لدينا «معركة» في البحرين وهي تختلف عن المعارك الهامشية هنا وهناك ... إنها معركة الحريات العامة. فالحريات العامة في أي بلد تحدد نوعية المجتمع وقيمته وقدرته على إسعاد نفسه وتطوير حياته بما يخدم مصالحه بعيدة المدى.
وبغض النظر عن الأخطاء التي يرتكبها بعض المواطنين أثناء ممارستهم للعمل السياسي فإن، الدولة الديمقراطية والمسئولة لا تتخلى عن التزاماتها المبدئية، وأهم تلك المسئوليات هي المحافظة على الحريات العامة.
ففي بريطانيا وفي مطلع التسعينات ثارت ضجة كبرى بشأن وجود شخصيات سعودية معارضة في لندن، وكانت الاضرار المحتملة على بريطانيا كبيرة وخصوصاً فيما لو تأثرت العقود الكبرى بين البلدين التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات سنوياً.
حينها تحركت حكومة رئيس الوزراء «جون ميجور» لاستصدار قرار بطرد أحد المعارضين السعوديين إلى «جامايكا». وفجأة، وإذا بالصحافة البريطانية وحركات حقوق الإنسان ومجموعات الضغط تعلن الطوارئ لديها، وتهتز حكومة ميجور بسبب المعارضة التي أطلقتها قوى المجتمع، وخصوصاً بعد أن وقف القضاء البريطاني ضد الحكومة.
وفي حوار تلفزيوني لاحق مع أحد الذين شنوا هجوماً على ميجور، ولدى سؤاله عن السبب في مناصرة شخص يحمل أفكاراً مكروهة لدى المجتمع البريطاني، قال: «إنني لم أدافع عن أفكاره، وأنا شخصياً أكرهها، ولكن إذا سمحت لجون ميجور أن يصدر قرارات يطرد من خلالها من لا يحب فإنني أمهّد الطريق له أو لغيره أن يصدروا قرارات ضدي أو ضد غيري ممن يحملون أفكاراً لا تعجب بعضنا».
القضية الجوهرية بالنسبة إلى المجتمع البريطاني الحيوي هي المحافظة على حرياته العامة، ولذلك كان على استعداد للدفاع عن شخص لا يتفق معه في أي من أفكاره، ولكن مصلحة المجتمع بعيدة المدى تقتضي أن يوازن المرء بين موضوعين.
الموضوع الأول: مدى القدرة على تحمل الآخرين الذين يتصرفون أو يقولون أشياء تؤدي إلى نوع من الازعاج. والموضوع الثاني: ما هي نوعية الإجراءات والضوابط المتخذة لضبط النشاط العام من دون الإخلال بالحريات العامة؟
إن ما حدث خلال الأسابيع الماضية يوضح أن الحريات العامة التي نتمتع بها قابلة للاختفاء بمجرد ان يتم تدشين واحد من القوانين السارية المفعول والتي ورثناها من حقبة «أمن الدولة». ولدينا الآن عدة أمثلة على ذلك منها قرار صادر من النيابة العامة يمنع التطرق لموضوع اعتقال مجموعة من المواطنين، وهذا القرار غير محدود الأجل ومعارضته تؤدي إلى مزيد من التضييق على الحريات العامة. كما أن لدينا قرارات احتجاز معتقلي العريضة لمدة 45 يوماً، ومن ثم احتجاز الناشط عبدالهادي الخواجة لمدة 45 يوماً، ثم اغلاق نادي العروبة لمدة 45 يوماً، ومن ثم حل مركز البحرين لحقوق الإنسان.
هذه الأمثلة توضح هشاشة وضع الحريات العامة في البحرين، وهو أمر لا نأمل استمراره وندعو المسئولين في الدولة إلى اعتماد وجهات نظر بعيدة المدى، كما ندعو المهتمين بحقوق الإنسان والحريات العامة إلى أن يمارسوا دورهم بمسئولية وان يدافعوا عن مصالح المجتمع وحرياته من دون إعطاء مبررات لحركة عكسية تلغي ما تم انجازه لحد الآن.
ونحن في «الوسط» نعتبر أنفسنا من المدافعين عن الحريات العامة حتى لو اختلفنا مع ما يقوله أو يفعله هذا أو ذاك
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 765 - السبت 09 أكتوبر 2004م الموافق 24 شعبان 1425هـ