بعد صيف هادئ نسبيا، أطل الخريف على منطقة المغرب العربي بزوابع صحراوية لم تكن في الحسبان وخصوصاً بعد خطوة الرباط التصالحية مع الجزائر والتي تمثلت في رفع التأشيرة عن المواطنين الجزائريين الراغبين في الدخول إلى التراب المغربي، وهو ما كان يتوقع المراقبون أن تردّ عليه الجزائر بالمثل، بأن تفتح الحدود في وجه الشعبين، إلا أن الرياح أتت بما لا يشتهيه ساسة الرباط خصوصاً بعد اعتراف بريتوريا بالجمهورية الصحراوية المعلنة من جانب واحد، وبعد تزايد صفقات التسلح التي وقعتها الجزائر مستفيدة من مداخيل النفط المرتفعة أسعاره منذ مدة، وهو ما رأت فيه الرباط تهديداً صريحاً لها قد يدفع إلى سباق للتسلح بين الجانبين.
تأزم العلاقات بين المغرب والجزائر كان من الطبيعي أن يلقي بظلاله على صحف البلدين، التي بات «الملف الصحراوي» و«الدعم الجزائري للبوليساريو» القاسم المشترك للموضوعات المتناولة للصحف الصادرة في الرباط والدار البيضاء من جهة، وتلك الصادرة في الجزائر ووهران من جهة ثانية.
وهكذا أدانت الصحف المغربية ما أسمته بـ «مؤامرات الجزائر ووقوفها ضد وجود المغرب في صحرائه وتماديها في معاكسة حقوقه الترابية والتاريخية والشرعية»، مجمعة على أنه لا جدوى من الحملة الدبلوماسية والإعلامية التي تقوم بها الجزائر وعلى أنها لن تؤثّر على مواقف المغرب الثابتة ولن يجنى منها إلاّ عدم الاستقرار بالمنطقة المغاربية والزجّ بها في متاهات مجهولة.
وعلقت صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» الناطقة باسم أكبر الأحزاب المغربية على كلمة الرئيس الجزائري أثناء ترؤسه ونظيره الجنوب الإفريقي اللجنة المشتركة بين البلدين مستفيضاً بالإشادة باعتراف بريتوريا بـ «الجمهورية الصحراوية» الوهمية المعاكس للتوجه الدولي معربة عن استغرابها من كون الرئيس بوتفليقة لم تسترع انتباهه «جروح القارة ومآسي شعوبها وانتشار الأمراض الفتاكة من جنوب السودان إلى الكونغو وتفشي أمراض قاتلة كالأيدز وغيرها وتوسع هوة الفقر المدقع الذي يودي بحياة الملايين ولم تشغل باله سوى قضية الوحدة الترابية المغربية كيف يستهدفها ويمسها في إطار سياسة الهيمنة التي تنهجها الجزائر كقاعدة للتعامل على مستوى المغرب العربي».
وفي السياق نفسه شدّدت صحيفة «الحركة» لسان حال حزب الحركة الشعبية ذي التوجه الأمازيغي على أنه على الجزائر أن تعلم أنها بممارساتها المعاكسة للمغرب وقيامها بدور «عراب البوليساريو»، إنمّا تحاول بلقنة المغرب العربي وهو ما ترفضه كل شعوب المنطقة التوّاقة إلى التقدم والسلم والسلام وتحقيق الديمقراطية المندمجة في إطار وحدوي مبرزة أن هذه الشعوب «ستلقي بأي كيان وهمي في مزبلة التاريخ وسلة مهملات متطلبات المرحلة السياسية الكونية».
وأكدت صحيفة «صباح الصحراء» السعودية أن تناقضات حكام الجزائر تبقى صارخة في خلطها بين «المبادئ التي يجب أن تنبني عليها الحلول والمواقف»، التي تهم الصحراء بقولها مرةً أنها تسعى إلى «تصفية الاستعمار بالمنطقة» ومرة أخرى أنها ترغب في «إجراء استفتاء» وتحاول ترك الحوار السياسي على الهامش في وقت تنسى فيه الجزائر أنها حصلت على استقلالها عبر المفاوضات السياسية، مضيفة أن الجزائر بهذا السلوك تحاول أن تولي ظهرها للحقائق التاريخية والإثباتات الواقعية وممارسة هوايتها المفضلة المتمثلة أساساً في معاكسة كل الحلول السياسية التي من شأنها أن تزيد من تمتين الروابط على مستوى المغرب العربي.
وفيما يخص موضع التسلح الجزائري أكدت «العلم» الناطقة باسم حزب الاستقلال من جهتها أن لغة الحشد العسكري هي الأكثر ترجيحاً في منطق الجزائر مؤكدة أن حكومة الجزائر تواصل سياسة الاستفزاز والدس والتآمر تجاه المغرب في نطاق مخططاتها التوسعية والمعادية لوحدته الترابية.
من جانبها انتقدت صحيفة «أوجوردوي لوماروك» في معرض تعليقها على خبر أوردته إحدى الصحف الجزائرية يفيد بأنه تم اعتراض وحدة من الجيش المغربي بالقرب من تندوف والذي نفته قطعاً القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية افتراءات الصحف الجزائرية التي «تسخر نفسها للقيام بمهمات دنيئة» لتعميق ما أسمته الخلاف بين المغرب والجزائر ونشر أكاذيب وافتراءات من أجل صرف الانتباه عن المشكلات الداخلية، ومحاولة تبرير سعي الجزائر نحو التسلح تحت غطاء دوافع واهية لا تمت الى الواقع بصلة»، معتبرة ان الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الجزائرية «ينم عن انعدام المسئولية والاستخفاف الذي تتصف به الصحافة الجزائرية في تناولها لكل ما يرتبط بالمغرب»، مؤكدة أن هذا النوع من الأخبار «التي تنسج من الخيال الشيء الكثير يوحي بمناورات اعتادت السلطة الجزائرية على القيام بها منذ نحو ثلاثين سنة بغية المس بالوحدة الترابية للمغرب».
من جهتها أكدت يومية «الأحداث» المغربية المستقلة أن الصحافة الجزائرية «لا تنشر مثل هذه الأخبار ذات الطابع العسكري إلاّ بإيعاز من المؤسسة العسكرية وهو ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه المؤسسة تبيت نية أقل أهدافها التحرش بالمغرب ربما من أجل جره إلى مغامرة غير محسوبة العواقب». واعتبرت أن هذه الافتراءات يحاول من خلالها «حكام الجزائر البحث عن حوادث تصرف أنظار الرأي العام عن القلاقل الاجتماعية الداخلية على رغم أنها تزيد من استفحالها وذلك بتبذير أموال الشعب في سبيل اقتناء أسلحة بملايين الدولارات».
وفي مقال تحت عنوان «الجزائر تخوض سباق تسلح من جانب واحد» تطرقت صحيفة «رسالة الأمة» الناطقة باسم حزب الاتحاد الدستوري المعارض إلى التهافت الجزائري على اقتناء الأسلحة مشيرة في معرض تعليقها على زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي للجزائر إلى الأخبار التي ترددت عن احتمال عقد صفقة تسلح جديدة تحصل بموجبها الجزائر «على أسلحة استراتيجية من إيران».
وأضافت الصحيفة أن الجزائر «تسعى من خلال تعزيز التعاون مع إيران في مجال البحث النووي وتقنيات صنع الصواريخ إلى كسب سباق تسلح تخوضه من جانب واحد في شمال إفريقيا».
وقالت الصحيفة إن تحليلات المراقبين تشير إلى أن عجز حكام الجزائر عن «حسم الأزمة الاقتصادية والأمنية الداخلية للجزائر أدى إلى خلق عوامل موحدة للنظام الجزائري، وخصوصاً بعد اشتداد الضغط والنقد الموجه للعسكريين تتمثل في السعي لتعويض الفشل الداخلي بانتصارات دبلوماسية وزيادة القدرة العسكرية وحشد الدعم السياسي في قضية الصحراء».
وتساءلت صحيفة «الصحراء المغربية» ذات التمويل السعودي والصادرة في الدار البيضاء في مقال تحت عنوان «تصريحات ذاكرة قاصرة» كيف يمكن «للرئيس بوتفليقة الذي يتصرف كمحرض حقيقي على تفرقة العائلات والسكان المغاربة بالصحراء أن يساهم في بناء المغرب العربي».
وأكد كاتب المقال أن مثل هذا الطرح لا يستقيم «إلاّ إذا كان يعتقد أنه قادر على فرض دولته الشبح على 30 مليون مغربي مقتنعين بعدالة قضيتهم الوطنية ومصممين على المضي قدماً في طريق استكمال وحدتهم الترابية، لأن تصفية الاستعمار الحقيقية هي تلك المتعلقة بالثغور المغربية التي لاتزال تحت الاحتلال الإسباني والتي يحاول الاشقاء الجزائريون للأسف تجاهلها أو السكوت عنها».
وفي معرض انتقاده للتصريح الأخير الذي «يتماشى ومنطق الغموض» والذي ادعى فيه رئيس الدبلوماسية الجزائرية أن قضية الصحراء «لا تشكل عقبة أمام تحسين العلاقات المغربية الجزائرية»، ذكر الكاتب أن الصحراء تعدّ بالنسبة إلى المغاربة بكل توجهاتهم «جزءًا من الهوية» وأن «نسيان أو تناسي هذا المعطى أو بكل بساطة محاولة جعله في مرتبة ثانية ينم عن جهل بتاريخ الشعب المغربي وهذا أمر ينطوي على خطورة مضاعفة وخصوصاً إذا اقترن هذا القصور في الفهم بشعور يقلل من دور هذا الشعب وارتباطه بوحدته الترابية»
العدد 767 - الإثنين 11 أكتوبر 2004م الموافق 26 شعبان 1425هـ