العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ

كيف يتم الاصلاح إذا كانت أداته فاسدة؟

الفساد في الصحافة العربية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

لعل بين آخر مؤشرات التردي في واقع الصحافة العربية ما شهدته الاعمال التحضيرية للمؤتمر العاشر لاتحاد الصحافيين العرب في القاهرة من تجاوزات وترتيبات انتهت بفضيحة انسحاب وفد نقابة الصحافيين المصريين من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، احتجاجاً على «سياق الوقائع الغريبة والخروق غير المسبوقة للقواعد والأعراف الديمقراطية ولنصوص صريحة في دستور الاتحاد، أدت إلى تهميش واستبعاد النقابة المصرية، أعرق وأكبر منظمة نقابية عربية للصحافيين، وأكثرها التزاماً بالقواعد الديمقراطية في تشكيلاتها عن كل ترتيبات عقد المؤتمر»، كما قال نقيب الصحافيين المصريين جلال عارف.

ان بين الاعتراضات، التي ساقها نقيب الصحافيين المصريين في اطار تبرير انسحاب نقابته من المؤتمر، يتمثل في محاولة رئاسة الاتحاد اقصاء نقابة الصحافيين المصريين «عن الاسهام في التحضير لأعمال المؤتمر وفعالياته» خلافاً لقرارات المكتب الدائم باستضافة النقابة المصرية للمؤتمر، وما يفرضه ذلك من تعاون وتنسيق مشترك في الإعداد للمؤتمر، وقيام رئاسة الاتحاد بتجاوز ذلك، ثم بالقفز على دستور الاتحاد ونظامه الأساسي، باستبعاد تولية نقيب صحافيي الدولة المضيفة رئاسة أعمال المؤتمر خلافاً لنص المادة 22 من النظام الأساسي للاتحاد.

التجديد للرئيس!

ولا يمكن فصل الاعتراضات السابقة عن الاجواء التي انعقد فيها المؤتمر، والتي تؤشر الى أمرين اثنين لهما علاقة مزدوجة ليس فقط بنقابة الصحافيين المصريين وانما بكل المنظمات الاعضاء في الاتحاد، أولها محاولة تجديد وجود ابراهيم نافع في رئاسة الاتحاد لدورة ثالثة تستمر لأربع سنوات بعد ان احتل هذا المنصب لثماني سنوات مضت، والثاني استبعاد اية محاولة تجديد في بنية وعمل اتحاد الصحافيين العرب في المرحلة التالية باخراجه من دائرة اصدار بيانات وعقد اجتماعات لا معنى لها، ولا تعكس أي تبدّل في حياة الاتحاد وعلاقته بالصحافيين العرب وقضايا المجتمع العربي. وكانت نقابة الصحافيين المصريين راغبة في تقديم ورقة لتطوير عمل الاتحاد وتغيير تركيبته «ليصبح أكثر ديمقراطية واكثر ابتعاداً عن النفوذ الحكومي، وأكثر ارتباطاً بهموم الصحافيين العرب ومعاناتهم من فقد حرية الصحافة الحقيقية في غالبية الأقطار العربية».

والحق، فان ما أحاط بمؤتمر اتحاد الصحافيين العرب في دورته العاشرة، يكشف أهم مؤشرات واقع الحال في المنظمات الاعضاء في اتحاد الصحافيين العرب، إذ غالبية رؤساء هذه المنظمات، قد سمروا على مقاعدهم لسنوات طويلة، وأحاطوا أنفسهم ببطانة من المريدين والمرددين الذين لا خبرات ولا مواهب لهم سوى التبعية والاستزلام. وتجاوز هؤلاء الرؤساء الأنظمة الداخلية لمنظماتهم، وحوّلوا تلك المنظمات الى مزارع خاصة لهم ولنفر قليل من الاتباع، ووضعوا على الرف كل ما يتصل بتحسين حال مهنة الصحافة والعاملين فيها.

ولا يبدو تردي واقع الحال في المؤسسات الصحافة النقابية العربية في المستويين القومي والقطري، الا تجسيداً عملياً لما يحيط بمهنة الصحافة العربية ومؤسساتها من ترديات مهنية وإدارية، ومن انحراف عن القيام بالمسئوليات المطلوبة ازاء المجتمع وقضاياه، وهي سمات عامة لواقع المؤسسات الصحافية في غالبية البلدان العربية، كما هو الحال في سورية ومصر وليبيا وبلدان أخرى كثيرة، مازال فيها الاعلام مملوكاً للدولة بشكل أساسي، وخاضعاً في الغالب الاعم للحكومة، ومدافعاً عن سياساتها ومواقفها، ومتجاهلاً المجتمع وقضاياه، وكلها أمورٌ تنطبق في معظم الاحيان حتى على المؤسسات الصحافية المملوكة للقطاع الخاص، والتي يتم اخضاعها وتطويعها من خلال سياسات الدعم المالي الحكومي ومن خلال المنح الاعلانية، التي تقدمها المؤسسات الحكومية للصحف والمجلات.

الفساد في الصحافة

ويشير التماثل في تردي واقع الحال الصحافي سواء في المؤسسات النقابية في المؤسسات المهنية الى حقيقة تعميم الفساد في هذا القطاع، وهو فسادٌ لا يمكن فصله عن واقع الفساد السائد في مختلف مفاصل الحياة العربية في ميادين السياسة والمجتمع، كما في الاقتصاد والثقافة وغيرها، لكن أهمية الفساد في واقع الصحافة، انه يضرب في أداة رئيسية من أدوات الاصلاح المطلوب في الواقع العربي لجهة تأثيراتها السلبية على الصحافيين وعلى المؤسسات الصحافية سواء.

والسير في منحى الاصلاح العربي في بعده القطري والقومي كلاهما، يتطلب أداة فعالة توصل مفاهيم الاصلاح ومضامينه الى المجتمع، وتمثل الصحافة المكتوبة على وجه الخصوص الاداة الفعالة في دورٍ كهذا، أكثر مما يمكن أن يلعبه الاعلام المرئي والمسموع، لان الغالبية من الفئات الوسطى المهتمة بمشروع الاصلاح وإنجازه ذات صلة وثيقة بالاعلام المكتوب.

وبهذا المعنى، فإن الاصلاح العربي في المستويين القطري والقومي، واذا انطلق من الاصلاح السياسي الذي هو لبّ أي عملية اصلاح، لابد أن يولي اصلاح الاعلام والصحافة خصوصاً اهتمامه الاول، لأن اصلاح الصحافة، يوفر قنوات اتصال قوية وتفاعل جدي بين مشروع الاصلاح وجمهوره لخروج عربي من الواقع الراهن، وتعزيزاً للقدرات العربية في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.

ولا شك، ان اصلاح الصحافة، يتطلب توفير بنية اساسية، لا تتصل فقط بالمعطيات القانونية والمادية، بل بتوفير بيئة سياسية مناسبة أساسها الشفافية والحق في المعرفة والمحاسبة وحرية الاعلام وتعددية منابره، يليها وجود قانون مطبوعات مناسب، وتوفير مستلزمات مادية لصدور صحف ومجلات، وتأمين كادرات مهنية ومدربة. لكنه حتى يتم توفير تلك البيئة، لابد من إخراج الصحف والمجلات العربية من حالها الراهنة، وفك إطار تبعيتها للحكومات، وتصفية ارتباطاتها البيروقراطية في البعدين الاداري والمهني، وتنظيفها من شخصيات أحكمت قبضتها على المؤسسات الاعلامية، فحوّلتها الى مؤسسات خاصة، وهو حال يشبه حال المؤسسات النقابية للصحافيين العرب من اتحاد الصحافيين العرب الى الغالبية - اذا لم نقل كل - المنظمات النقابية القطرية

العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً