أعتمد منهجية في الحياة تقوم على احترام لغة الأرقام والوثائق دائماً... دعوت إلى ذلك في ملفات مختلفة خضت غمارها ومنها الأوقاف الجعفرية، ودعوت إلى مناظرات عدة ولم يستجب أحد... في نهاية المطاف بدأ يخرج علينا بعض الأخوة «الكتاكيت» وراحوا يناقشون ما أطرحه بأسلوب قديم... لم أمنع أحداً من ذلك، ولكن دائماً ما أقول: من يريد ان يلعب بذيله ويخلط الأوراق بنكهات الضرب تحت الحزام فليتحمل الرد ولا يلومني عندما أعمل على قطع الذيل.
لعل البعض يقول: لماذا تقول ذلك؟ أقول لأن هناك بعضاً من الاخوة أخذوا راحتهم في السب والشتم وسحب الوطنية من كتاباتي و... ثم ينتظرون مني ان القي عليهم الزهور والرياحين، ويتسابقون للشكوى هنا وهناك ويأتون ليتباكوا. أنا رجل أحترم العقل ولا أغير تفكيري بخلق الزوبعات الصحافية، ولا يهمني كثيراً صفق الجمهور أو غضب، رضت الصحافة أو سخطت، قبل المسئول الفلاني أو سخط الوزير العلاني... هذه أمور لا أضعها في الميزان، ولو كنت اضعها لما طالبت المعارضة بالدخول في البرلمان وأمام الملأ ومازلت أصر على ان أكبر خسارة هي تركنا للبرلمان... أنا شخص أتعامل مع القضايا وفق قناعتي وموقفي الوطني والشرعي... تريد ان تقنعني، اذاً اقنعني بلغة علمية ومعرفية، وبأرقام وحقائق. أما اذا جئت تريدني ان أغير رأيي من أي ملف بالسب أو الشتم أو تهييج الصحافة وافتعال المعارك أو أن تحرض عليّ صبية صغاراً يقذفون مقالاتي بالحجارة ويثيرون الشائعات كوسائل ضغط، فذلك لا يغير شيئاً. بمعنى، وأقولها بكل صراحة «راح تتعب وياي»... لا أريد الحديث عن نفسي، لكن يهمني كثيرا ان اختصر الطريق على أي شخص، أية مجموعة تحاول افتعال المعارك كوسيلة ضغط سواء في الصحافة أو خارج الصحافة.
أنا شخص تربيت تربية تقوم على احترام العقل ولا تؤمن بالوصاية الفوقية من أي أحد. ليس ذلك غروراً، ولكن أنا أؤمن بأن اللّه غداً سيحاسبنا فرادى. لهذا لا أؤمن بالعقل الجمعي ولا يسيل لعابي كثيرا حين أوصف بالبطل الوحدوي وأنا أرى تحت الركام ألغاماً طائفية تزرع... لن أكون افضل من مانديلا ولا غاندي ولا لوثر ولست اقيس نفسي بعطائهم التاريخي، ولكن في المقابل يجب ان نفهم ان غض الطرف عن الفساد الإداري والمالي ودس الرأس على طريقة النعامة في الرمال لنقول بعدها: كل شيء صح... هذا خطأ... حملة المباخر والراقصون على أوجاع تناقضات السلطة والمجتمع لا يخدمون أحداً هم يضرون البلاد. القول ان كل شيء صح اسلوب خاطئ كما ان القول كل شيء خطأ كذلك هو اسلوب خاطئ... الرؤية النقدية الواردة في خطاب سمو ولي العهد بالاخطاء يعزز خطابنا وهذا ما أقوله وأقول للجميع: فلننصف التجربة البحرينية في الأمور الصحيحة. ولقد كتبت مقالات عدة في ذلك وألقيت عليّ الحجارة وذلك لا يهم الآن.
مشروع الاسكان الضخم للمدينة الشمالية مشروع يجب ان نباركه، يجب ان نشكر الدولة على هذا المشروع ونقدم برقيات شكر وتقدير لها... أقول دائما: الأمور الصحيحة يجب ان نشكر المسئولين عليها، ومن حقنا ان نمارس النقد لأي قانون خاطئ كقانون الجمعيات أو قانون تنظيم الصحافة، وما الى ذلك. يجب ان نعترف ان الحرية في البحرين افضل ألف مرة من السابق، الوضع الأمني افضل مليون مرة من السابق واذا تنكرنا لذلك فهو نوع من أنواع الاجحاف. في المقابل يجب ان نعطي التجربة فرصة أوفر، فعملية حرق المراحل مكلفة للجميع، وقد تؤدي الى اجهاض التجربة وموت الجنين وهو في بداية مرحلة النمو.
عودا على بدء أقول: بعض الكتاب ممن تناولتهم في كتاباتي الأخيرة ذهبوا يتباكون هنا وهناك مدّعين أن كتاباتي شرسة وحادة.. أحب أن أوصل رسالة لأي أحد: لا تنتظر عندما تتطول بلسانك على الآخرين بالسب والشتم وسحب الوطنية واتهامهم بالخيانة والرجعية وعدم الولاء للوطن وللمشروع الاصلاحي بأن اقابلك بالورد والياسمين. لقد مر عُرف وكُرّس سنين طويلة بأن هؤلاء يقبلون القاء القمامة عليهم فلا يقولون شيئاً، وأنا أقول: «لا سكوت بعد اليوم». من سيتجرأ على نزع الوطنية من أي مواطن بحريني ظلما فسنسلخ جلده بالكلمات، من يتجرأ على القاء القاذورات على أي مواطن من أي طيفٍ كان فليتحمل المسح بالارض يوميا. «عيب» أخطاء الافراد يجب ألا تعمم على الجميع. الخطأ يجب ان يؤخذ بحجمه بلا تعميم، ويجب ألا يؤخذ الناس بجريرة اشخاص. وها هو المجتمع بينكم الآلاف الكثيرة من الأشخاص المسالمين من الكوادر والعلماء والاطباء والمهندسين والتجار... لا تستعدوهم جميعا فتخسروا حتى المتعاطين معكم. نحن أمة لنا اعتزازنا بديننا ووطننا وكوادرنا وانتمائنا لهذا الوطن ولهذا الدين ومازلنا نتحمل الطعنات يوميا حتى اشبعنا من بعض اصدقائنا لكماً وضرباً وعضاً وتشهيراً لإيماننا بأن هذه الطعنات ستتحول الى قبلات يوم ان نرى البحرين وقفت على رجلها كماليزيا عندما اندمج المواطن لبناء البلد بلا تمييز ولا أعراق ليتحول الى وطن الانسان بعيدا عن المحسوبيات والكذب الرخيص
إقرأ أيضا لـ "هاني فحص"العدد 768 - الثلثاء 12 أكتوبر 2004م الموافق 27 شعبان 1425هـ