تتجه دول مجلس التعاون نحو التعامل بالوسائل التكنولوجية في مختلف المجالات. والمجال الطموح حالياً هو مجال تنمية الموارد البشرية، إذ تسعى دول المجلس وفق خططها المشتركة إلى تطوير البرامج التدريبية، فالتفكير الجاد والطموح في تفعيل التدريب عن بعد أو التدريب الإلكتروني فيها لهو خطوة رائدة ستعمل على جعل التدريب ديناميكياً سريعاً والموضوع لايزال شائكاً بين مؤيد ومعارض، والتدريب أو التعليم عن بُعد نمط من أنماط التعليم معمول به في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها، ففي العام 2001 أطلقت جامعة بكين موقعاً لبوابة تعليمية لخدمة مليون طالب جامعي، كما أن هناك العشرات من الجامعات والمعاهد الرائدة في استراليا وكندا تعتمد الآن برامج التعليم عن بُعد، وفي بريطانيا تقوم الكثير من الجامعات بوضع اللمسات النهائية لتأسيس جامعة افتراضية تقدم جميع برامجها بصورة إلكترونية للطلاب داخل بريطانيا وخارجها، وفي الولايات المتحدة الأميركية بادر عدد كبير من الجامعات بتقديم فرص التعليم عن بُعد بشكل منفرد مثل جامعة تكساس، أو على شكل اتحادات تعرض برنامجاً مشتركاً مثل مجمع كاليفورنيا الافتراضي وجامعة ولاية كونيكتكت ومجمع إلينوي الافتراضي، والتعليم عن بُعد معمول به جزئياً في بعض البلاد العربية بتقديم بعض المقررات كما هو الحال في جامعة الكويت.
وأثبتت دراسة استطلاعية عن واقع التعليم عن بُعد بجامعات ومؤسسات التعليم العالي في دول مجلس التعاون أن معظم الجامعات الخليجية تخطط للأخذ بنظام التعليم عن بُعد، السبب هو أن هذا النظام أصبح منتشراً وبسرعة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، ليس في الدول المتقدمة فحسب بل حتى جامعات الدول النامية التي تحاول جادة الاستفادة من إيجابيات هذا النظام.
هناك من يؤيد الأخذ بالتعليم عن بُعد كلياً، وهناك من يؤيد الأخذ به جزئياً، وهناك من يعارضه، فهناك إيجابيات ومبررات للأخذ به، كما أن هناك سلبيات تؤيد وجهة نظر المعارضين.
ولنتعرف أولاً على أحد تعريفات التعليم عن بُعد إذ تم تعريفه على أنه: «ذلك النوع من التعليم الذي يقدم إلى مواقع وأماكن يكون الطالب أو الدارس فيها بعيداً جغرافياً عن الأستاذ، ويتم التواصل خلال تقنيات نقل المعلومات السمعية والمرئية (الحية والمسجلة) أو من خلال تقنيات الحاسوب والانترنت بما في ذلك التدريس المتزامن وغير المتزامن».
وتتم إدارة التعليم عن بعد بواسطة الإدارة الإلكترونية وهي عبارة عن «إدارة من دون أوراق أو زمان أو متطلبات جامدة، إذ إنها تعتمد على الإرشيف الإلكتروني، والبريد الإلكتروني، والأدلة والمفكرات الإلكترونية والرسائل الصوتية وهي مؤسسة شبكية ذكية تعتمد على عمال المعرفة Knowledge Worker وعند تناول الرؤى المستقبلة والتوقعات المصاحبة لمشروع التدريب عن بُعد قد تثار أسئلة عدة بشأن مستقبل التدريب الإلكتروني ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- هل سيحل التدريب الإلكتروني محل التدريب التقليدي؟
- هل التدريب الإلكتروني هو البديل المناسب عن التدريب التقليدي؟
- هل سيتقبل وسيفضل المتدربون التدريب الإلكتروني عوضاً عن التقليدي؟
- هل يمكن تناول جميع التخصصات في التدريب الإلكتروني؟
- هل ستتحول جميع المؤسسات التدريبية في القطاع العام والخاص إلى مؤسسات تدريب إلكترونية؟
- ما مدى إمكان إكساب المتدربين للمهارات في التدريب الإلكتروني؟
- ما مدى إمكان قياس تطور الأداء والقدرات المكتسبة؟
- هل التدريب الإلكتروني سيوفر الجهد على المدرب من حيث إعداد المواد التدريبية أم إنه سيضيف جهداً آخر؟
- ما مدى دقة المراقبة للتعرف على هوية المشاركين في البرامج والدورات التدريبية الإلكترونية؟
- هل التدريب الإلكتروني يتطلب وجود فريق متخصص لإنتاج الوسائل التعليمية الإلكترونية (الشرائح، الصور والرسومات الحركية... الخ)؟
الأسئلة السابقة عبارة عن استفسارات تهدف إلى توضيح الرؤى المستقبلية للتدريب الإلكتروني الذي سخر الوسائل التقنية لتسهيل عملية التدريب، فما عاد الفصل الدراسي أو قاعة التدريب بمكوناتها الفيزيقية ذات جدوى بالنسبة للتدريب الإلكتروني فقد حل الفصل الافتراضي التفاعلي محلها.
ويذكر أنه تم إنشاء موقع جامعة العرب الإلكترونية في 25 اكتوبر/ تشرين الأول 1997م. ويعتبر الموقع الرائد في العالم العربي المستخدم للغة العربية عبر شبكة الانترنت بالإضافة إلى لغات أخرى، والموقع أنشئ ليخدم ناطقي اللغة العربية، وبدا يطرح المواد التعليمية العام 1998م بمساعدة أصحاب الخبرات العلمية والقدرات الخاصة، وهو يعطي زائره عبر العالم، إمكان الحصول على عدد من الدورات إذ يتم التعارف على جميع الملتحقين بالدورة مع المحادثة بينهم، بالإضافة إلى استخدام المكتبة العربية التي تمكن من الرجوع إلى أيّ مرجع أو دراسة وتقدم دورات للمرأة وللأطفال ولعلوم الحاسب ورجال الأعمال، وتهدف إلى تطوير وتقديم برامج للتعليم عن بُعد للمتدربين والمستخدمين، وأن تكون مركز تدريب مفتوح ومستمر للتعليم عن بُعد حول العالم لتقديم أفضل الخدمات من حيث المستوى والتطور، والوقوف على أحدث التقنيات بغض النظر عن السن والمهنة والمهارات الشخصية، ومن دون حواجز، إذ يمكن للدارس أن يختار أياً من البرامج والدورات الأكاديمية المتنوعة، وتقدم الجامعة دورات للحصول على درجات علمية وأخرى لا يحصل الدارس من خلالها على درجة علمية، مستخدمة وسائط متعددة مثل: استخدام الصورة والحركة وباستخدام الفيديو والبرامج والكتب ودليل للتعلم ومناهج للدراسة.
وتتميز الإدارة الإلكترونية بعدم وجود وثائق ورقية بل إلكترونية وإمكان تنفيذ جميع المعاملات إلكترونياً.
ونتيجة لتحول القطاعات التجارية إلى الوسائل الإلكترونية لإنجاز معاملاتها التي كانت تتم بالوسائل التقليدية يقدر حجم التجارة الإلكترونية مع نهاية العام 2004م بنحو (7,2) تريليونات دولار.
التوقعات المستقبلية للتدريب عن بُعد
من المتوقع أن تشهد العقود المقبلة طفرة في نظم التدريب وأساليبه وأهدافه، وسيكون الاتجاه العالمي نحو التدريب المستمر وإنشاء معاهد تدريبية من دون جدران، وكلها تنطوي تحت مفهوم التدريب عن بُعد الذي يعطي المتدرب قدراً كافياً من الحرية في اختيار المكان والزمان للتدريب. وسيواكب هذه الطفرة تغيير في دور التدريب، فبدلاً من أن يعطي المعلومة سيكون دوره مساعدة المتدرب على الوصول إلى المعلومة بنفسه، وسيسهم هذا الاتجاه في ثلاثة أمور:
1- ازدياد الوعي بالحاجة إلى التدريب المستمر.
2- عدم قدرة المعاهد على استيعاب الأعداد المتزايدة من المتدربين.
3- توافر التقنية الحديثة وخصوصاً في مجال المعلوماتية والبث الفضائي والحاسوبي.
وفي هذا الإطار يقدر الخبراء أن جميع العلوم باستثناء القليل منها يمكن أن يقدم مستقبلاً بهذا النظام من التدريب. لذلك قد تكون احتياجات المستقبل القريب أشد وطأة في الاستفادة من فرص التدريب عن بُعد ما لم يتم التوصل إلى خيارات أخرى للتدريب تفي بهذه الاحتياجات.
إن كل محاولة لتسخير فرص التدريب عن بُعد للمحتاجين لا يمكن أن تنفصل عن تسخير جميع الإمكانات لتطوير هذا النظام التدريبي، وجعله فعالاً بشكل يؤهله للوفاء بهذه الاحتياجات. لذلك فإن البحث في قضايا التدريب وتوجهاته المستقبلية سبب جوهري للارتقاء بمستوى جودة التدريب وزيادة كفاءته.
كما يتطلب مستقبل التدريب عن بُعد الاستمرار في تطوير آليات وسبل توصيل المعلومة إلى المتدرب، ودراسة بدائل أفضل لتصميم الدورات التدريبية لتكون أكثر جاذبية للمستفيدين من الخدمة التدريبية. إلى جانب ذلك ربما يكون من الضرورة البحث عن صيغ للتدريب يمكن توظيفها بما يجعلها مفيدة وفاعلة بحسب الموضوعات التي يتم تناولها. إن قضايا مثل نوع الخدمات المساندة للمتدربين ومستوى المضطلعين بتقديمها، وقضايا الاعتماد على منهجية التدريب عن بُعد كبديل عن منهجية التدريب التقليدي ستظل دائمة مطروحة لمزيد من التحسين والتطوير.
اختصاصي تطوير إداري أول، ديوان الخدمة المدنية
العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ