا ببستان «الباليوز» ولا «بالدباي» الذي كان يصارع الأمواج ويحمي حيطانه آنذاك... فقد جاءوا في غفلة من الزمن وتقاسموا ميراث الرأس رمانيين من دون وجه حق!

الآن، لا يمكن لأي عاقل أن يطالب بإزالة المنطقة الدبلوماسية عن البحر، وإرجاع الوضع إلى ما كان عليه، فهذه قضية قد تجاوزها الزمن، لكنه ليس من العدل والحكمة والمنطق أيضاً، ألا تفكر وزارة الإسكان وهي قائمة على بحر رأس الرمان بإعطاء الأولوية لأهالي المنطقة في ترميم منازلهم الآيلة إلى السقوط، أو ألا تفكر وزارة السياحة في تخصيص نسبة من تحصيلها من الفنادق التي شيدت على هذا البحر لمساعدة الحيّ للنهوض بنفسه، أو تستقطع نسبة من المصارف ومؤسسة النقد، وأصحاب العمارات والأبراج، وخصوصاً أولئك الذين حصلوا على الأراضي كعطايا و«مكرمات» في إطار «العلاقات العامة» والوجاهة والتوزيع غير العادل للثروات، لمساعدة فقراء رأس الرمان (وما أكثرهم) للعيش في بيوت لائقة، وشوارع نظيفة، ومدرسة نموذجية ومركز ثقافي يليق بمثقفيه لتواصل الأجيال، أو مرسم يتسع لأكثر من 100 فنان وفنانة بينهم الرواد في الحركة التشكيلية وجيل الشبان، منهم من قضى نحبه، ودفن مرتين، ومنهم من ينتظر لإعادة دفنه مرة أخرى.

لم يكن الغرض من إثارة موضوع مثل هذا، إعادة المواجع لما اقترف من تخريب بيئي متعمد على امتداد سواحل البحرين، ومن ضمنها ساحل رأس الرمان، الذي حلت محله المنطقة الدبلوماسية بخيراتها الوفيرة التي استفاد منها غير أهلها، وإنما تأكيد ما يمكن إنقاذه، وإعادة الاعتبار أو إمكان التعويض لمن يستحقون التعويض ولو بعد حين.

على شواطئ رأس الرمان المدفونة، هناك أيضاً، وزارة العدل «معلقة وتزهو كما البرتقالة!»، فهل لهذه الوزارة أن تنصف أهالي هذا الحي الفقير، وتعوضه بقليل من «الفتات» وبكثير من إعادة الاعتبار لحقه الذي ضاع في غمرة الانشغال بإعمار «المنطقة الدبلوماسية» وزيادة فقر فقراء الحيّ فقراً وتهميشاً؟

العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً