في عددها ليوم أمس الاثنين، نشرت «الوسط» في صفحة «الشباب» استطلاعاً لآراء الشباب تمحور عن سؤال هو: هل تؤيد اصدار قانون يعاقب اساءة استخدام تقنية البلوتوث؟
ليس تنوع الاجابات والآراء هو الذي استوقفني بل قدر من النضج والعقلانية في الرد على هذا السؤال. ومن بين ستة اشخاص أدلوا برأيهم، كانت هناك طالبة جامعية وطالب ثانوي وطالب جامعي وموظف حكومي يؤيدون منع تداول هذه التقنية في البحرين بشكل أو بآخر. الطالبة أيدت منع التقنية أسوة بما قامت به السعودية. وكان هناك آخر يدعو لاصدار قانون لتنظيم استخدام الهواتف النقالة وليس تقنية البلوتوث بسبب اساءة استخدام الهواتف النقالة. وثالث قال انه من المهم اصدار قانون ينظّم استخدام البلوتوث لكن بشرط ان يعاقب الاطفال والشباب وليس الكبار، معللاً ذلك بان هذه التقنية مهمة للكبار.
لكن اللافت هو ما ذهبت اليه موظفة وطالبة شاركتا في الاستطلاع. فالاولى قالت انها لا تعتقد ان هناك حاجة لاصدار قانون يجرّم ويعاقب من يستخدم تقنية البلوتوث. وعلّلت ذلك بان استخدام وسائل التكنولوجيا تعد من الحريات الشخصية، وان اساءة استخدامها يعود للشخص نفسه فهو الذي يسيء استخدامها ويستخدمها أيضاً في أمور أخرى جيدة. وزادت بالقول انه من الصعب تنظيم استخدام هذه التقنية، وتقييده يعني تقييداً لاستخدام وسائل تكنولوجية أخرى وهو تقييد للحريات الشخصية.
اما الطالبة فقد قالت ان البلوتوث مثل أي تكنولوجيا أخرى متطورة لها سلبياتها وايجابياتها، وبالتالي لا يمكن منع أو تنظيم استخدامها والذي يحدد ذلك هو قناعة الشاب وتفكيره وتربيته. وزادت ايضاً انه اذا ظهرت مشكلات بسبب استخدام هذه التقنية فانها ستكون على اصابع اليد ويقوم بها بعض الافراد. وخلصت إلى القول بانه ينبغي عدم معاقبة جميع المواطنين باصدار القانون بسبب اساءة قلة من الشباب لهذه التكنولوجيا.
هل تذكرون أول أيام انتشار الفيديو أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات؟ ضجّ كثيرون بالشكاوى من تسمر الصغار والشباب وحتى الكبار أمام الفيديو، بل وراح البعض يعقد الندوات ويحذر من هذه «الافة الجديدة» التي تلهينا عن المفيد من الاعمال. لكن ما الذي جرى بعد ذلك؟ كانت موجة ومرّت، وما كان يشكو منه الجميع في بداية ظهوره تحوّل الى وسيلة وتقنية مفيدة. وجاءت التقنيات الاكثر تطوراً بعد الفيديو لتنهي ذلك النوع من النقاش العقيم عن التقنيات الحديثة.
انها القصة نفسها، وفي كتب الكيمياء في مدارس البحرين الاعدادية ثمة تذكير واستدراك يورده المؤلفون يقول بان التطور العلمي يمكن أن يستخدمه الانسان في صالح البشرية ويمكن ان يستخدمه في غير صالح البشرية أو لتدميرها. أي ان الشرور لا تكمن في التقنية بل في الكيفية التي نستخدمها، وهذا درسٌ قديم.
لكن هذا ليس ما يستوقفني في استطلاع الشباب هذا، بل بضع مؤشرات مهمة في آراء الشباب. يقتضي مني الواجب أن أحيي هاتين الشابتين على نضج تفكيرهما. انها علامة طيبة يمكن ان نقدر قيمتها بملاحظة ان المتشددين في هذه المسألة ضمن الاستطلاع هم الرجال. واذا ما وضعنا في الاعتبار اننا في الغالب نميل الى مسايرة الجو العام عندما يتعلق الامر بالرأي في مسائل عامة، فان تباين وجهات النظر هنا وبمثل هذا النضج يكتسب قيمة اضافية لانه مؤشر لافت على وعي جديد لدى الجيل الشاب. الشباب هل تذكرونهم؟
هذه الموظفة والطالبة تعيدان تذكير الجميع بقاعدة أساسية في المجتمعات الديموقراطية: الاساءة تبقى مسئولية شخصية سواء تعلق الامر باستخدام التكنولوجيا أم بحرية التعبير أو الالتزام بالقوانين. هذه القاعدة تؤكدها القوانين المعمول بها كقانون العقوبات والقانون المدني اللذين يؤكدان ان الجريمة شخصية والعقوبة شخصية أيضاً. وللتذكير لمن نسى أيضاً فان الميثاق الوطني ينص في أحد مبادئه على ان العقوبة شخصية.
لا يمكن على أي وجه أن يعاقب مجتمعٌ بأسره بجريرة قلة سواء تعلق الامر بالتقنيات او بالحريات او بالحياة اليومية. فعندما يعاقب المجتمع باسره على اساءة قلة نكون امام قانون ومنطق من نوع آخر هو ذاك المطبق في الكليات العسكرية: «الخير يخص والشر يعم». يطبقون ذلك في الكليات العسكرية لتعويد العسكريين على الانضباط والطاعة اللازمة في الخدمة العسكرية.
واذا ما بدا الامر جدلاً على طريقة مؤيد ومعارض، فان النصيحة التي يمكن اسداؤها هنا هي الالتفات جيداً وبعناية والاصغاء للاجيال الشابة. فان تملك هذه الاجيال قدرة على الطرح العقلاني بهذا المستوى الرصين فان ذلك يعني اننا في وادٍ آخر طالما اننا لا نتحدث عن الشبان إلاّ من باب الزلات وسوء السلوك. هذه الخلاصة لم تصل من الاستطلاع فحسب بل ان الاستطلاع يؤكد من جديد ملاحظات قديمة حول غفلتنا عن هذا القطاع المهم
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 767 - الإثنين 11 أكتوبر 2004م الموافق 26 شعبان 1425هـ