بالأمس قرأت خبراً محزناً مفاده أن أحد رجال الأعمال المتميزين في دولة خليجية لها باع طويل في التجارة أيام الخير والعز والنفط عال العال والعيال وعيال العم في أتم الصحة وكمال العقل تبرع بملايين الدنانير. وهو عدد كبير يفوق العشرين (ليس دولارات أميركية أو جنيهات أسترلينية، بل هي دنانير أقوى من دنانير البحرين من حيث القيمة الشرائية والتحويلية) لبناء مؤسسات خيرية للمجتمع لايطلب من ورائها شكراً من مخلوق أبداً سوى الرحمة بعد الموت والذكر الحسن. تغيّرت عليه الأحوال فأصبح من المديونين بعد أزمة أطاحت بكثيرين لايرتقون إلى مستواه في المعاملة والإخلاص وهو الآن معلق بين السماء والأرض لا يستطيع الدخول إلى وطنه والسبب حفنة من الدنانير لا يتجاوز عددها المليونين. هذا الشخص لم يجد أحداً يساعده أو يساهم في إسقاط الديون عنه. كان الله في عونه.
خبرٌ آخر يقول ان أصواتاً كثيرة ارتفعت في دولة خليجية تطالب الحكومة باسقاط جميع التهم الموجهة إلى أفراد أصابهم العجز وعدم القدرة على دفع إلتزاماتهم المادية نتيجة لكساد الأسواق أو للحروب التي لم تتوقف على مختلف الأصعدة. وقد ارتفعت هذه الأصوات نتيجة إرتفاع أسعار النفط إلى ما فوق الضعف.
مشهد من مشاهد البؤس والحرمان في البحرين التي تعد من أول البلدان التي نشر النفط خيره فيها، تجد عند كل برادة وعند كل مسجد وعند كل رأس زقاق وعند مداخل المآتم وبوابات المقابر شحاذين من كبار السن، رجالاً ونساءً، منهم من يفتقد بعض أعضاء جسمه، مثل يد مبتورة أو ساق مقطوعة أو عين طمست معالمها أو لسان لايقوى على النطق، أو أنه يشتكي من مرض عضال لا علاج له. وهؤلاء في اعتقادي لا يتجاوز عددهم الألف على الأكثر. ولو افترضنا افتراضاً أن عمرهم سيطول إلى مئة عام في المتوسط وهم الآن في السبعينات أو الستينات فهم سيعيشون معنا ما يقرب ثلاثين إلى أربعين عاماً. وإذا ما ضربنا العدد هذا في اثني عشر شهراً فإن الناتج سيكون 480 شهراً بالتمام والكمال. وإذا ما خصصنا لكل فرد شهرياً أربعين ديناراً في المتوسط فسنحتاج إلى ما يقرب عشرين مليون دينار للإنفاق عليهم طوال هذه المدة. وإذا ما نحن استثمرنا هذا المبلغ في مشروع صغير أو مشروعات صغيرة عدة تدر من المال ما يسهم في إطالة الاستفادة من هذا المبلغ على أعوام أكثر من الاربعين أو الثلاثين كان ذلك شيئاً رائعاً.
أنا لا أطالب بدفع المبلغ المستحق على رجل الأعمال صاحب الفضل في العمل الخيري لأني أعتقد أن الرجل الذي استطاع أن يعمل وينجز ويحصد الخير الكثير ويعطي لوجه الله سيكون قادراً على أن يسدّد ما عليه من التزامات مادية. فقط أقول ارحموا عزيز قومٍ غدر به الزمن وامنحوه فرصة العودة إلى وطنه من دون المساس بكرامته عل الحصان يقوم من كبوته.
غير اني أقول وأصرّ على القول بأن الدولة أية دولة كانت عليها وفي أقرب وقت ممكن أن تستقطع من المبلغ الذي نزل عليها من السماء لحفظ ماء وجه هؤلاء البشر من مد أيديهم وهم في هذه السن المتقدمة، وقد بلغت عائدات الزيادة في أسعار النفط ثلاثمئة مليار دولار لدول مجلس التعاون الست فقط. انتشلوهم عسى الله أن ينتشلكم مما أنتم فيه. عيبٌ... لا تجعلوا الأمم تضحك علينا. وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
كاتب بحريني
العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ