العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ

محنة حقوق الإنسان في البحرين

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

نظم مركز البحرين لحقوق الإنسان مساء الجمعة 24 أكتوبر/ تشرين الأول ندوة في نادي العروبة عن «الفقر والحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البحرين». وقد شارك فيها كل من رئيس جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان والمدير العام لمركز حقوق الإنسان في البحرين عبدالهادي الخواجة والسيدكامل الهاشمي (كاتب ورجل دين) وكاتب هذه السطور.

وقد قدم الشيخ علي سلمان مداخلة شفوية عن «الإسلام وموقفه من الفقر والحقوق الاقتصادية»، وقدم السيدكامل الهاشمي ورقة مكتوبة عن «آثار العولمة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، وقدم عبدالنبي العكري ورقة مكتوبة عن «الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في التشريعات الدولية ومدى التزام مملكة البحرين بها»، وقدم عبدالهادي الخواجة ورقة مكتوبة عن «مكافحة الفقر في البحرين: مبادئ واستراتيجيات التحرك». كما عُرض فيلم وثائقي عن الفقر في البحرين، دور السيد الحداد عرض «باور بوينت» لتقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان عن الفقر والحقوق الاقتصادية في البحرين في سياق عرضه لورقته، وخرج عبدالهادي الخواجة عن السياق بتحديد وحصر المسئولية عن تردي الأوضاع المعيشية والفقر في البلاد. ثم سمح لاثنين من الحضور بالتداخل نظراً إلى ضيق الوقت.

تداعيات الندوة

فجأة تحوّلت جملة خارج سياق الندوة إلى كرة الثلج المتدحرجة، وأضحت البلد في حالة طوارئ، جرى اعتقال الخواجة وأمرت النيابة بحبسه لمدة 45 يوماً على ذمة التحقيق ووجهت إليه تهم ثقيلة بموجب المادتين من قانون العقوبات وهما 165 المتعلقة بـ «التحريض على كراهية نظام الحكم»، والمادة 168 المتعلقة بـ «بث دعايات مثيرة من شأنها اضطراب الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة».

كما جرى مساء الثلثاء «إعلان وزير العمل» حل مركز البحرين لحقوق الإنسان، بعد أن تشكلت لجنة من وزارتي الداخلية والعمل والمؤسسة العامة للشباب والرياضة. أما نادي العروبة، وهو أقدم مؤسسة أهلية في البحرين، ذو السجل الحافل والذي تأسس منذ 1939، فقد صدر أمر من المؤسسة العامة للشباب والرياضة بإغلاقه لمدة 45 يوماً، بل إن المؤسسة قامت بتغيير أقفاله وإغلاقه وقطع الكهرباء عنه وتجميد حساباته المالية، وهو ما لم يتعرض له النادي حتى في ظل حكم الإنجليز وفترات اضطراب أشد خطورة.

عبارة عبدالهادي الخواجة خارج السياق لم تكن موفقة، وليست مسئولية منظمات حقوق الإنسان أو نشطاء حقوق الإنسان حث المواطنين على تغيير حكوماتهم، بل إن واجبها هو تبصير المواطنين بحقوقهم وتثقيفهم بثقافة حقوق الإنسان، وهو ما كان في صلب الأوراق والفيلم الذي عرض في الندوة.

كان بالإمكان تجاوز الحكومة لشطط عبدالهادي الخواجة في لحظة غضب أو انفعال، وخصوصاً بعد عرض الفيلم الذي أبكى الكثيرين. والحقيقة أن كلمة سمو ولي العهد في ورشة إصلاح سوق العمل في قصر القضيبية يوم الخميس الموافق 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، والمداخلات التي قيلت والفيلم الذي عُرض أيضاً فيها لا تقل في مراراتها وحقائقها الدامغة عما عُرض في ندوة نادي العروبة بعد يوم فقط.

كان بإمكان الحكومة تجاهل عبارات الخواجة غير الموفقة في مكانها، أو في أسوأ الأحوال كان بالإمكان استدعاؤه من قبل النيابة مباشرة وتوجيه الاتهام إليه وإطلاق سراحه، ثم تقديمه إلى محاكمة عادية، وخصوصاً أنه لا يمثل خطراً على الأمن العام وليس مجرماً محترفاً.

لكن الذي حدث - والكل يعرفه - هو التركيز فقط على الجملة المذكورة وتضخيمها وتصوير أن هذه الندوة وغيرها من الندوات وكأنها معاول لهدم الوحدة الوطنية والتهجم على الرموز الوطنية، وأضحى الوطن والوحدة الوطنية في خطر. هل الوحدة الوطنية بمثل هذه الهشاشة والضعف؟

ما حقيقة ما دار في الندوة؟

الواقع أن الغالبية العظمى من الصحافيين والمسئولين والوجهاء وغيرهم ممن تناولوا ما جاء في الندوة، واستندوا إلى ذلك في تحّركهم المعروف، لم يحضروا الندوة ولم يقرأوا الأوراق المقدّمة فيها. وفي الوقت الذي جرت فيه الإشادة بما جاء في ندوة قصر القضيبية، على رغم أن كثيراً أيضاً ممن أدلوا بدلوهم لم يحضروها ولم يقرأوا لا تقرير ماكينزي الذي استندت إليه ولا المداخلات التي قيلت فيه، فإن نصيب المركز ونادي العروبة والندوة كان التقريع بل والشتم ببذاءة.

ندوة قصر القضيبية نوعية، وقد تهيأت لها إمكانات الدولة سواء من خلال تقرير «ماكينزي» التعاقدي إلى مشاركة الاختصاصيين، لكن ألا يستحق المركز ونادي العروبة والمشاركون في ندوة الجمعية التقدير وهم الذين قدّموا جهدهم وخبرتهم تطوعاً خدمة لهذا الوطن؟ المقارنات التي ساقها بعض الصحافيين ما بين الندوتين ظالمة، فالبعض وصف ندوة القضيبية بالعلمية والسداد، ووصف ندوة العروبة بالتهييج والضحالة، وهم لم يقرأوا أوراقها. فإذا كانت مشكلة الفقر مشكلة قائمة لا تنكر والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن حقوق ثابتة، ألا يحق لمنظمات المجتمع المدني أن تتناولها وتجتهد؟ أليست هذه مسئولية مشتركة بين الدولة والمجتمع؟ أم أن المطلوب من المواطنين أن يصفّقوا لكل ما تقوله وتفعله الحكومة وهي التي وصف ولي العهد سياساتها بالتخبط؟

تقرير المركز والورقة التي قدّمناها استندت إلى دراسات وتقارير ووثائق حكومية وصادرة عن مراكز أبحاث داخل البحرين وخارجها وتقارير الأمم المتحدة وأخرى دولية، بينما ورقة السيدكامل الهاشمي استندت إلى مراجع لاختصاصيين في الاقتصاد وعلم الاجتماع، أما مداخلة الشيخ علي سلمان فهي رؤية فقهية، بينما رؤية الخواجة اجتهاد شخصي في التحرك. وطبعاً قد تكون هناك ثغرات وأخطاء في الوقائع والمنهج والاستنتاجات، ولكن ألا يصح ذلك على أية دراسات أو أبحاث؟

الندوة لم تكتف بذلك بل خرجت بتوصيات لمعالجة مشكلة الفقر وتأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهذه أيضاً قد تصيب وقد تخطئ.

من المتضرر مما جرى؟

المتضرر الأول مما جرى هي سمعة مملكة البحرين، والمتضرر هو المشروع الإصلاحي والمتضرر هي الوحدة الوطنية، بعد كل ما جرى من تصوير الوضع على حافة هاوية، ودفع الأمور إلى أقصاها، بحيث يوضع المواطن أمام خيارين: إما مع الحكم أو ضده، وهذا غير صحيح... فالمواطنون جميعهم شركاء في هذا الوطن، وشركاء للحكم في مناقشة ومعالجة مشكلات الوطن.

هل فات الأوان لعمل شيء؟ لا لم يفت. على الحكومة أن ترجع عن إجراءات زائدة عن اللزوم، وتدع أمر القضية للقضاء العادي... فهذه سمة حضارية، ودليل قوة النظام وليس ضعفه

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً