تاريخياً اعتمدت قوى الاستعمار الأوروبي في منطقة الخليج على المرتزقة في تحقيق الأمن الداخلي لمستعمراتها الخليجية، إذ قامت بجلب المئات من أبناء شبه القارة الهندية وأناطت بهم مهمات الأمن وحفظ النظام في المجتمعات المحلية. ولكن يبدو أن هذا المسلك التاريخي مازال قائماً منذ انتهاء الاستعمار القديم الذي انتهى في العام 1971 سواءً من قبل حكومات المنطقة، أو حتى من قوى الاستعمار الحديث كبريطانيا والولايات المتحدة اللتين أعادتا استعمار العراق من جديد مطلع الألفية الجديدة. فبعد انتهاء الاستعمار اعتمدت بلدان المنطقة على الموظفين الأجانب في حماية الأمن الداخلي، وهو ما كان جليّاً في البحرين بعد الاستقلال عندما أنيطت مهمات الاستخبارات بثلة من البريطانيين إلى أن جاء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وبدأ في إنهاء هذه الظاهرة ليقوم الأمن على أكتاف أبناء الوطن.
ظاهرة الارتزاق الأمني في الخليج لها الكثير من المظاهر والأشكال، وفي الوقت نفسه فإن أسبابها كثيرة، ولكن ما يهمّنا في هذا الصدد كيفية تقليل الاعتماد على هذا الارتزاق وزيادة الاعتماد على العناصر الوطنية في تحقيق الأمن الداخلي وهو ما يساهم في النهاية في صيانة الأمن الإقليمي لمنطقة الخليج.
وأعتقــد أن ما كتبتـه ديبرا أفانت في عدد صدر حديثاً للمجلة الأميركية المرموقة Foreign Policy يكشف حجم الارتزاق في منطقة الخليج، إذ كشفت في مقالها المعنون «المرتزقة» أن الولايات المتحدة أصبحت تعتمد بشكل كبير على الارتزاق العسكري، وهو ما يسمى بتعاقدات مع شركات الأمن الخاص، إذ أشارت الباحثة - وهي أستاذة مشاركة للعلوم السياسية والشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن ومؤلفة كتاب سيصدر قريباً عـن الأمن الخاص والتغيير السياسي - إلى أن نسبة اعتماد قوى الاستعمار الحديث وتحديداً الولايات المتحدة قد زاد. فبعد أن كانت نسبة الارتزاق في حرب تحرير الكويت العام 1991 مرتزق واحد مقابل 50 جندياً عاملاً أصبحت في حرب احتلال العراق حوالي عشرة مرتزقة مقابل 50 جندياً عاملاً.
وعلى رغم تناولها أسباب اعتماد الولايات المتحدة على الارتزاق العسكري في منطقة الخليج، فإنها بيّنت المخاطر الأساسية لهذه الظاهرة، ويمكن تلخيص مخاطر الارتزاق حسبما ذكرته في مقالها بالآتي:
- عدم مسئولية المرتزقة أمام أية جهة أو حكومة.
- كلفة الأفراد المرتزقة أقل بكثير من الجنود النظاميين.
- اهتمام المرتزقة في أداء مهماتهم بجني الأرباح المادية أكثر من اهتمامهم بتحقيق السلام.
- عدم التزام المرتزقة بقوانين البلدان التي يعملون فيها، بل يعتمدون على قوانين بلدانهم الأصلية.
- المساهمة في إضعاف سلطة وقوة الدولة.
مثل هذه المخاطر أعتقد أنها كفيلة بحكومات وشعوب الخليج بدراسة تزايد هذه الظاهرة في العراق والمنطقة عموماً وتحديد تأثيراتها الأمنية الخطيرة على مستقبل الخريطة الإقليمية للخليج التي تواجه تهديدات التغيير الداخلي والخارجي
العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ