قال السيّدمحمد حسين فضل الله إن الدماء الفلسطينية الأخيرة التي سالت هي جزء من التفويض الأميركي المستمر لشارون لكي يمارس هوايته في القتل حتى الانتخابات الأميركية. ودعا الأجيال العربية الإسلامية إلى استعادة العناصر الإسلامية الثقافية في المسألة الفلسطينية، لأن فلسطين لا يمكن أن تصبح هامشاً سياسياً وأمنياً في المنطقة.
وكان ذلك في سياق رده على سؤال في ندوته الأسبوعية عن زعم الحق التاريخي لليهود في فلسطين وأين أصبحت القضية الفلسطينية في ظل التطورات الراهنة. إذ أجاب: لاتزال الدوائر الإعلامية الغربية ذات الصلة المعروفة بالصهيونية العالمية تعمل على ترويج الحديث والخرافة بشأن الحق اليهودي في فلسطين المحتلة، وفق مقولة إن هذه الأرض كانت في حوزتهم قبل ثلاثة آلاف سنة تقريباً، وإنهم إنما يهاجرون إلى هذه الأرض التي كانت وطناً لأجدادهم، حتى أن البعض يحاول أن يلبس المسألة لبوساً دينياً على أساس أن النبي موسى (ع) استقدمهم إلى هذه الأرض لتكون لهم، مع أننا نعرف أن الله تعالى تحدث في القرآن الكريم عن بني إسرائيل الذين جاءوا من مصر لتكون هذه الأرض ملجأً لهم لا أن تكون حقاً لهم بالمعنى التاريخي.
وتابع: «ولعلّ جزءاً من المشكلة يكمن في أن الغرب الذي يعيش في كنف العلمانية يعمل على أن يتقبل هذا المنطق على حساب كل جراحات الفلسطينيين وعذاباتهم، من دون أن يسأل عن المنطق الحضاري وحتى التاريخي أو القانوني الذي يستدعي القبول بهذه الخرافة، في الوقت الذي يعرف أن ثمة شعوباً أخرى كانت في فلسطين قبل النزوح اليهودي السابق إليها، ثم عمل اليهود على إخراج الفلسطينيين من أرضهم بفعل اللعبة الاستكبارية، ومن خلال ما تحركت به بريطانيا بعد تقسيم المنطقة على أساس معاهدة «سايكس بيكو». وإذا كان المنطق الصهيوني يحاول الإيحاء بأن فلسطين لم تكن دولة، فإن ذلك لا يعطي حقاً لليهود في احتلالها، لأن فلسطين كانت شعباً يضج بالعطاء والحركة، وكانت ممتلئة بأهلها ومواطنيها، ولأن الذي منع قيام الدولة في فلسطين هو الانتداب البريطاني، وهو الذي أفسح المجال ليهود العالم لكي يأتوا من مختلف الجهات ويصادروا أراضي الفلسطينيين».
وقال: «إننا نسأل الغرب الذي تدافع جهات كثيرة فيه عن هذا المنطق: كيف يكون لأناسٍ لا يعرفون فلسطين الحقّ في سكناها والسيطرة عليها، ولا يكون من حق أهل هذه الأرض العودة إليها على أساس أنها أرض متنازع عليها؟ وما هو الحق الإنساني الذي يُتيح لليهود استملاك فلسطين واغتصابها على حساب الشعب الفلسطيني الذي يعيش فيها منذ مئات السنين؟! إن القبول بالمنطق الصهيوني على أساس أن أجدادهم سكنوا هذه الأرض قبل آلاف السنين، يجعل النظام العالمي كله في موقع الاهتزاز، لأن شعوب العالم تتبادل أماكنها بفعل ظروف كثيرة، فهل يعني ذلك أن على كل شعب في هذا العصر أن يطالب بالأرض التي سكنها أجداده قبل مئات السنين؟! إنها الخرافة التي يُراد لها أن تسكن عقول حتى أولئك الذين يحملون لافتة القانون الدولي ليلوحوا بها عند كل مفترق سياسي أو منعطف أمني»!
وأضاف: «ثم إننا نلاحظ أن هناك في واقعنا العربي والإسلامي من يقول: أبعدوا الدين عن القضية الفلسطينية، حتى في الوقت الذي لم يدع اليهود أي عنصر ديني وخرافي إلا وأدخلوه في هذه القضية، وحتى في الوقت الذي يعرف الجميع أن «إسرائيل» ارتكزت في نشأتها واستمراريتها على الحال الدينية التي لا تحمل عمقاً في الرسالات وإن كانت تحمل حقداً ضد العرب والمسلمين وضد العالم، ونحن نريد للدين أن يُظهر عمق القضية الفلسطينية لا أن يتحرك فيها على أساس العصبية».
وأردف: «أن قضيتنا مع اليهود في فلسطين لم تعد مجرد قضية سياسية، بل أصبحت قضية فكرية حضارية قانونية فيما يحاول القائمون على دعم «إسرائيل» في العالم اعتبار الاحتلال اليهودي لفلسطين مسألة حضارية لها قداستها، وهو ما يعمل المحافظون الجدد للترويج له إضافةً إلى بعض الجهات الدينية الأميركية، وذلك إلى جانب ما تغرسه الصهيونية في أذهان الأجيال اليهودية لكي تستمر في تحريك المفاهيم العدوانية ضد الفلسطينيين. وعلينا أن نعرف أن سلسلة المجازر التي يرتكبها شارون وآخرها المجازر اليومية في غزة، هي جزء من ثقافة القتل والإبادة التي يتوارثها الصهاينة، وأنّ هناك استعداداً أميركياً كاملاً لتقبّل هذه الثقافة بكل مفاعيلها ونتائجها، حتى وإن أدت إلى إبادة وتهجير شعب بأكمله، أو كانت انقلاباً كاملاً على قرارات الأمم المتحدة التي أقرّت بحق العدو ورفضت الاحتلال على أساس أن إدارة الرئيس الأميركي تتعامل مع «الحقائق الساطعة على الأرض»، كما سبق لبوش ووزير خارجيته أن تحدثا بهذه اللغة في المسألة الفلسطينية».
وختم فضل الله إجابته بالقول: «كما أن الدماء الفلسطينية الأخيرة التي سالت وتسيل أنهاراً هي جزء من التفويض الأميركي المستمر لشارون لكي يمارس هوايته في القتل والذبح في فلسطين المحتلة حتى الانتخابات الأميركية والمرحلة التي تليها، فيملأ الفراغ المطلوب بتواقيع دموية، فيما تتحدث الإدارة الأميركية عن مشكلة دارفور في السودان، ولا تنبس ببنت شفة في كل هذا القتل الذي يجري في فلسطين المحتلة. إننا نقول لأجيالنا: إن عليكم أن تستعيدوا العناصر الإسلامية الثقافية في المسألة الفلسطينية والعناصر العربية والوطنية، وألا تعتبروا أن فلسطين يمكن أن تصبح قضية هامشية سياسياً وأمنياً مهما حصل في مواقع أخرى في المنطقة، لأن فلسطين هي الأصل وهي أكبر من العنوان الأمني لأنها في قلب العنوان السياسي والإنساني، وعلينا أن نستعيدها في التاريخ لتبقى في الحاضر ولنربح فيها وجودنا وامتدادنا كأمة على مستوى المستقبل»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 763 - الخميس 07 أكتوبر 2004م الموافق 22 شعبان 1425هـ