حلمنا منذ صغرنا ومنذ سحب خطواتنا الأولى نحو المدرسة بالكبر والتخرج ونيل أعلى الدرجات وبأن نكون أحد المكرمين في عيد العلم، ومن ثم نلتحق بعمل مرموق نكون فيه ذوي شأن وكلمة ومظهر... البعض رمى بأحلامه وراء ظهره وجر أذيال الخيبة بمجرد وصوله إلى الإعدادية (محطة سقوط الكثيرين في اختبار الوصول إلى القمة)، والبعض الآخر حلمه توقف مع نيل شهادة الثانوية فلم يعد بمقدوره الوصول (طبعا لغير المحظوظين من البشر) إلا إلى «بسطة» لبيع الخضراوات والفواكه على أحد الشوارع الرئيسية، وآخرون واصلوا المسير وحققوا الانتصار تلو الآخر، واكتشفوا أن باستطاعتهم تحقيق ما هو أكبر من حلمهم، حتى وصلوا إلى العتبات الأخيرة وكأن الزمن قد توقف بهم وعقارب الساعة عطلت... «عذرا، ليست هناك شواغر وظيفية»!
كان ذلك عذر الوزارات والدوائر الحكومية التي ما لبث مسئولوها يعزون الثقة في أصحاب هذه الشهادات ويثنون على جهدهم في الحصول على أعلى المعدلات، ولكن «نأسف لا توجد شواغر»!
إذن لا مفر، فلنجرب حظنا مع القطاع الخاص بمؤسساته المختلفة... طرقنا الباب الأول... أتانا الجواب الآتي: «ما شاء الله، ممتاز، ممتاز... ولكن نأسف فالمطلوب للوظيفة خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات»!... قلنا لا بأس فلنطرق بابا آخر وما أكثرها الشركات التي تعج بها البلاد... وصلنا خيرا فهذه شركة نسمع بأن رؤساءها يشجعون الطاقات الشبابية ويسعون إلى تنميتها... طرقنا الباب وعنده أتانا الجواب مباشرة: «الأولوية لمن يمتلك خبرة في العمل لا تقل عن خمس سنوات»!... لم نيأس وتوالى طرقنا للباب تلو الآخر... لكنا عندما التفتنا إلى صيغة الردود المتشابهة في حروفها والمتطابقة في معناها تيقنا فعلا بأن عقارب النجاح توقفت عند تسلمنا للشهادة... ولتحرق بقية أحلامنا في مزبلة التاريخ ولنمحها من عقولنا، إذ إنها كما وصفناها «أحلام» وما أكثر أحلامنا التي صدمت بجدار الواقع المرير!
«خبرة لا تقل عن سنتين»... كان ذلك آخر رقم في تصفيات سنوات الخبرة لدى شركاتنا، الكبرى منها والصغرى، وتساءلنا: من أين لنا هذه الخبرة ونحن مازلنا نعد أنفسنا دقيق قمح طازج ينتظر عجنه وتخميره ليدخل الفرن فيخرج رغيفا يطعم الغني قبل الفقير؟ من أين سنأتي بالخبرة ولم تتح لنا فرصة العمل في أي مكان بعد؟ أو هي تخصص في الجامعة مساند لتخصصاتنا الأساسية ونحن غفلنا عن دراسته فأغلقت أبواب العمل في وجوهنا، حالنا حال الطامحين إلى الالتحاق بسلك التدريس ولم يوفقوا كونهم لم ينالوا شهادة دبلوم التربية التي أقفل ملفها في الجامعة إلى حين البت في أمرها ولو بعد حين؟!
جلسنا في بيوتنا وأصبحت قراءة الصحف شغلنا الشاغل عن هموم الدنيا وضيق اليد والحال... لفت نظرنا الرقم (45) الذي أخذ يتردد على صفحات الصحف المحلية في هذه الأيام وبكثرة... فكل قرار جديد، سلبيا كان أو إيجابيا، تنظيميا أو إجرائيا أو قانونيا أو... أو... يصاحب بالرقم (45)... قلنا فرصة، يبدو أن ذلك رقم الحظ لهذه السنة ويجب أن نحصل على أكبر قدر منه!
فكرنا مليا ومليا وعندها خطرت في بالنا هذه الفكرة: «أن نكون مجموعات، كل مجموعة تحوي (45) عاطلا عن العمل، وما أكثر المجموعات التي كوناها لذلك قررنا أن تتوجه كل مجموعة على حدا كي لا يختلط الحابل بالنابل فيضيع رقم الحظ (45) ونضيع نحن وراءه، نتوجه إلى وزارة العمل (45) مرة أو نجوب الشوارع حاملين (45) لافتة مكتوب على كل منها عبارة: امنحني (45) يوما أقل لك من أنا (45) مرة»!
اقتراح وجدناه منطقيا جدا ومن الممكن جدا أن يسهم في حل أزمة الخبرة والبطالة في المملكة... وخصوصا أن أحد أصحابنا من المحظوظين بغير رقم (45) حكى لنا حكاية مديره الذي التفت أخيرا إلى حنكته ودقته في العمل بعد أن أتيحت له بالمصادفة فرصة لإثبات الوجود فانتهزها أيما انتهاز وما كان من مديره إلا أن انهال عليه بالثناء والتبجيل مستغربا إمكانات صاحبنا الهائلة وقدراته العالية وكأنه متمرس في عمله لسنوات، مع أن الحظ في العمل حالفه منذ شهرين فقط!... عندها لم نتردد أبدا في توجيه النداء... فقط 45 يوما امنحونا إياها لنثبت لكم من نكون، 45 يوما كفيلة بتغيير مجرى حياة الآلاف... 45 يوما فقط وإن لم نَجْدِ نفعا فـ «الباب يوسع جمل».
قلتم المطلوب خبرة، وعارضناكم بحججنا المنطقية وأنتم أدرى بالحال، فهلا وضعتم (45) يوما الحاسم بيننا وبينكم؟! فإما أن نكون أو تكونون
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ