لا تحتاج الى أن تكون حواسك كل حواسك حاضرة كي تستطيع التمييز بين البشر الذين يعملون ليل نهار من أجل أن يحققوا شيئا لأنفسهم وللوسط الذي يحيون فيه أو هم مسئولون عنه، وبين البشر الذي لا تهمهم الطريقة والأسلوب اللذان سيحققان لهما ما هم عازمون ومقدمون عليه وبأي ثمن كان، اذ لا معيار ولا وجود للجانب الأخلاقي في توجه الصنف الثاني من البشر الذين نحن بصددهم.
بعضهم يملك امكانات أن يمضي في تحقيق ما يتطلع اليه، ولكنه يحسبها بحساب الوقت والثانية، فبدلا من الانتظار عشر سنوات أو ربما عشرين سنة للوصول الى هدفه، يعمد الى اختيار الطرق السهلة التي تحقق له الهدف ذاته وفي أقصر فترة زمنية ممكنة، ليس لأن الطريقة ذكية ومبتكرة بحيث يستطيع من خلالها اختزال الزمن وتحقيق الانجاز، بل لأن الطرق المؤدية الى كل ذلك بعيدة كل البعد عن المواجهة والأخلاق والمضي في التدرج... وما تحققه بسهولة لا شك يمضي بسهولة بعكس انجازات تحققها بتدرج ونضج وترو وسنوات من المثابرة والفحص والاستدراك، تظل تحتفظ به في نهاية المطاف ولن يكون كثيرا عليك أن تخلفه لمن يأتون بعدك.
نماذج الوصوليين تجدهم أينما وليت وجهك، هم وجه آخر من وجوه الفساد واستشراء حال من منطق «كل ما لا تستطيع أن تصادره بيد، حاول أن تصادره بيدين!»... وكأن المصادرة والاستيلاء طريقان لا ثالث لهما لتحقيق مكسب هنا وحضور يظل زائفا هناك... منطق لا تحتاج فيه الى عظيم جهد كي تكشف الفارق بين أولئك وبين الذين ارتضوا أن ينتهجوا طرقا تؤكد انسانيتهم ومعدنهم الأصيل وتحملهم ودأبهم ويشعرون بمتعة وهم يحققون نجاحا هنا أو فشلا هناك من دون أن يفقدوا متعة الحالين... حال النجاح لأنهم حققوه بعفاف في اليد وسلامة في الضمير... وحال الفشل لأنهم حاولوا ولم يقفزوا فوق المسلمات والثوابت كي ينالوا ما لم يستطيعوا نيله بطرق ملتوية.
تلك النماذج ستصادفها في الشارع... في المعامل كما في المكاتب الأنيقة وعلى الأرصفة وحتى معك يتنفسون الهواء ذاته ويشربون الماء ذاته ويأكلون معك من صحن واحد وتحت سقف واحد. والتحصين - ضد ذلك النوع من الأمراض التي باتت خطيرة ومستشرية وقابلة لنشر عدواها في الوسط الذي توجد فيه - بات واحداً من الإشكالات التي تعاني منها المجتمعات الانسانية على اختلاف درجات تطورها وتقدمها وانجازاتها الحضارية، ولا تمييز لدى ذلك الداء، بحيث يطال الأسود أو الأبيض أو الأصفر، هو يعمل على تذويب الفوارق تلك... وحتى نتائجه وانعكاساته تطال البشر كل البشر على اختلاف ألوانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ