الزكوات والصدقات غالباً ما توزع من المزكّين والمتصدقين على أبناء الطائفة التي ينتمي إليها هؤلاء المزكون والمتصدقون. صناديق خيرية تؤسس وتمارس نشاطها طائفيا، أي ان مساعداتها تكون مقتصرة على أبناء طائفتها. مؤسسات كثيرة تقوم وهي بعيدة كل البعد عن المفاهيم الإنسانية والوطنية، كل ذلك بسبب أن القائمين عليها يفكرون بحس طائفي وأنهم الفرقة الناجية التي ستدخل الجنة. أما غيرهم من البشر فهم محرومون منها.
(ترتيب البيت الشيعي - جمعية «الوفاق» الحاضنة لغالبية التيار السياسي الشيعي، العلماء المرجع الحقيقي، الوفاق للمؤمنين بمذهب آل البيت... أقر الشيخ النجاتي بتأثير المرجعية الدينية على الملفات الساخنة مؤكدا صعوبة تجاوز المعارضة لخط العلماء بشكل واضح وصريح... إنه لا يرى أن تأسيس جمعية سياسية جديدة في التيار الاسلامي الشيعي في الوقت الحاضر هو الخيار الأفضل... اذا كانت جمعية الوفاق تمثل جميع أطياف البيت الشيعي وتوجهاته، فعليها أن تحتضن هذه الأطياف).
عبارات جميعها تمثل نموذجاً صارخاً في تقسيم الوطن، خطاب يؤدي الى الفرقة، ولا يؤدي الى الحد الأدنى من الاجماع الوطني على الكثير من الملفات الوطنية التي تجب معالجتها من المنظور الوطني. وكانت تجربة العريضة الدستورية درسا. هذا لا يعني ان ذلك مقتصر على الوفاق، بل ان المعني بذلك جميع مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الجمعيات السياسية التي نشأت من منابت مذهبية وطائفية، واذ قدمنا الوفاق نموذجا فذلك بحكم انها تمثل ثقلا سياسيا ووطنيا.
مساء يوم الأحد كانت هناك ندوة في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية، شارك فيها رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي عبدالرحمن النعيمي ورئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية الشيخ علي سلمان، وكان هناك جانب مما طرح في الندوة يؤكد ما ذهبت اليه في هذا المقال، اذ رد النعيمي على مداخلة الناشط السياسي علي ربيعة عن الجوانب التي فشلت فيها الجمعيات السياسية المقاطعة، بأن أكبر ما فشلت فيه تلك الجمعيات هو الوصول الى الشارع السني، ما جعل حركة المعارضة ممثلة في غالبية شيعية تمثلها جمعية الوفاق، وما أكد ذلك عملية التحشيد الطائفي الذي تم خلال الأسبوعين الماضيين، كما رد الشيخ علي سلمان على استفسار احد الحضور عن التناقض احيانا بين ما يقوله وما يقوله الرمز العلمائي الشيخ عيسى قاسم، بأنه في حال وجود أي تباين في المواقف فعلى الجمهور أن يأخذ بما يقوله الشيخ عيسى قاسم، وكأن الحركة السياسية مرهونة لمرجع ديني على غرار ولاية الفقيه الذي يملك الحسم وحق القرار النهائي، وهذا خطاب لا يصلح لنا في البحرين كحركة سياسية وحركة وطنية، فمع الاحترام لهذه الرموز وهؤلاء العلماء، فهم يلزمون أتباعهم في المذهب، وقد يصلح هذا الخطاب في العبادات، لكنه لا يصلح للحركة الوطنية والسياسية في البحرين، اذا ما أرادت الخروج من عباءة الطوائف والمذاهب الدينية.
نستطيع القول ان تقسيم الوطن الى بيت شيعي وبيت سني، شعار يجعل أبناء الوطن وكأنهم في مواجهة بعضهم بعضاً، تقسيم يستفيد منه أصحاب المصلحة في نهب الثروات وبقاء الفساد. ونستطيع القول إنهم نجحوا نسبياً، وخصوصا انهم القائمون على سياسة فرق تسد.
إن سياسات التمييز الممقوتة نجحت الى حد بعيد في تهيئة الأرض الخصبة للنبتة المريضة، سياسات جعلت المواطن يحتمي بطائفته، بل بعائلته، بدلاً من أن يحتمي بالوطن. نقولها صريحة إن سياسات بعض أطراف السلطة هي التي تجعل التربة مهيأة للكثيرين يفكروا بشكل طائفي.
مرة أخرى نود القول اننا لسنا بحاجة الى نشوء وقيام المزيد من المؤسسات الاجتماعية والسياسية المبنية على أسس طائفية وعرقية ومناطقية، بل نحن في الحقيقة محتاجون الى تفكيك مثل هذه المؤسسات، واعادة بنائها على أسس وطنية، مؤسسات تربي في المواطن معنى المواطنة الحقيقية البعيدة عن التأسيس الطائفي الضار بمجمل الوطن.
نقول هذا بعد ان تابعنا ونتابع في هذه الأيام أخبار سعي البعض من المنتمين الى جمعية الوفاق الى تأسيس جمعية جديدة تحت مسمى العدالة والتنمية، والتصريحات التي رافقت هذا السعي من بعض المؤسسين مثل القول: ان الجمعية ستعلن بعد مشاورة العلماء، وان المرجع الديني في لبنان السيدمحمد حسين فضل الله على علم.
كنا نأمل من الذين يسعون الى انشاء جمعية العدالة والتنمية ان يبتعدوا عن المنحى الطائفي وأن يعملوا على خلق بديل وطني بعيد عن ولاية الفقيه، فلسنا بحاجة الى مؤسسات طائفية
العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ