كثيرة هي المشكلات والشكاوى التي وصلتني والمتعلقة بوزارة التربية والتعليم وإدارات المدارس وتظلمات الكادر الجديد وشكاوى متفرقة من الطلبة وأولياء أمورهم وخصوصا مع بدء العام الدراسي الجديد... ولكن «قصة» اليوم غير كل القصص، وشكواها تحمل أسئلة عدة وتنبيهاً لتدارك بعض الأمور غير الحميدة وهي في مهدها قبل أن تتحول إلى كارثة لا ينفع معها البكاء على اللبن المسكوب!!
ولية أمر تلميذ مازال يحبو نحو سلم العلم في إحدى المدارس الابتدائية التابعة للمحافظة الشمالية اتصلت مستنكرة ما حدث لابنها وغيره من التلاميذ في المدرسة من حادث - لا يصدق أبدا - يحصل في مدرسة لها مديروها ومشرفوها الذين من المفترض بهم صون الأمانة والحفاظ عليها في أعينهم... تقول: تصوري حالي عندما علمت بأن ابني قرصه نحل، وأين؟ في المدرسة وأنا كنت آخر من يعلم!! وعلى رغم فظاعة الموقف فإنه لا يهمني بقدر ما أفزعتني وحيرتني طريقة تصرف المعنيين في المدرسة وكيفية تداركهم لهذا الموقف الذي لم يكن ابني وحده ضحيته وإنما مجموعة كبيرة من التلاميذ، كون الحادث لم تكن المتسببة به نحلة واحدة فقط، بل خلية نحل بكاملها انتهزت فرصة خروج التلاميذ في الفسحة حتى تحقق مآربها وتزود نفسها بطاقة من رحيق أبنائنا.
إزاء هذا الحادث؟ ماذا كان تصرف المدرسة؟ لا شيء سوى أنها بادرت مشكورة بالاتصال بأقرب مركز صحي للمدرسة لتخبر القائمين عليه بأنها ستقل إلى المركز مجموعة من الضحايا في الهجوم الشرس لخلية النحل وكان ذلك في تمام الساعة العاشرة صباحا... ولكون المركز الصحي يبعد عن المدرسة وفي أسوأ الأحوال بمسافة خمس دقائق... وهي مسافة طويلة جدا جدا تسببت في وصول التلاميذ إلى المركز بعد ساعتين من هذا الاتصال، أي في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا بحسب إفادة إحدى الممرضات في ذلك المركز!!
المركز الصحي لم يقصر في أداء واجبه فقام بمداواة جروح وتورمات وجوه وأجساد التلاميذ بالأدوية والمراهم اللازمة، وفوق ذلك غرست في هذه الأجساد الصغيرة إبرة، بحسب الممرضات أيضا، مخدرة ومسكنة للآلام ومدوخة للرؤوس!!
إلى الآن تبدو الحكاية - على رغم صعوبتها وأخذنا عليها مآخذ عدة - عادية قد تحصل في أحسن المدارس... ولكن ما يضفي على هذه الحكاية نكهة مرة تجعلها مميزة عن غيرها من الحكايات... أن كل حوادثها مرت من دون إعلام الأهالي وإخبارهم بما حل وجرى على أبنائهم!!
قلنا ملتمسين للإدارة وللمعنيين بها بعض العذر: ربما أنهم لم يريدوا إزعاج الأهالي وإفزاع الأمهات تحديدا من أمر هم أقدر على تداركه وعلاجه من دون أي تعقيد أو إرباك... قالت: أوهل تعلم الإدارة وهؤلاء المشرفون والمعنيون بطبيعة أجساد كل التلاميذ ومدى تقبلها لدواء من دون الآخر، وما يسببه دواء ما للطفل إن كان يعاني من حساسية شديدة مما يحويه من مواد؟! وكيف أستطيع تبرير موقفهم من تجاهل ما تم إخبارهم به في المركز الصحي من أن الإبرة مخدرة (وتفر رأس أجدعها رجل) فما بالك بأطفال في عمر الزهور؟! كيف السبيل إلى التماس العذر لهم وأنا ابني يأتي يوميا من المدرسة إلى البيت سيرا على الأقدام ولمسافة ليست بالهينة أبدا وخصوصا بالنسبة إلى طفل صغير مثله وفوق ذلك معطى إبرة مخدرة؟! من المسئول لا سمح الله لو جرى لابني أي شيء أو تعرض لأي مكروه وهو في طريق عودته إلى البيت وبهذه الحال؟!
لقد وصل ولدي إلى البيت متأخرا كثيرا عن موعد حضوره المعتاد، والله العالم بحالي ومدى ما سببه لي ذلك من فزع وخوف، وعندما حضر فاجأني بما حدث فذهلت وصدمت... أيحصل كل ذلك لابني وأنا آخر من يعلم؟!... هول المفاجأة والصدمة دفعني إلى الجري نحو المدرسة مستفسرة ومعاتبة... ولكن من لي ومن يقدم لي تفسيرا لما جرى أو يخبرني بما علي فعله وكيف أن أتصرف مع ابني في حال عاوده الألم مجددا أو كيف أداوي لسعاته الحالية، إذ لم يأتني بتقرير طبي ولا أي دواء؟!... ذهبت إلى المدرسة ولم أجد أحدا لا المدير ولا المشرف الاجتماعي، وجل من استطعت مقابلته مجموعة من المدرسين الذين هم في غفلة مثلي تماما عما حصل وجرى وكأنهم كانوا نائمين نوم أهل الكهف كنت أنا أول من رأوه بعد يقظتهم من سباتهم العميق لأخبرهم بالحكاية كلها وأتركهم يتمتمون بينهم وبين بعضهم وهم في ذهول ما بعده ذهول!!
انتهت الحكاية لتترك بعدها مجموعة من الأسئلة طرحها لسان حال هذه الأم، وأكيد غيرها من الأمهات وأولياء الأمور، كما هو لسان حالنا نحن... أسئلة نوجهها إلى المعنيين والقائمين على صرح وزارة التربية والتعليم أولاً، أين الرقابة على هكذا مدارس؟ أوليس من المفترض تهيئة المدارس وصيانتها وتنظيفها من كل «بلاويها» قبل أن تحل ضيوفا على رؤوس أبنائنا ونحن من ورائهم؟ من يحاسب هكذا إدارة وهكذا مشرفين لتقصيرهم وتهاونهم في هكذا أمر؟ أوليس أبناؤنا أمانة في أعناق القائمين على المدارس عموما وعلى وزارة التربية خصوصا ومن الواجب المحافظة عليهم وحمايتهم قدر الإمكان من أي خطر؟ أولياء أمور كثر اتصلوا مع بداية العام الدراسي يشكون إجبار القائمين على المدارس أبناءهم وبناتهم على تنظيف صفوفهم وحوش مدرستهم من كل ما علق بها من غبار وأتربة زادت من طينتها بلة إجازة الصيف الطويلة، وترتيب الطاولات والكراسي التي سلبت من غالبية صفوفها وبعثرت في أرجاء المدرسة الواسعة! وتساءلوا: هل نبعث أبناءنا إلى المدارس كي يتعلموا ونراهم بعدها في أعلى المراتب أم لكي يتحولوا في لحظات إلى عمال نظافة وحمالين وكل ذلك من دون أية مراعاة لما قد يسببه هذا الغبار من أمراض لأطفالنا الذين بعثناهم إلى المدرسة بكامل أناقتهم وصحتهم فعادوا إلينا وهم في آخر بهدلة والكحة لا تفارق صدورهم؟ أوحاسب هؤلاء للمصابين بأمراض الربو مثلا وما الذي ممكن أن ينوبهم من «بلاوي» جراء هذا الغبار؟!
أسئلة كثيرة طرحناها وغيرها مازال يدور في الخلد ولا يسعنا القول إلا: أفيقي يا تربية فالأمانة التي بين يديك في خطر فسارعي إلى صونها
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ