دائماً ما أحدث نفسي: لماذا نحن البحرينيين لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون ولا نستفيد من التجارب؟... خطابنا سميته سابقاً «بخطاب البركة» لأنه قائم على البركة... «كل ما يضرب بالراس بكره تشوفو على المبراس»... لا شيء عندنا مدروس. متخبطون في أدائنا، كثير من المفكرين والسياسيين الكبار مازالوا يلاحقوننا ويلحون علينا أن نستفيد من تجاربهم وألا نقع في الخطأ ذاته الذي هم وقعوا فيه.
عندما نكون خارج الملعب السياسي وأيضاً بلا مشروعات سنتفاجأ في نهاية المطاف بأننا لم نحرك ساكناً ولم ننجح مشروعاً. عندما ذهبت إلى لبنان وجدت الخطاب الذي انادي به من ضرورة الدخول في مؤسسات التأثير والقرار موجوداً لدى من التقيت بهم على شتى مشاربهم وأطيافهم، وكل واحد مشغول بمؤسساته هناك. المسيحيون يبنون لهم مؤسساتهم ومنشغلون بتأهيل قواعدهم، كذلك الطوائف الأخرى. السيدفضل الله له مؤسساته الكبيرة والداعمة للقواعد الشعبية وكذلك المقاومة لها مؤسساتها، كما أن رباب الصدر لها مؤسساتها، وعلى مستوى السلطة الحريري يتحرك بمؤسساته، نبيه بري له مؤسساته... البطريرك له مؤسساته، وتنظر إلى المؤسسات ما بين مشروعات تجارية وسياسية وخيرية تعليمية وثقافية... الكل يفكر في قواعده كيف يؤهلهم... كيف يزيل جزءاً من الحرمان عنهم... أما نحن فنوزع أكياساً كبيرة من التنفيس السياسي... أنا أعلم أن الجو ضاغط لكن هذا لا يعني ألا ندرس الخطاب... ألا نعيد قراءتنا لخطابنا، لأسلوبنا، لأدائنا. لقد أصبح الناس حقل تجارب، وأحياناً في القضية الواحدة توجد عشرة خطابات.
لا أريد أن أمارس جلد الذات، واعتقد أن الحل يكمن في عدة أمور. من بينها توزيع الادوار، (مثلاً البرلمان) يجب أن تكون هناك مراجعة في الأمر مع عدم اغفال دور الحوار المطالب للحصول على مزيد من الاستحقاقات الدستورية، لكن وفي أسوأ الاحتمالات يجب ألا نكرر ما وقعنا فيه، وفي حال ضبابية الموقف بإمكاننا الامساك بالعصا من النصف... مجموعة تدخل البرلمان ومجموعة تقاطع، أما وضع البيض كله في سلة واحدة فذلك لن ينفعنا، لأن البرلمان مشى والقوانين تشرع والمشروعات تتحرك ونحن في الخارج نتفرج... هل تصدقون أن هذا الخطاب هو خطاب كل من التقيت بهم في لبنان وغير لبنان من مفكرين واساتذة و... على شتى اطيافهم؟... يجب أن ندخل في الصحافة فوجودنا في الصحافة وهي متلكئة خير ألف مرة من إلقاء الحجارة عليها ونحن في الخارج... وكذلك الأمر في مؤسسات المجتمع المدني، الاتحاد العمالي، النقابات، الصحافة، الجامعة، القضاء والبرلمان. يجب أن نكون حاضرين فيها وبقوة.
هذه قناعتي منذ أمد بعيد ودفعت ضريبة هذا الخطاب من زرع المشانق والقاء الحجارة، ولكن فلنتحمل كل ذلك ولنضع يدنا في يد بعضنا ولندفع باتجاه العمل المعرفي والمدروس في سبيل مصلحة الوطن ومصلحة الناس. كل القيادات في العالم تفكر في أجندتها وأصبحت مؤسسات المجتمع المدني تؤخذ على طريقة غوار «حارة كل من ايده إله».
لم أكن أتوقع أن هذا الخطاب له قبول لدى أطياف المعارضة في لبنان وإذا بهم هم أكثر تطرفاً مني في الدخول والاندماج في هذه المؤسسات بما فيها البرلمان. الكل ينصح الحركة الإسلامية والوطنية في البحرين بالمشاركة وتفويت الفرصة على المتمصلحين. الدولة ماشية بمشروعاتها أما نحن فاستيقظنا ذات صباح فاكتشفنا أننا خارج المعادلة. كلامي ليس مقتصراً على البرلمان وإنما يركز على كل المؤسسات، وأقول: يجب ان يكون لنا حضور في كل مكان، وهذا حقنا. ليس بالشعارات ولكن بخطوات عملية جادة. السياسة فن الممكن... السياسة تعني الواقعية، السياسة تعني تحسب عند طرح أية خطوة أو شعار كم سيكون ربحك العملي وكم هي خسارتك ثم تقدم.
ومازلت اردد تلك المقولة التي قلتها قبل عامين ونصف العام وكتبت في الصحف المحلية: «تجييش الشارع نحو المقاطعة خطأ استراتيجي». علينا الآن أن نفكر في المستقبل. وبإمكاننا في أسوأ الاحتمالات أن يقاطع البعض ويشارك الآخر، ولكن ترك الساحة هكذا مكلف للجميع، مع تقديرنا ان لكل زمن ظروفه الخاصة، وظروف 2002 غير ظروف 2006، الهموم زادت والضغط زاد ومن يرفض ذلك فليقدم البديل وليطرح البرنامج والمشروع الذي يخفف عن كاهل الناس همومهم
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 766 - الأحد 10 أكتوبر 2004م الموافق 25 شعبان 1425هـ