العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ

مناسبة تاريخية تبحث عن إنصاف

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

مناسبة تاريخية مهمة للغاية نحتفل بها اليوم وهي مرور الذكرى الخمسين على تأسيس هيئة الاتحاد الوطني التي كانت أول تنظيم سياسي معترف به من قبل السلطة طبقاً لأدبيات التاريخ السياسي المدون للبحرين.

شخصيات عديدة كانت أمام وخلف ستار حوادث الخمسينات بدءاً من الفتن الطائفية التي عصفت بالبلاد وراح ضحيتها كثيرون وصولاً إلى التحام الشعب وتحديد مطالبه في مواجهة طغيان واستبداد الاستعمار البريطاني البائد. وعلى رغم استطاعة الأخير في النهاية حل الهيئة وتصفية قياداتها ونفي أبرزهم إلى خارج البلاد فإن تلك الحوادث الدامية والمثيرة للدراسة والبحث مازالت باقية في ذاكرة شعب البحرين الذي رفض كل المحاولات التي بذلت من أجل طمس حقائق الماضي العريق وذكرياته الكثيفة.

واليوم بعد مرور خمسين عاماً فإننا بحاجة إلى وقفات تأملية وبحثية لسبر أغوار تاريخ الهيئة ونضالها من أجل نيل مطالب شعب البحرين، وتحديد طبيعة دورها وأبعاده المستقبلية ومعرفة امتدادات آثاره الباقية إلى اليوم! مثل هذه الوقفات طبعاً بحاجة إلى الوثائق والشهادات التاريخية المتوافرة حالياً والتي ذهب الكثير منها طوال السنوات الماضية. وعلى رغم وجود مصدرين أساسيين هما ما ذكره مستشار حكومة البحرين في مذكراته، وما ذكره عبدالرحمن الباكر في مذكراته المهمة إلا أنه بالطبع هناك الكثير من الوثائق التاريخية التي مازالت في أرشيف الحكومة البريطانية وكذلك أرشيف حكومة البحرين طي الكتمان. وأعتقد أنه آن الأوان للكشف عن جميع هذه الوثائق للباحثين للوقوف على حقيقة الهيئة وأبعاد دورها في النظام السياسي البحريني الناشئ خلال الخمسينات.

وهذا بالضرورة يستدعي حفظ تاريخ الهيئة لدى أبناء البحرين عن طريق تدريسه في مدارس وزارة التربية والتعليم. فالمسببات التي كانت عائقاً أمام الاعتراف بالهيئة وإنصافها تاريخياً وتدريس وقائعها وحوادثها قد زالت. ويجب حفظ تاريخ الهيئة كله خصوصاً مع سعي وزارة الإعلام لإنشاء متحف لتاريخ البحرين السياسي بتوجيهات من جلالة الملك.

بالمقابل فإن هناك مسئوليات ملقاة على عاتق الجمعيات والقوى السياسية التي حرصت منذ بداية عهد الانفتاح السياسي على تكريم الهيئة والاحتفاء بها كمناسبة سنوية. فجميع احتفالاتها طوال السنوات القليلة الماضية وحتى السنوات المقبلة ستكون غير مجدية إذا لم تتعظ الجمعيات بالدروس المستفادة من حركة الهيئة وتاريخها وطبيعة الدور الذي قامت به والعوامل التي أدت إلى نهايتها.

فالجمعيات تحرص باستمرار على إبراز دور المستعمر الأجنبي في حل الهيئة وتصفية طموحات ومطالب شعب البحرين التي حملتها قيادات الهيئة آنذاك، إلاّ أنها تغفل تماماً أن الهيئة لم تكن امتداداً لتنظيمات أو أفكار سياسية من خارج البحرين، وإنما كانت تحمل أفكاراً بحرينية ووطنية صرفة للغاية وهو ما أكسبها احتراماً فائقاً لدى مختلف فئات المواطنين وحتى خارج البحرين. وأيضاً من المغيّبات عامل حداثة الخبرة السياسية الذي دفع الهيئة إلى القيام بممارسات لم تكن موفقة بشهادة زعيمها. بالإضافة إلى دورها العظيم والرائع في محاربة آفة الطائفية في المجتمع التي لم تستطع الجمعيات السياسية حتى الآن خلق حالٍ من الثقة المتبادلة بين الطائفتين بممارساتها المتباينة. والقارئ لتاريخ الهيئة كما هو متوافر سيجد طبيعة الممارسات السياسية السائدة آنذاك مشابهة لما هي عليه اليوم، وبإمكانه مقارنتها بممارسات الأفراد والقوى السياسية في الوقت الراهن.

في النهاية فإن ما سبق كله يدعو إلى أمرين، الأول: إنصاف الهيئة من قبل الدولة والمجتمع، والأمر الآخر استخلاص الدروس والعبر الكثيرة التي يجب معرفتها حتى نتعلم من ماضي الهيئة لا أن نحتفل به كذكرى تاريخية لا تتعدى الكلمات الخطابية أمام الحشود

العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً