قال: في يوم من الأيام استيقظت باكرا ولكن بمزاج سيئ، وأظنني مررت في منامي بكوابيس القروض والإسكان ومصاريف العلاج ولوازم البيت والأولاد وبنزين السيارة التي كل يوم والآخر تطلع علي ببلوى وأية بلوى... صحوت بعدها مشتاقا لدش ماء بارد يزيل من رأسي ما مضى في ليلة ظلماء تفتقد البدر... وما كنت أدري بأني سأشوى بلهيب نار جهنم وأنا مازلت حيا أرزق لاهيا عنها بالدنيا وما فيها...
خرجت بسيارتي التي أبت السير إلا بعد إقفال المكيف والتنعم بهواء شمسي بحريني من الدرجة الأولى... ولا أخفيكم القول فحسن حظي رماني في عمل في المنطقة الدبلوماسية وأنا الساكن في آخر نقطة من مدينة حمد... والشوارع لا داعي لوصفها إذ يبدو أن السيارات أصبحت تصل الأرحام أكثر منا نحن البشر... ولقاؤها فيه من الحميمة العجيبة المفتقدة لدينا بفعل عوامل الدهر والظروف... وكل ما عليك معرفته أنك ستصل، لكن بعد كم ساعة؟ لا تستطيع التحديد! إذ إن ذلك يعتمد على «شطارتك وحظك» في الحصول على موقف لسيارتك، بل ركن ولو على الرصيف، والله يعمي عنك عيون رجال المرور الذين انهالوا عليك بالمخالفات حتى فاقت صفحات الكراسة التي بحوزتهم...
وصلت أخيرا إلى العمل، والمدير الذي سبقك بثوان وركن سيارته في موقفه المظلل الخاص يرمقك بعينين لاشك في أنك ستفهم رسالتهما من لمحة خافية «لماذا التأخير؟»... الدوام طويل وما أكثر المراجعين... هذا يشتم... وهذا يتذمر... وذلك لماذا أتى لا يعلم!... وآخر نسي جميع أوراقه ويتوسل منك المساعدة... المهم انتهى الدوام أخيرا... ويا ليته انتهى إذ ستبدأ دواماً آخر ورحلة أخرى لا تختلف «في حلاوتها» عن رحلة الذهاب!
قلت: أشعر بضيق واختناق وأريد أن أرفه عن نفسي قليلا... فمن حقي أخذ قسط من الراحة أكسر به الروتين اليومي الممل... احترت أين أذهب فاقترحت عليّ مجموعة من أصدقائي مرافقتهم إلى أحد المجمعات التجارية لتناول الغداء ومن ثم نعرج على السينما لمشاهدة أحد الأفلام الكوميدية التي لا شك في أنها ستنسينا عناء اليوم وتخرجنا من الحال المزرية التي نحن عليها!
وافقت على مضض، وبيني وبين نفسي أعرف جيدا أن هذه الجولة الترفيهية لن تضيف إليّ أي جديد... إذ حتى الترفيه أصبح عادة وروتينا قاتلاً... أين نذهب؟ في كل مرة يطلعُ عليّ أصحابي بالبرنامج نفسه وإن اختلفت المجمعات... وكل عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة... هذا بشكل شامل، أما ذا أردنا تحديدا حصر المجمعات التي بإمكاننا أن نقضي وقتا أطول فيها لما تحويه من برامج ترفيه فعددها اثنان فقط لا غير.
انتفضت نافخاً ريشي وقلت لأصحابي بحزم: لا، دعونا هذه المرة نكسر القاعدة ونذهب إلى أي مكان آخر، ولاشك في أن هذا ما نحتاج إليه... نحتاج إلى التغيير يا جماعة الخير...
ضحكوا بسخرية وكأني طرحت عليهم «نكتة فلتة» وقالوا: «هيا نوّرنا يا بوالعريف»... فكرت مليا وزادت حيرتي ماذا أقول؟ أنذهب إلى عذاري... ملتقى الأهل والأحباب منذ القدم؟... وأين هي عذاري الآن وكيف صارت وأصبحت... بقايا أطلال أخشى بمرور الوقت أن ننسى حتى اسمها... الكورنيش؟... يا ويلنا من الحر والرطوبة التي ستجعلنا نلعن اليوم الذي فكرنا فيه بالخروج من البيت... البحر؟ أين هو الآن؟ لم تبق منه إلا بقع متناثرة هنا وهناك هذا إن وجدت لك فيها موطئ قدم جراء ما شابه من إهمال وتقصير جعلته مرتعا للأوساخ والقاذورات وبقايا مخلفاتنا ومخلفات المصانع وناقلات النفط... حدائق ترفيهية قريبة من ديزني لاند؟ ليس لنا إلا أرجوحة معوجة في حديقة السلمانية وقطار أكل عليه الدهر وشرب وألعاب لا يخطر في بالك قبل دخولها وبعده إلا حمام دافئ يزيل ما علق بك مما رأيت ولم تره، هذا عدا عن الجو الذي لا مثيل له أيضا... إذاً، لابد من التفكير في أماكن مكيفة ومغلقة حتى وإن اختنقنا بداخلها بنفاث سجائر واكتظاظ سكاني... أين هي هذه الأماكن؟ كما قلنا هما مجمعان لا غير ولكن عليك توفير موازنة شهرية تحظى بالنصيب الأوفر من راتبك لتناول وجبة سريعة تفر بها عن طبيخ زوجتك الذي أصبح على السريع أيضا، وتذكرة سينما، ولا تنس أن ينال عيالك شرف ركوب ألعاب المجمع ولو لمرة واحدة في الشهر وهذه وحدها لها موازنة وخصوصاً إن لم تستطع توفيرها ما عليك إلا أن تحبس أولادك في «قمقم» لا يرون من خلاله ولا يسمعون... يعني لفت ودارت ورجعنا إلى المركب نفسه... هيا يا أصحاب ما لنا إلا المجمع. بس قولوا لي: الفقارى والمتدينين وين يروحون؟! لا تسألوني، اسألوا المعنيين.
مع القراء
سؤالنا عن رسامي الكاريكاتير الذي ولله الحمد رفع عنا العتب واللوم وأوضح الأمور... سؤالنا هذا نفسه نرسله إلى قراء اتحفونا لفترة بكتابتهم النيرة التي تحمل ما فيه خير للعباد والبلاد ولكني أراهم اختفوا منذ مدة ولا أعلم ما المانع؟ وعساه خيرا يا رب. سؤالي أحمله إلى حسين الشويخ ووفاء عاشور تحديدا وإلى قراء تعودت منهم الإرسال على فترات متباعدة ومنهم الأخ مهدي خليل وجل ما أتمناه منهم أن يكتسبوا شيئا من النشاط الزائد على ما تعودوا عليه سابقا فيفرحوا عقولنا بقراءة مقال لهم ولو في الأسبوع مرة... وإزاء ذلك لا يسعني إلا أن أوصل موفور الشكر إلى القارئ محمد خليل الحوري على تواصله الدائم معنا واعذرنا لو تأخرنا في نشر بعضها قليلا وذلك لرغبتنا في إتاحة الفرصة للجميع، والشكر موصول أيضا إلى الأخ عمار حسين الذي بدأ باستعادة نشاطه من جديد... وعسانا على الوصل دوم
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 760 - الإثنين 04 أكتوبر 2004م الموافق 19 شعبان 1425هـ