شنت مجلة «دير شبيغل» الألمانية الواسعة الانتشار حملة على المشاركة العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في فرانكفورت، ووصفت الحرية في الأدب العربي بأنها سراب. أعد المقال الصحافي رواين لايك الذي تطرق في انتقاداته إلى الشرخ القائم بين أدباء العرب في المهجر وخصوصاً في أوروبا والوطن الأم. مثل هذه الانتقادات كانت متوقعة مع عشية بدء برنامج حافل أعدته جامعة الدول العربية بالتعاون مع إدارة معرض الكتاب في فرانكفورت أولاً نتيجة الأوضاع المزرية في العالم العربي التي تنعكس من دون شك أيضا على سوق الكتاب العربي، وكذلك قلة الإصدارات المترجمة للغات أجنبية، ما يجعل من الصعب على غير العرب التعرف بصورة وافية على الأدب العربي.
فيما يأتي نص التقرير الذي نشرته «دير شبيغل» في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي:
يجرى الاحتفال بالأدب العربي في فرانكفورت فهل هذا سراب؟
مدينة طنجة التي لا تترك أبناءها مدى الحياة. ماميد اسم الدلع لمحمد، يعود من الغربة ليموت في موطنه بعد أن اشتد به مرض سرطان الرئة، مثقلا بمشاعر الخيبة والحيرة. دمر المرض الصداقة التي عمرها 30 سنة بين ماميد وعلي. كان ماميد يعمل طبيبا في بلد الصقيع بالسويد، لم يتحمل رؤية نفسه بالمرآة، كما كتم سر مرضه عن صديقه علي بعد أن كان يتقاسم الأسرار معه. وكي يكتم عليه هذا السر المؤلم تعمد إثارة خلاف مع علي وحصلت قطيعة.
طاهر بن جلون، مثل بطل روايته علي، ولد في فاس العام 1944 ونشأ في طنجة، يتناول في هذه الرواية التي صدرت بالألمانية عن دار برلين للنشر تحت عنوان «الصديق الأخير» صورة خالية من التجميل للمغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال، حين استخدم الملك الحسن الثاني القبضة الفولاذية لبسط حكمه وقام بزج معارضيه في سجون الاعتقال العسكرية. المؤلف الذي يقيم منذ أكثر من ثلاثين سنة في الغالب بمدينة باريس ويكتب بالفرنسية يعكس صورة المجتمع المغربي بكل متناقضاته، إذ اصطدام الرجعية والحداثة. مثيرة جدا تلك العلاقة التي تربطنا مع وطننا الأم. جميع المنفيين يكررون الكلام نفسه: الشعور بحنين شديد للمغرب، حتى لو واجهوا فيه معاناة.
هذه هي تحديداً الدعوة المتناقضة لواحد من أبرز الأدباء المغاربة: عبر بوابة باريس حصل طاهر بن جلون على فرصة الانضمام للأدب العربي المحظور الذي يتحدث عن الدين والجنس والسياسة، لكن الحنين إلى الوطن يدفعه إلى التعرض بصورة دائمة موضوعات تمس الوطن الأم.
وليس وليد مصادفة أن يكون أربعة من أبرز الكتاب العرب مقيمين بصورة دائمة في المنفى. إلى جانب المغربي طاهر بن جلون كان أيضاً الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد الذي توفي قبل عام، وكان يقيم في الولايات المتحدة، كما يقيم الكاتب اللبناني أمين معلوف في باريس، أما الروائي السوري رفيق شامي فقد اختار ألمانيا لتكون وطنه الجديد، وترتب عليه في العام 1971 أن يفر من سورية لينقذ رأسه، وقد ترك وراءه أمه وأسرته ورفاقه ومدينة دمشق التي هي بالنسبة إليه أجمل مدينة على سطح الأرض. ويقول إنه يفكر بها عندما يصحو من نومه كل يوم. ولقد تغير العالم في هذه الفترة، لكن الدكتاتورية في العالم العربي مازالت قائمة من دون تغيير.
في أعمال بن جلون وشامي تنعكس مشكلة الموضوع الرئيسي الذي اختير لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب هذا العام. كان اختيار العالم العربي ليكون ضيف شرف قرارا سليما وذكيا، لكنه كان أيضا مشوبا بالمخاطر. طرف الحوار بالنسبة للجانب الألماني، جامعة الدول العربية، وليست هناك حرية في واحد من 22 بلداً عضواً في هذه المنظمة، بداية بالجزائر وانتهاء بمصر والخليج. وتصدر انتقادات واسعة من خارج هذه البلدان فقط، أما الحديث عن الحرية في الداخل فهو سرابٌ وخداعٌ كبير.
في القاهرة وعمان كما في الكويت ودمشق، فإن الكتب والإصدارات تخضع أولا للرقابة قبل وصولها لأيدي القراء. وقد قام حراس الدين الذين ينتمون إلى جامعة الأزهر خلال معرض القاهرة للكتاب في العام 2002 بمصادرة عشرات الكتب. وتسعى لجنة تحمل اسم «مجلس البحوث الإسلامية» إلى سحب كل كتاب من السوق ترى أنه يهين الإسلام.
الشعراء و«جراية الخبز»
وسط الشروط التي تفرضها الأنظمة السياسية المستبدة وكذلك المتطرفون الدينيون لا يمكن وصف الحياة بحقيقتها وواقعيتها، لأن الكاتب سيدعو في عمله إلى مناهضة الحكم المستبد ويحرض عليه. يقول رفيق شامي: «كل كاتب يشعر في قرارة نفسه أنه مضطر للدفاع عن الأخلاق وكشف الحقائق، لذلك فإننا لا نستغرب لأنه لا تأتينا من العالم العربي فنون تهزّ العالم. وأنا لا أعرف واحداً من الذين يوصفون بأنهم كبار الشعراء العرب، يعيش في بلد عربي وأنه لم يدخل في نزاع مع حكم مستبد. جميع هؤلاء المؤلفين عرفوا ويعرفون أن ممارسات التعذيب تجري داخل سجون من يجري عليهم الخبز».
الغضب واضح في أعمال جلون وشامي وسبب معاناة العالم العربي النفوذ القبلي السائد داخل هذا المجتمع. هذا السلوك الذي يخنق الحياة ولا يؤدي إلى تحقيق تقدم سياسي ولا ثقافي. في مثل هذا المجتمع ليست هناك فرصة أمام الديمقراطية. لكن هناك حالات استثنائية، أولئك المؤلفون العرب الذين يقيمون في المنفى لأنهم أجبروا على الفرار خوفا من تعرضهم لقتل العقل والروح أو الشراء. الكاتب المصري نجيب محفوظ البالغ 92 عاما من العمر والحائز على جائزة نوبل للآداب، تطرق في أعماله إلى المضطهدين الذين يعيشون تحت غطاء الأخلاق والدين. وبسبب جرأته ورد اسم محفوظ على قائمة القتل لدى المتطرفين، فضربه أحدهم قبل عشر سنوات بسكين داخل منزله. ومنذ ذلك الوقت يعيش تحت حراسة الشرطة المصرية بصورة دائمة ونادراً ما يترك منزله.
في روايته المترجمة حديثاً للألمانية «رحلة ابن فطومة»، الصادرة عن دار أونيون للنشر، يرسل محفوظ البطل الشاب في روايته إلى عالم بعيد بحثا عن حلمه ببلد جميل. أنه لقاء مع نفسه، لكنه فضل أن تكون حوادث القصة في مكان بعيد حيث ما هو غير ممكن في بلده الأم، ممكن في مكان آخر.
أرقام عربية مخجلة
عند افتتاح معرض الكتاب سيجري بث رسالة مسجلة على الفيديو لنجيب محفوظ. العرض الذي سيجرى في فرانكفورت يغطي الصورة المزرية لسوق الكتاب العربي، فنادراً ما يزيد عدد الإصدارات الجديدة عن ثلاثة آلاف كتاب في العام الواحد. كلّ عام تجرى ترجمة 300 كتاب للغة العربية. في العالم العربي البالغ عدد سكانه 290 مليون نسمة يجرى إنتاج عدد من الكتب يساوي عدد الكتب التي تصدر سنوياً في ولاية هيسن اصغر ولايات ألمانيا. ويتم استخدام ورق رخيص في الغالب عوضا أن الطباعة تكون رديئة وكذلك التغليف. لكن الكتب الدينية تصدر على ورق لامع وفي كتب مجلدة بوسع الجميع شراءها لأنها مدعومة من قبل الأنظمة المحافظة في الخليج.
كثير من الكتب التي تبدو للوهلة الأولى أنها روايات أو كتب تتحدث عن التاريخ يتبين في النهاية أنها في الحقيقة كتب دعائية دينية. صدرت أعمال رفيق شامي في 23 لغة ولم يصدر أي منها بالعربية. ولم يحصل شامي على دعوة رسمية من جامعة الدول العربية، وقال إنه لم يكن ليقبلها لأن اسمه كما قال موجود على جميع القوائم السوداء، وهذا ما يمكن وصفه بأعلى جائزة للأدب العربي التي حصلت عليها.
وقال شامي أيضا إنه يتوقع أن يكشف معرض الكتاب في فرانكفورت عن نقطة ضعف لدى الأنظمة العربية لأنه ليس لدى هذه الأنظمة شيء تعرضه على رفوف الكتب. أما طاهر بن جلون فقال: «أراد البعض دعوة العالم العربي للحضور إلى فرانكفورت، وكل ما حصل أن الدعوة تسببت في زيادة الخلافات بين العرب أنفسهم»
العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ