العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ

النخبة والجماهير بعد انتفاضة الهيئة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

واحدة من المشكلات التي نشأت بعد قمع انتفاضة هيئة الاتحاد الوطني وإعلان حال الطوارئ في نهاية 1956 كانت اختلال العلاقة بين النخبة والجماهير. لنستذكر أن الانتفاضة التي قادتها الهيئة اعتمدت على علاقة «ثقة» بين النخبة والجماهير. فالجماهير وثقت في عبدالرحمن الباكر ورفاقه لحل مشكلة التأمين على السيارات، ووثقت في قدرة النخبة على رأب الصدع بين الشيعة والسنة، ووثقت الجماهير ايضا في تمثيل النخبة لهم في مفاوضات مع الحكومة نتج عنها اعتراف رسمي بحزب سياسي للمرة الأولى في تاريخ الخليج العربي.

علاقة الثقة اهتزت كثيراً، وليس معلوماً من بدأ بهز العلاقة، هل هم النخبة أم الجماهير؟ الباكر في كتابه «من البحرين إلى المنفى» كتب بحسرة عن الجماهير، مشيراً - بما معناه - إلى أن هذه الجماهير التي حملت قادة الهيئة على الأكتاف وصفقت لهم نستهم في وقت المحنة، بل ووقفت «تتفرج» عليهم كيف يحاكمون ويحكم عليهم وينفون من البحرين من دون أي احتجاج.

هذا الهجوم من النخبة على الجماهير تسمعه كثيراً من مختلف أنواع الناس، بمن فيهم بعض علماء الدين، الذين يكررون أن «شعب البحرين يخذلك في النهاية ويشتمك ويلعنك وينسى ما قدمته اليه».

في المقابل تسمع كلاماً من الطرف الآخر. فهناك الكثير من الاحاديث الدائرة حول «خيانة النخبة» التي تسعى إلى «الركوب على أكتاف الناس» و«الذين ينتهزون الفرص من أجل الحصول على المناصب»، وأن «هؤلاء المعارضين أسوأ على الناس من غيرهم ويسيل لعابهم امام المنصب»... إلخ.

جذور هذه الأزمة في العلاقة ليست واضحة، ولكنها استفحلت كثيراً بعد القضاء على انتفاضة الخمسينات. فلو رجعنا إلى التاريخ نجد أن الفقيه الكبير الشيخ يوسف العصفور يستخدم عبارات شبيهة بعبارات الباكر عن «الخذلان» وقت الحاجة، وينطلق العصفور من حادث ردم «عين أم السجور» من قبل عبدالملك بن مروان عندما كان والياً على الأحساء والقطيف والبحرين وكيف أنه تغلب على الثوار ضد الحكم الأموي، والذين لجأوا الى البحرين من خلال بعض «الفاسدين» من أهلها.

مهما يكن الحال، فإن هذه الأزمة في العلاقة التي استفحلت بعد انتفاضة الخمسينات تعتبر من أكبر العقبات أمام تنمية حياة سياسية أفضل من الماضي، فإذا كانت الجماهير تشكك في النخبة - كل النخبة - ولا تعترف الا بمن يقضي آخر أيامه في مرض عضال (الشيخ الجمري، أحمد الشملان مثلاً) ولا تعترف إلا بكل من يصرخ بأعلى الصوت في كل مكان وبكل الوسائل ليثبت للجماهير أنه مستعد للموت او السجن من أجل الاستمرار في رفع الشعارات والمطالب، ولا ترضى إلا بمن يتحدث باسم الشرع الحنيف لكي يصدر لهم فتوى حاسمة في كل صغيرة وكبيرة، فإننا مهددون بثقافة «البؤس والبؤساء» التي تحدث عنها الفيلسوف الفرنسي فيكتور هيجو، الذي اشار في روايته الشهيرة الى كيف أن المظلوم ربما يحطم نفسه ويحطم من معه ممن يسعون إلى الخلاص من الظلم بسبب ثقافة «البؤس».

لا أعرف من الذي نلوم في استمرار الأزمة بين النخبة والجماهير، ولربما كان الاثنان (النخبة والجماهير) ما هم إلا ضحايا لبعض التجارب الفاشلة، فالمثل الغربي يقول: «النجاح يولد النجاح والفشل يولد الفشل»، والتجارب الفاشلة، أو التي أصابها فشل، تولد أنماطاً من العلاقة الفاشلة أيضا.

ولكي نكسر الحلقة السيئة في العلاقة بين النخبة والجماهير، فإننا بحاجة إلى منظور آخر يختلف عما ورثناه بعد قمع انتفاضة الخمسينات. هذا المنظور يجب أن يفسح المجال إلى شيء من التسامح بين الجميع، على أن يكون الحكم الفصل في ميزان الاشخاص هو ما يقومون به حالياً مع عدم فرض نمط واحد مقبول، دون غيره. فالله سبحانه وتعالى يقول «إن سعيكم لشتى» (الليل:4)، وهذا يعني أن علينا أن نقبل بتعدد الأساليب والمساعي وأن ننظر إلى الأمور بتأن لكي لا نحوِّل نصف المشكلة إلى مشكلة كاملة دائمة وأبدية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 769 - الأربعاء 13 أكتوبر 2004م الموافق 28 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً