العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ

إغلاق نادي العروبة بين قانون القوة وقوة القانون

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

منذ تفجر أزمة «ندوة الفقر» التي نظمها مركز حقوق الإنسان في مقر نادي العروبة والبحرين تعيش حالاً «مربكة» و«محيرة» تستعصي على الفهم في بعض جوانبها وينتاب المرء إحساس بأنه يعيش حال طوارئ.

وكلما دنت ساعة الفرج أو الانفراج داهمتك إشاعات المغرضين وحاصرتك أخبار الصحافة وخبث الصحافيين لتجد نفسك مرة أخرى وجهاً لوجه أمام وضع غير مفهوم ومجهول العواقب، ومن خلال هذا الوضع المريب تصل إلى قناعة بأن هناك فعلاً من لا تعنيه مصلحة الوطن ولا يريد للنار أن تنطفئ ولا للجرح أن يندمل!

ولعل هذا الواقع الذي تمر به البلاد في الوقت الراهن يمثل أقسى إفرازات وتداعيات الندوة المذكورة بكل ما حملته وقادت إليه من تجاوزات ومرارات، وبكل ما أعقبها من إطلاق العنان لفرض «قانون القوة» على حساب «قوة القانون».

وكان من الطبيعي في ظل هذه الأجواء المربكة والمشحونة أن نرى هذا التصعيد والتحشيد، وأن نرى أيضاً توالي المواكب و«إقامة المنادب» وبالصورة التي لا يمكن الإدعاء معها أن البلاد تمر بحالٍ صحية أو سليمة، أو أن ما جرى يصب في خانة المصلحة الوطنية. وهكذا عادت من جديد «العصبيات المتخلفة» و«الاصطفافات» غير الوطنية لتكون سيدة الساحة بعد أن اعتقدنا أنها قد «توارات» أو «تراجعت» تحت وهج المشروع الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك.

من هنا فان الكثيرين من أبناء هذا الوطن ينتابهم الإحساس المربك نفسه والشعور بالقلق والخوف على مصير ما تحقق من منجزات في مجال الحرية وإبداء الرأي - على رغم تواضعها - وهم في الواقع مندهشون من دوافع ومبررات ما حصل سواء تعلق الأمر بالندوة نفسها أو بالقرارات والإجراءات القاسية التي أعقبتها من جانب المؤسسات الرسمية. وهناك تساؤل مشروع عن الأسباب الحقيقية لهذه الانعطافة غير «المبررة» وغير «المفهومة» لقضية هي قانونية بالأساس، كان يجب أن تترك للقضاء ليقول كلمته الفصل فيها عوضاً عن تحويلها إلى قضية سياسية وتحميلها فوق ما تحتمل من تؤيلات، وتوظيفها لتصفية حسابات قديمة من دون حساب للعواقب والأضرار التي يمكن أن تلحق بسمعة البلاد.

وكان من نتائج معالجة الأخطاء أو التجاوزات التي صاحبت الندوة هو هذا التصعيد والتحشيد الذي أعاد عقارب الساعة إلى الوراء وسمّم الأجواء ما سهل مهمة النافخين في النار وأفسح الطريق أمام اللاهثين وراء المنافع الشخصية لاقتناص الفرص وتصدّر المواكب على حساب المصلحة العليا للوطن وعلى حساب مسيرة الإصلاح التي يراد لها أن تتعطل لا سمح الله...

ومن المؤكد أن هذا الوضع يقدم انطباعاً سلبياً على مستوى الداخل والخارج، بل هو شاهدٌ على أننا مازلنا نعيش تحت سطوة قانون القوة و«الفزعة القبلية» و«الفزعة الطائفية»، على رغم كل الشعارات المرفوعة بشأن حرية إبداء الرأي والتسامح وشعار الأسرة الواحدة ودولة القانون والمؤسسات. وهذا كله من دون أدنى شك يعد خسارة كبرى للبلاد وخصماً كبيراً من رصيد مشروعنا الإصلاحي.

نحن نقول هذه الحقيقة التي قد تغضب البعض لما فيها من صراحة وحب وحرص على هذا الوطن، ونقول في الوقت نفسه أننا بصفتنا جزءاً من هذا الشعب المتطلع للحرية والعدالة والعيش الكريم، لسنا ملزمين بالانجرار وراء معارك هي في النتيجة خاسرة بمقاييس مصلحة الوطن والناس، كما أنها معارك مفتعلة وغير فاعلة من حيث الزمان والمكان، ولا يمكن لأحد أن يقنعنا، مهما علا صوته، بأن مناقشة أو ندوة بشأن قضية وطنية - سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية - مثل قضايا الفقر أو البطالة يمكن أن تقدم حلولاً أو نتائج إيجابية تخدم المواطن المسحوق، عن طريق الصراخ والعويل أو باللجوء إلى أساليب التطاول على الرموز والشخصيات السياسية في البلاد، فالنتيجة الوحيدة التي يمكن أن نخرج بها في مثل هذه الأجواء المشحونة والانفعالية هي انعدام الثقة بين كل الأطراف وبروز العامل الشخصي على حساب العام والوطني، وتغليب منطق القوة والمواجهة واعتماد سياسة كسر العظم من دون مراعاة أو حساب للعواقب والمخاطر التي يمكن أن تجلبها هذه السياسة القائمة على ردة الفعل والعواطف المنفلتة.

ولعل من مخاطر هذه السياسة وتداعياتها السلبية وجود ضحايا يقدمون «كقرابين» أو «كعناوين» بارزة أو «كبش فداء» لحوادث لا يتحملون أية مسئولية قانونية أو أخلاقية في وقوعها. وكان نادي العروبة للأسف أول ضحايا سياسة الانفعال والنظرة القاصرة التي سادت وحكمت معالجة «ندوة المركز» وإفرازاتها، وهي معالجةٌ تأكدت للجميع الآن بأنها غير صحيحة وغير عادلة في الوقت نفسه.

لذلك جاء قرار المؤسسة العامة للشباب والرياضة بإغلاق نادي العروبة إدارياً لمدة 45 يوماً ليكشف حجم الانتقائية والخلل في طريقة التعامل مع القوانين التي تحكم مؤسسات المجتمع المدني، كما يكشف حجم الاستهانة بكل تاريخ وعطاء هذه المؤسسات (منها نادي العروبة) وجعلها تحت رحمة وسطوة الدولة وعرضة للأمزجة والانتقام، بعيداً عن لغة الحوار والقانون الذي من المفترض أن ينظّم ويحدّد طبيعة التقاضي في حال نشوب أي خلاف بين تلك المؤسسات والدولة. وهذا ما أكده جلالة الملك في كلمته في افتتاح دورة الانعقاد الثالث لمجلس الشورى والنواب بـ «ضرورة تعزيز ثقافة القانون بدولة القانون في مختلف المجالات حتى يعرف كل ذي حق حقه». ترى هل كان قرار المؤسسة العامة يحمل هذه الروحية التي يحرص جلالة الملك عليها ويريدها أن تسود معاملات وعلاقات مؤسسات الدولة؟

ولكي نفهم صحة ومشروعية هذا التساؤل علينا فقط التمعن جيداً وقراءة صيغة قرار الإغلاق وأسلوب تنفيذه، وكذلك معرفة حجم التناقض في صوغ محتواه والأسباب أو التبريرات التي ساقها المسئولون لإصداره.

فالقرار جاء تحت «بند» أو شعار ظاهري وهو «الإساءة إلى دولة صديقة» أو «شقيقة» في ندوة النادي بشأن «الأوضاع في العراق الشقيق»، ولكن الترجمة الفعلية للقرار المذكور وتنفيذه على الأرض وما رافقه من صخب إعلامي ضد نادي العروبة وإجراءات وتدابير زجرية تذكرنا بأيام قانون «أمن الدولة» سيئ الصيت، وذلك لم يكن له علاقة بـ «ندوة العراق»، وهو ما يعني أن الأسباب و«المقاصد» و«الغايات» هي أكبر مما هو معلن في القرار وحيثياته.

وربما أن هذا التناقض هو ما يفسر الحال المربكة التي تعيشها البلاد، ومع كل ما لحق بالنادي من ظلم لا يستحقه، وعلى رغم المرارة التي خلفها هذا القرار في نفوس أعضاء النادي ومحبيه، لغياب منطق العدل والإنصاف والقانون في معالجة هذه القضية. على رغم كل ذلك اتسمت ردة فعل نادي العروبة بالموضوعية والعقلانية، فاعتمد أسلوب الحوار والشفافية، من خلال فتح قنوات الاتصال بالجهات العليا في البلاد، ما يؤكد صدق نواياه وحرصه على حل المشكلة في حجمها الحقيقي من دون «تهويل» أو«تهوين».

كما أعلن النادي حقيقة موقفه مما جرى في ندوة العراق يوم 19 سبتمبر/ أيلول الماضي وفي ندوة الجمعة 24 سبتمبر 2004 التي أقامها مركز حقوق الإنسان، وأعرب عن أسفه ورفضه للتجاوزات التي حدثت. وقبل ذلك قام مجلس الإدارة باتصالات على مختلف المستويات لاحتواء المشكلة وحلها في أسرع وقت ممكن في إطار القانون وبما يخدم المصلحة العليا للبحرين ويحفظ مكانة نادي العروبة.

وكانت أولى المبادرات مخاطبة المؤسسة العامة وطلب عقد لقاء عاجل مع المسئولين لبحث صيغة تنفيذ القرار وشرح موقف النادي، ولكن المؤسسة للأسف تجاهلت طلب مجلس الإدارة، ولا يبدو أنها في وارد الاستجابة لأمرٍ لا يعلمه غير علام الغيوب. وواضح أن «كثرة مشاغل المسئولين» هناك لا تسمح بتفرغهم ولو لساعة واحدة لمتابعة «قضية صغيرة» بحجم قضية نادي العروبة التي قلبت البلاد رأساً على عقب وأضرت بسمعة البحرين في مسألة أوضاع الحريات العامة في زمن الإصلاح والديمقراطية.

ان غالبية أعضاء النادي المتمسكين بشرعية مجلس الإدارة المنتخب من قبل الجمعية العمومية يدعمون توجهاته الصادقة في حل هذه الأزمة المفروضة عليه، وهناك أيضاً تعاطف كل الخيرين من أبناء الوطن من محبي نادي العروبة. وقبل هذا وذاك هناك تاريخ النادي وعطاؤه المتميز عبر ما يزيد على ستة عقود ودوره في إثراء العمل الوطني والثقافي والاجتماعي، وهذا ما يشكل رصيداً له يحميه من السقوط في مهاوي التدجين وسياجاً يقيه انتهازية المنتفعين. وهذا ما يجعلنا على يقين وثقة تامة بأنه عما قريب سنرى أبواب النادي مشرعة من جديد وتعود أنشطته وفعالياته الثقافية التي تخدم المصلحة الوطنية والقومية، وتعود قاعاته للحوار الموضوعي والحضاري كما كان دائماً وبالشكل الذي يرفع من شأن الوطن ويعزز الانتماء إليه.

عضو مجلس إدارة نادي العروبة

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً