«بلغت قيمة مشتريات العراق من الأسلحة خلال العام الماضي 12.97 مليار دولار، أي ما يعادل 12.83 في المئة من إجمالي ما استوردته دول العالم من الأسلحة خلال ذلك العام».
هذا ما بثته وكالة «آرمز - تاس» الروسية للأنباء، التي أكدت أيضا بأن هذا الرقم يجعل العراق يحتل «المرتبة الأولى بين دول العالم المستوردة للأسلحة في العام 2008». وتكشف الوكالة أيضا أن «الأسلحة التي يشتريها العراق في المرحلة الراهنة معظمها من إنتاج شركات الصناعات الدفاعية الأميركية، حيث وضعت الولايات المتحدة الأميركية استيراد هذا البلد للمعدات العسكرية تحت مراقبتها». وتجاوز العراق بهذه الأرقام كل من الصين والهند اللتين كانتا تتصدران ترتيب دول العالم المستوردة للأسلحة في الأعوام السابقة لعام 2008 بدءا من العام 2003.
هذا الرقم وهذه النسبة، يعنيان أول ما يعنيان أن حصة السلاح من موازنة الدولة العراقية، لابد وأن تكون كبيرة كي تجعل العراق يحتل هذه المرتبة، كما لابد لها وأن تكون مرهقة لدولة لا تزال تعيش أوضاعا قريبة، إلى حد بعيد، من الحرب المستمرة، الأمر الذي جعلها تفتقر إلى أدنى أشكال البنية التحتية لتأدية أبسط أشكال الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن العراقي. وإن كنا سنتحاشى الدخول في مناقشة تعالج نوع وصلاحية تلك الأسلحة، أو مدى حاجة العراق الحقيقية لها، أو حتى مدى ملاءمتها لمتطلبات العراق العسكرية في المرحلة الراهنة، ليس لعدم أهمية مثل تلك الأمور، ولكن نظرا لأن هناك قائمة طويلة من الأولويات العراقية الراهنة والملحة التي، ربما لا ترجع مناقشة بند الإنفاق من تلك الزوايا إلى المكانة الأخيرة في الأولويات العراقية، لكنها، بالقدر ذاته، لا تضعه في المقدمة.
لعل ذلك المدخل هو الذي يضع واقع الاقتصاد الراهن في طليعة الاهتمامات التي ينبغي للدولة العراقية التصدي لها. فعلى المستوى الاقتصادي يؤكد مستشار الهيئة الوطنية للاستثمار (في العراق) عبدالله البندر «حاجة الاقتصاد العراقي إلى أكثر من مئة وسبعة وثمانين مليار دولار للسنوات الثلاث المقبلة مقترحا زيادة إنتاج النفط كأحد الحلول المطروحة». في الاتجاه ذاته، وفي البرنامج التلفزيوني «أسواق العراق»، الذي يقدمه حمدان الجرجاوي، وفي الحلقة التي بثت في 14 فبراير/ شباط 2009، والتي شارك فيها الخبير الاقتصادي العراقي نائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي، أوردت آمنة الذهبي، مجموعة إحصاءات غنية بالأرقام التي تكشف عمق أزمة الاقتصاد العراقي. فكما تقول الذهب، هناك «أكثر من 38 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعيش 17 في المئة عند حد الفقر بدرجة الكفاف للحاجات الضرورية فقط»، الأسوأ من ذلك هو أن تبدي ثاني شخصية مسئولة في الدولة عادل عبدالمهدي أسفها الشديد لاختفاء «أية خطط إصلاحية في الجانب الاقتصادي». ويعترف عبدالمهدي، بأن الإصلاح «ليس بالأمر البسيط، نحن لا نحتاج إلى مليار أو ملياري دولار نحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لإصلاح الاقتصادي العراقي، فما بالنا إذا كان ما تستطيع الموازنة توفيره في أحسن حالاته هو عشرات المليارات من الدولارات، فهناك فجوة ستتسع في كل يوم إذا لم نبادر اليوم قبل الغد».
الأسوأ من الجانب الاقتصادي، هناك الجانب الاجتماعي، إذ يقول تقرير صادر عن وكالة أوكسفام للغوث، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ونشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية «إن نساء العراق يعانين من الفقر وانعدام الأمن، ومن الإحباط جراء المصائب اليومية التي يواجهنها بعد سنوات من الصراع إثر الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، ومن آلام مكبوتة وحصار في ظل دوامة من الفقر واليأس وانعدام الأمن الشخصي على رغم الانخفاض العام في مستويات العنف في البلاد».
تقرير آخر نشره الموقع ذاته، يتحدث عن الحالة الاجتماعية المتردية في العراق، وعلى وجه الخصوص أوضاع النساء الأرامل، الذين قدرت أعدادهن، حتى قبل الغزو الأميركي لبغداد العام 2003، بمئات الآلاف، وهناك اليوم، وفي ذروة أعمال العنف التي يمر بها العراق «نحو 100 امرأة تترمل يوميا، تراهنّ في إشارات المرور يتسولنّ وقد اتشحن السواد من رؤوسهن إلى أقدامهن». ورغم ادعاء الحكومة أنها «خصصت معاشا للأرملة يساوي دولارا واحدا في اليوم الواحد»، لكن مسحا أجرته منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية أظهر «أن ربع النساء المستحقات لهذا المعاش، فقط، يحصلن عليه»، الأمر الذي جعل، كما يقول التقرير، «40 في المئة من العاملات في الدعارة بالعراق من الأرامل».
يترافق كل ذلك مع تردي الأوضاع الأمنية، فوفقا لبيانات رسمية مصدرها تقارير وزارات الداخلية والدفاع والصحة العراقية، بلغ عدد الجرحى خلال شهر فبراير 2009 ، نحو 435 مدنيا ما يعد الأسوأ من حيث عدد الضحايا منذ دخول القوات الأميركية العراق في العام 2003، صورة العراق اليوم، هي، موازنة مثقلة بالديون، واقتصاد متخبط وغير قادر على الوقوف على قدميه لتلبية المتطلبات الأولية للتنمية، وأوضاع اجتماعية متردية، وحالة أمنية غير مستقرة. وعلى رغم كل ذلك وبدلا من الالتفات نحو الإصلاح، تضطر الحكومة العراقية تحت ضغوط أميركية واضحة للعيان، إلى رفع موازنتها العسكرية كي تدفع حصتها في وقف تدهور الاقتصاد الأميركي الذي لم تعد إمكاناته الذاتية قادرة على انتشاله من الأزمة الممسكة بعنقه، والذي تقلص عدد الأوراق التي بين يديه، ولم يجد مناصا من إصدار فواتير باهضة الثمن تدفعها جهات خارجية، مثل العراق، لشراء أسلحة، أو غيرها من المصانع الأميركية، التي باتت في أمس الحاجة إلى أسواق تعينها على الاستمرار بدلا من إشهار الإفلاس.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2379 - الأربعاء 11 مارس 2009م الموافق 14 ربيع الاول 1430هـ