العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ

المكتبات العامة: مراكز للتنمية الاجتماعية المستدامة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بعض من الأخبار المفرحة التي أعقبت زيارة وفود أهلية لجلالة الملك هي إعلان النية عن إنشاء مكتبات عامة، وأملنا في أن يتحقق ذلك، لأن الوضع الحالي مأسوي ولا يمكن أن يصدّق. ففي بلد مثل البحرين التي تمتلك تاريخاً علمياً حافلاً فإن المكتبات العامة لا وجود لها وان وجدت واحدة فهي أقرب إلى «زريبة» منها إلى مكتبة.

حديثاً سمعنا عن نية «الجمعية البحرينية للجامعيين» إنشاء مركز لرعاية الإبداع في منطقة جدحفص، وهو مشروع مهم جداً لو استطاعوا القيام به. لكن هذا يحتاج إلى دعم المؤسسات التي تقع على عاتقها مسئولية دعم التعليم والتدريب والإبداع في المجتمع. وفي العادة ترى في البلدان المتقدمة الشركات الكبرى والمصارف وغيرها تتسابق مع الحكومة على خدمة المجتمعات المحلية، وخصوصاً أن مثل هذه المشروعات تعطي سمعة حسنة عن المتبرعين أو عن الحكومة لأن مثل هذا الاستثمار يعود بنفع بعيد المدى على الجميع.

ولكن المشروعات قد لا ترى النور، تماماً كما سمعنا كثيراً عن الحدائق التي صممت على الورق وأنها ستنتشر في البحرين، وكل ما نشاهده رسومات كمبيوترية. وفي مطلع العام ذكرت وزارة الشئون الاسلامية انها ستساند مشروع إقامة مكتبة عامة في بني جمرة، ولكن هذا الحديث مثله مثل غيره، يختفي مع الأيام ولا يبقى سوى الحلم في التحقيق يوماً من الأيام.

الحديث في هذه الأيام يتطرق إلى التنمية الاقتصادية المستدامة والتنمية الاجتماعية المستدامة. والمكتبات العامة ومراكز الإبداع وهيئات دعم التعليم، كلها تعتبر من المتطلبات الأساسية لدعم جهود التنمية الاجتماعية المستدامة. فأهم شيء تسهم في دعمه مثل هذه المؤسسات هو خلق «الشخصية النامية ذاتياً»، وهو ما يعبر عنه علماء الاجتمـــــاع بـ self-actualization.

وبحسب هذه النظرية فإن كل إنسان لديه شخصية مبدعة بداخله، ولكي تظهر هذه الشخصية إلى العلن وتحقق أمنياتها بصورة إيجابية لنفسها ولمجتمعها، فإنه يجب توفير البيئة التي تساعد على فتح الآفاق التفكيرية ومساعدة الشخص في اكتساب مهارات أساسية في المطالعة والقراءة والتجريب الذاتي بحيث يتحول ما بداخله من طاقة إبداعية إلى شيء ملموس على أرض الواقع. وبما أن الشخص يتأثر بالبيئة المحيطة به، فإن انعدام هيئات أساسية داخل المجتمع (مثل المكتبات العامة ومراكز الإبداع) لا يساعد المجتمعات المحلية في اكتشاف إبداعات الأشخاص، وخصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار محدودية العدد الذي يستطيع الوصول إلى التسهيلات المتوافرة في أماكن مثل الجامعات، وأن مثل هذه التسهيلات مخصصة لنوعية معينة من الناس.

إن من أجمل ما يشاهده المرء في البلدان المتقدمة هو انتشار المكتبات العامة التي تحوي أقساماً للأطفال وكتبهم وألعابهم التي تفتح أذهان الناشئة، بالإضافة إلى تقديس الجميع للعلم والاجتهاد الذاتي. فالحضارات التي قامت إنما قامت لأنها آمنت بأن الإنسان يحوي في داخله «شخصية مبدعة»، وأن التحدي يكمن أساساً في استخراج تلك الشخصية المبدعة إلى حيّز الوجود. وفي هذا الصدد يشير الإمام علي (ع): «أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر».

نعم العالم الكبير بكل عجائبه ينطوي داخل كل واحد منا، وكل ما نحتاج أليه هو الجدية في إنشاء هذه المكتبات والمراكز وعدم الاكتفاء بالتصريحات فقط

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 764 - الجمعة 08 أكتوبر 2004م الموافق 23 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً