لا غبار على أن نكتب بإنصاف وبحرية... ولا جدال في ان نُعبّر كيفما يشاء العقل والمنطق، ولكن أن يصل الأمر ببعض صحافيينا إلى التشـبث ولو بـ «قشر بصلة» من أجل «حشو» الاعمدة بالغث والسمين فهذا في حد ذاته «مثار شك»! ولايُدرى ان كان هذا «التخبط» غالبا من اجل المعالجة والتصحيح ام للمشاكسة ولفت الانظار فحسب؟ لعل الامر يعم الكثير من الأعمدة الصحافية التي لا تفتأ تعلن افلاسها للقراء بين فينة وأخرى ومن دون قصد احياناً.
«المعالجة الموضوعية» لمسألة إدارة «الوفاق»، أبداً... لا تكلف الكثير لمن يدعو اليها كما تخوف «أكثر أبناء التيار الديني عشقاً له»، وانما ما يكلف الكثير هو تعويم النقد وخلط الاوراق والقفز من زاوية الى أخرى حتى يحار المتابع؛ إلامَ يريد ان يصل هذا الناقد وإلى أي شيء يهدف هذا «المنتمي». لا يختلف أحد - بما في ذلك قاعدة الوفاق - على ان هناك بعض الإرباك في إدارة الجمعية، وانها تحتاج الى إعادة النظر في بعض آليات العمل واولوياته، ولكن هذا الإرباك لم يجعل حتى المنشقين أخيراً عن الجمعية أن يثيروا الشكوك أو يلمحوا بما يخدش الثقة في كفاءة الرموز التي ترأس الجمعية، ويطالبونها بالتنحي ليعتلوا هم منصة التحكم في توجيه الآلاف من أبناء الشعب.
العشرات من الجمعيات السياسية مرّت وتمُرّ بأزمات أسوأ مما تعانيه «الوفاق» من سلبيات، وغالبية الصحافيين يتعامون عنها، ويتم التركيز على هذا الهرم السياسي اما طمعاً في شعبيته الساحقة واما حرصاً، للحفاظ على هويته الجماهيرية. وللحرص هنا حدود من دون أدنى شك.
وبدوري أسأل مثيري الشكوك: حرصاً على مصلحة مَن هذه الدعوات إلى الإطاحة بالرموز؟ وأية معالجة تلك التي تتغير مواقفها بين عشية وضحاها لتختزل مصير الجمعية وقيادتها في تصريحات عابرة؟ في الوقت الذي نرفض فيه التقديس المطلق فإننا لا نقبل التجني المطلق على قيادة رمزية قديرة يشهد لها المخالفون فضلاً عن المؤيدين بمواقفها الموزونة. واذا قلنا بحسن النوايا ولم نعتبر ذلك تجنياً وتعويماً يختزل الكثير من النوايا الغامضة، فبماذا نفسر الدعوة الى ايجاد اطار تنظيمي يسمح بالتحرك المضاد (للإطاحة) بمجلس الإدارة الحالي واتهامه بطغيان الرمزية علـى المؤسساتية؟
انقلاب على الجماهير!
ان المقالات التي «انفجرت» اخيراً - بلغة ساخطة ومتهكمة أيضاً - تحمل في طياتها دعوة مبطنة للانقلاب على الآلاف من ابناء الشعب المتهمين بـ «كاريزما الرمز»، وبأنهم الى الآن لا يفقهون اختيار الأكفأ. وتطالبهم بقلب المعادلة والتخلي عن انتمائهم الى الرموز وذلك بخلع قلادة الرمزية وتعليقها من جِيد الى جِيد آخر بحسب المزاج لا المنطق السياسي. وما يدريكم ان الذين سينتخبون لاحقاً بعد تجريد الجمعية من رموزها سينالون اعجابكم؟
وبدلاً من أن نضع الخطوط الحمر على شخص رئيس جمعية الوفاق وتعتبر الأسهم التي تصب في صالحه «جريمة»، كان بامكاننا أن نسأل أنفسنا أولاً: ما الذي يجعل القاعدة الشعبية بجميع شخصياتها وبتعدّد توجهاتها تصر على ابقائه دون غيره في دفة القيادة؟
وما الذي يمتلكه ليجعل حتى من يختلفون معه لا يتحاملون عليه؟ هل هي عصا الحكم أم الجلاوزة الذين يقفون بسياطهم خلفه اينما وجد؟
لا انصب نفسي هنا مدافعاً عن أشخاص بأعينهم وانما أدافع عن نزاهة القلم الذي ينبغي ان يكون له هدف سامٍ يتطلع إليه، وان يحسب لما يقول ألف حساب . فإن كان من أجل المعالجة والتصحيح فأهلاً ومرحباً به، ولكن بعيداً عن المغالطات وتحكيم الأهواء.
المشكلة اننا نحكّم المزاجية على المنطق في الكثير من تحليلاتنا، وعيب المزاجية انها ربما تجدها تجرّد المرء حتى عن هويته ومبدئه، ومن لا مبدأ ولا هوية له لا يستطيع ان يؤسس لمبدأ وهوية المجتمع.
واما عن مسألة مصير الكفاءات والصفوف الثانية والثالثة اذا تم حصر القيادة في اشخاص بعينهم فكأنما نريد ان نقول للناس ان يتخلوا عن قناعاتهم بكفاءة الرموز التي لم تفرض نفسها عليهم يوماً وانما اختاروها بمحض ارادتهم، ونطالبهم بأن يفسحوا المجال لكوادر الصف الثاني التي لو أثبتت فاعليتها وملأت عشرات المواقع الشاغرة في الجمعية وغيرها من المؤسسات الأهلية النافعة، لكانت الأمور تسير على ما يرام ولتفرغت القيادة الى إصلاح الوضع الراهن في الجمعية.
ومن نكون حتى نتكلم باسم «الشخصيات البارزة» من خارج «الوفاق»؟ ولا ادري إن نصبتنا ناطقين رسميين باسمها حتى نأتي لنُطمئن شخصية قيادية أخرى بأن شخصياتنا التي ننوب عنها «لن تترشح للانتخابات المقبلة». فإن كنا ننوي إصلاح الوضع في الجمعية فلا داعي لعملية الشدّ والتجريح واثارة الزوبعات والشكوك، ولا اظننا نجهل ان «الشكوك لواقح الفتن».
ختاماً، نقر ان «الوفاق» محتاجة الى عملية تصحيح تعيد اليها نضارتها المرجوّة، ونؤكد الحاجة الملحة للوقوف على مواطن الخلل فيها، ولكن هذا لا يبرر الطعن من الخلف، وعمليات التحزب لجهة وتهميش أخرى.
المجال مفتوح أمامنا جميعاً لنمد يد العون الى «الوفاق» كما لغيرها من الجمعيات من أجل النقد البنّاء الذي يسعى الى درء الفتن وسد مواطن النقص بكتابات ونقاشات حرة، نزيهة بقدر ما هي جريئة
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 766 - الأحد 10 أكتوبر 2004م الموافق 25 شعبان 1425هـ