للرئيس جورج بوش الابن منذ نعومة أظفاره عادات لم يستطع المربي المنزلي: جورج بوش الأب ولا الأم الفاضلة التي اختارت الظل كي يُسلط النور على الأب والابناء ويبرزهم إلى الناس، ولم يستطع المربي الحكومي المتمثل في المدرسة والكلية والمؤسسة العسكرية التي التحق بها ولم يستطع محيط الجامعة الكبرى العامة للناس أي المجتمع بكل فئاته وطوائفه أن يغيرها. فقط السيدالمسيح عليه أفضل الصلاة والسلام كما ذكر بوش نفسه غيرها، وغيّرها فجأة من دون إنذار وهو لا يعرف كيف حصل ذلك ولم يكن قادراً على شرح هذا التأثير وكيف حصل ولم حصل، وإن اعتقد أخيراً بأنه اختير ليؤدي دوراً ريادياً في المجتمع الذي ينتمي إليه والمجتمع الإنساني قاطبة.
من هذه العادات التي لم تتغير هي حلمه الذي حمله معه سنين طويلة: سيناته الثلاث: سين: سيطرة، سين: سطوة، سين: سلطة. فهو قد حقق السين الأخيرة في سلسلة سيناته كما أوردناها التي يريدها في مواقع عدة منها حاكم لولاية ورئيس لأكبر دولة، غير أن السيطرة الكلية على العالم الذي يطمح إليه لم تتحقق في دورة رئاسته الأربع الأولى وهو عازم أشد ما يكون العزم على تحقيقها في حال نجاحه في الانتخابات الثانية إذا لم ينتبه العالم لذلك! أما السطوة فتعريفها في القواميس يشي بأنه لم يستطع أن يحققها وإن هو «سطا» على بعض أفراد إدارته؛ السطوة الكلية لم يحققها لأن في محيطه الخاص هناك من يقف في وجه تحققها على ما يشتهي الرئيس. من هؤلاء العازمين على عدم تحقق السين الثالثة زوجته «لورا بوش» التي توصف بأنها المرأة التي وراء «العظيم»، وإن هو اعتد بنفسه وكابر على اعتبارها زوجة لا يستمع لها كما وأعلنت هي في برنامج خاص أذاعته قناة «العربية» الأسبوع الماضي، إذ قالت: «هل رأيتم زوجاً يستمع لزوجته»؟ هي طبعاً أدرى من أن تعمم ولكن هناك استثناء للمعتاد والمتعارف عليه.
لم استطع أن أبقى يقظاً لأشاهد المناظرة التي تمت بين الرئيس بوش مرشح «الجمهوريين» ومرشح «الديمقراطين» جون كيري، الذي في اعتقادي سيصبغ العالم بالأحمر إذا فاز معتبراً إياه مكاناً صالحاً للـ «كتشب»! كنت منهكاً جداً وللتو انتهيت من لوحة حصان صغيرة، وقبلها لوحة للحاج عبدالله وهو رجلٌ فاضلٌ مات متأثراً بتسمّمه من «الاسبستوس» الذي يعمل فيه في قطاع النفط قديماً. على أية حال تلك قصة أخرى ربما وقفنا معها في عجالة أخرى من ضمنها «النفط» المشتعل في هذه الأيام على الأصعدة كافة بما فيها ما يسمى «النفط مقابل الغذاء».
تابع وبشغف بالغ السيناتور «بيرد» «التآكل البطيء للحريات» في أميركا في عهد الرئيس بوش الابن، كما لاحظ أنه قد «فقد الأميركان خصوصيتهم»، وإن إدارة بوش «تجاهلت المشكلات الخطيرة التي تواجه المجتمع الأميركي وتؤرق من يكدحون من أجل لقمة العيش»، وأن هذه الإدارة «اندفعت في حرب حمقاء من دون استعداد ملائم»، وهذه الأمور كلها تجعل من بوش «يدق ناقوس الخطر» لكونه حاول أن يلعب دور «الولد الشرس»، وهو قد وصل الى حد الإشارة إلى عبارة «مطلوب حياً أو ميتاً» التي غالباً ما تشاهد في أفلام الكوبوي عند مناقشة ما يقصده تقديم «أسامة بن لادن للعدالة».
ويذهب السيناتور بيرد بالعودة إلى التاريخ والمقارنة بين الماضي السحيق والحاضر المؤلم إلى القول إنه «لقد ظلت الأمبراطورية الرومانية لقرون عدة تمثل أعجوبة العالم. وكانت تخومها تمتد من بريطانيا غرباً وحتى مياه نهر الفرات في العراق شرقاً، وبين الراين والدانوب شمالاً وحتى أهرامات مصر والصحراء الغربية والإفريقية جنوباً. وكانت المعابد وأقواس النصر والطرق والمنشآت الرومانية من أعظم الآثار التي تدل على عبقرية الرومان. وكانت تجارة روما تشمل جميع أنحاء العالم، وقلاعها وحصونها التي تحمل شعار النسر الذهبي تنتشر في كل مكان لتتصدى لهجمات برابرة الشمال وتلحق الهزيمة بجيوش ملوك فارس فيما وراء الفرات، لكن أعداء روما لم يكونوا خارجها فقط بل وداخل حدودها، ومهّدوا الطريق بأنفسهم لسقوط الإمبراطورية الرومانية أولاً أمام غزاة الشمال البرابرة ثم بعد حوالي ألف عام أمام الأتراك. وهناك الكثير من الأعراض التي سبقت سقوط الإمبراطورية الرومانية بدأت تظهر في الولايات المتحدة هذه الأيام». ويعددها على هذا النحو: «انتشار الفساد وجشع الحكام ووجود أموال هائلة في ساحة السياسة وسلبية المحكومين في اختيار من يحكمونهم». ويضيف قائلاً: «لقد لاحظت كل ذلك خلال حياتي التي امتدت لأكثر من 85 عاماً وليس بوسعي تفسير ما أراه سوى اعتباره علامة مبكرة ومؤكدة على التغيير الخطير الذي يجتاح مؤسساتنا وحياتنا الوطنية». وينتهي إلى القول أن كل هذه الأشياء مجتمعة «هي نذير شؤم بالنسبة إلى مستقبل أميركا». ويورد قولاً للشاعر الأميركي إدوين ماركهام، في قصيدة بعنوان «أخاف عليك يا بلادي»، إذ يقول: «أخشى تلك الهوام التي ستقضي على مجلس الشيوخ والحصن والمدرسة وتهدم بلادنا في ساعات».
شاهد الكثير من الأميركان مناظرة الرئيس وكيري، بلغ تعدادهم 62 مليوناً وبعض مئات الآلاف بحسب إحصاءات لمؤسسات رصد رزينة، غير أن هؤلاء المشاهدين لم ولن يغيّروا شيئاً من برنامج المرشحين إطلاقاً، أولاً لكون جلّ هؤلاء المشاهدين هم أعضاء في أحد الحزبين المتنافسين وهم في غالبيتهم بصموا باليدين على البرنامج الانتخابي للحزبين.
النصائح القيمة دائماً وأبداً لا تؤخذ بجدية تامة، كثيرون هم الذين لم ينتبهوا لناصحيهم ناهيك عن النصيحة التي تصلهم من دون معرفة الناصح. بوش الابن قال: «لا» لوالده «جورج بوش الأب» حين حذره من «الاقتراب من النهرين»؛ بوش الابن قال: «لا» لوالدته التي طالما حذرته من مخاطر «الشراب». وبوش الابن قال: «لا» لأخلص خلصائه في أمور كثيرة وأهمها لزوجته حين حذرته من «فلوريدا» و«أخيه» الحاكم هناك. أخطاء كثيرة لم يستفد منها بوش الابن، فقط لأنه قال فيها: «لا»!
السيدة «لورا بوش» في لقائها بقناة «العربية» أشادت بالعرب والمرأة العربية وقالت إنها تتوقع لها مستقبلاً باهراً، وأكدت أن هذه المرأة ستلعب دوراً مهماً في المستقبل، بدورنا نتمنى ذلك وإن كانت الدلائل لا تشير إلى ذلك إذ إن بوش الابن يقول لها وللمجتمع الأميركي والمجتمع الدولي: «لا».
في الختام نتمنى أن توفق «لورا بوش» في إقناع زوجها «الرجل العظيم» الذي تقف وراءه كامرأة «عظيمة» في التخلي عن السين الثالثة لكونها لم تتحقق بعد، وأن توفق في جعله يقول: «نعم» وبصوت مسموع كما قالها للسيدالمسيح (ع) حين دعاه إلى «أن يولد من جديد» وهي الحسنة الوحيدة بعد إسقاط «المعتقل» في صفحته الإنسانية منذ برز على سطح الأرض والعالم فقط لكون السيدالمسيح قال: «واما انا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً». وقال: «من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضاً. ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً». وقال (ع) أيضاً: «بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا». وقال: «ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجّنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد الى الأبد...آمين».
نتمنى أن تفلح
العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ