للتو قد رجعت من لبنان بلد الطوائف... هذا البلد الجميل الذي طالما تغزل فيه نزار قباني في قصيدته «يا ست الدنيا يا بيروت»... هذا البلد الذي اكلته الحروب والانتماءات والاحزاب... كل شيء في لبنان له مذاق سوى الحرب... تجولت في شوارع بيروت وفي ازقتها... رأيت الاصابع التي احترقت وكيف احترق ثوب زفاف الوطن الجميل من ابنائه... كيف لعبت المصالح... وكيف خلق طابور خامس هنا وطابور خامس هناك... لم اتفاجأ من الهموم اللبنانية إذ كلنا في الهم شرقي وراحت تتصدر قضايا الفساد واجهات الصحف... لبنان اصبح كعبة الحرية في العالم العربي وكذلك مكاناً كبيراً لبيع كتب الثقافة والفكر والسياسة. اكثر ايامي قضيتها بين شراء الكتب وبين اللقاء بالمفكرين... اشتريت كتاباً قيماً للنائب نجاح واكيم وكان باسم «الايادي السود» وهو يتكلم عن الفساد المالي في لبنان عند ولادة ما سمي بـ «الجمهورية الثانية» بعد انتهاء الحرب حيث كانت الآمال معقودة على الوزراء والحكومة الجديدة... والذي يقول فيه «عند ولادة ما سمي بالجمهورية الثانية ظن اللبنانيون ان خلاصهم بدأ يتحقق مع هذه الولادة لكن الناس تأكدوا بانها كانت اكثر شراسة من امارات الحرب وميليشياتها في عملية تدميرها لمقومات الدولة والوطن والمجتمع...».
كانت لحظة سعادة بالنسبة إلي ان احصل على كتاب «العالم ليس عقلاً» للمفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي... والذي يظهر فيه صورة الدكتاتور وهو من اروع كتبه، وما بينهما ديوان محمود درويش «لماذا تركت الحصان وحيداً» وكذلك «لا تعتذر عما فعلت». ولكن الشيء الاجمل من كل ذلك هو التقائي بالسيدمحمد حسين فضل الله والسيدهاني فحص وبعض اخواننا في المقاومة حاولت ان التقي بالسيدحسن نصر الله لكن الرحلة كانت قصيرة... التقيت بالسيدفضل الله... جلست معه مرتين... رجل لا يكل من العمل ولهذا لا تعجب ان عبر عنه برجل المؤسسات في لبنان.
اصطحبني أحد مديري مؤسساته الى مبراته الخيرية... رأيت الأيتام هناك، ونظرت إلى غرفهم الجميلة التي تصرخ بالبراءة والحب لمحت العمامة كيف تتحول إلى نبض يتلمس اوجاع الفقراء، ليس بالكلام ولكن بالمؤسسات الحاضنة... ذهبت إلى معهد الهادي للصم والمكفوفين... وهناك رأيت الطلاب اصحاب الاحتياجات الخاصة كيف يوقد الامل لهم بهذه المؤسسات، بعدها ذهبنا إلى مطعم الساحة... مطعم على هيئة قلعة تراثية... يبهرك مظهره... سألتهم اين يذهب ريع هذا المطعم فقالوا... ارباحه تصب في دعم مؤسسات الايتام وبجواره بني «فندق» للغرض ذاته وبينهما محطة بنزين... بعد ذلك ذهبت إلى مكتبة كبيرة قد فتحت للتو بجوار مسجد الحسنين الذي يصلي فيه السيد وهي مكتبة الايتام ايضا يستفيد منها كل اللبنانيين... شعرت بالفرح وانا ارى الايتام... قالت لي المديرة ان مبرات السيد يوجد فيها ايتام من كلا الطائفتين الكريمتين... انه منـظر جميل. ليلة اخرى سهرت فيها مع المفكر اللبناني السيدهاني فحص في بيته جلست معه ساعتين... كان الحوار مثمراً وصريحاً وفرصتنا الذهبية ستكون بلقائنا به في البحرين واوصي شبابنا بالاستفادة من هذا المفكر الكبير. طبعاً كنت احمل امل اللقاء بالسيدحسن نصر الله فارس المقاومة وامل العرب والمسلمين في تحرير القدس والارض اللبنانية لكني لم اوفق لاعتبارات كثيرة على امل اللقاء به لاحقاً... كنت في لبنان لكني اشتقت للبحرين وكذلك لحبها ووجعها ايضا وهنا اتذكر شوق نزار للبحرين حينما قال: اتذكر اني قبل عشر سنوات قلت ان بحراً من العشق يغرقني «فكيف لي ان اواجه عشق البحرين فها آنذا قد جئت لانام على ذراع المنامة»، وشكرا للقراء ولكل من راسلني بالايميل او «المسج» وصباح الخير ايتها المملكة الجميلة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ