هل يمكن أن تحل مشكلة الفقر بهيئات وإدارات خاصة؟ إجراءات للتسهيل على الفقراء؟ الجواب الطبيعي هو نعم، لكن الجواب الأكثر منطقية هو: نعم وكلا.
الهيئات واللجان الخاصة مطلوبة لأنها تتعامل مع الطابع العاجل في معاناة الفقر، ففي كل الأحوال لا يمكن ترك الذين يطحنهم الفقر ينتظرون متى يفرغ المختصون من الاتفاق على الحلول ومن ثم يدخلون في آليات التنفيذ. البعد الإنساني في معاناة الفقر يضغط دوماً باتجاه هذا النوع من الحلول، لكن الحلول، أي نوع من الحلول، مثل الأدوية لها أعراض جانبية على الدوام. فإذا كان هذا النوع من الحلول بإمكانه تخفيف الوطأة لبعض الوقت فإنه لن يفعل طيلة الوقت لأن مشكلة الفقر ببساطة ليست مشكلة ثابتة لا تتحرك تبقى محصورة في فئة محددة من الناس فحسب، بل هي مشكلة متحركة لأنها مرتبطة بشكل عضوي ووثيق بالاقتصاد والسكان.
هناك نوعان من الحلول لمشكلة الفقر والسعي لتحسين مستويات المعيشة في بلادنا، الأول جربناه ولم يأت بنتيجة والثاني لم نجربه بعد بل بالأصح لم نعطه حقه من التفكير والنقاش والتحليل. النوع الأول من الحلول هو النوع الذي جربناه حتى اليوم: صناديق خيرية، جمعيات أهلية تعنى بمساعدة الفقراء، مشروعات الأسر المنتجة، إعانات حكومية من موازنة محدودة دوماً، والآن يجري التفكير في الزام الحكومة بتقديم علاوات مالية ملزمة بقانون بالدوافع نفسها، أي مساعدة الفقراء من موظفي الدولة. أخيراً سمعنا هذا الاقتراح: هيئة عامة لرعاية ذوي الدخل المحدود.
هذا النوع من الحلول يمكن ان يساعد لبعض الوقت، لكن أعراضه الجانبية أخطر ما تتصور النيات الحسنة. انه يعيد تذكيرنا بذلك النوع من التفكير الذي يركز على إطعام الناس السمك بدلاً من تعليمهم صيده. انه بشكل أو بآخر ليس سوى تدوير لأزمة الفقر، لأنه لا ينقل الفقراء إلى خانة غير المحتاجين بل يجعلهم أسرى هذه الحاجة، لا يمدهم بسبل تحسين الدخل بقدر ما يجعلهم يقتنعون بالمساعدة من الغير.
الاعفاءات من الرسوم تثير الجدل نفسه. فبقدر ما هي مطلوبة كحاجة ملحة للتخفيف من معاناة قائمة، فإنها لن تحل المشكلة لانها ستبقى أيضاً نوعاً من التدوير ونوعاً من سياسة إطفاء الحرائق. يزيد في هذا ان النوع الثاني من الحلول مازال غائباً ومازال الحديث فيه في بداياته. حل مشكلة الفقر وتحسين مستويات المعيشة يتطلب ما هو أكثر من سياسة المساعدات واللجان والهيئات الخاصة بمساعدة الفقراء وذوي الدخل المحدود. انه يتطلب قبل كل شيء معالجة أساس المشكلة. ايهما اجدى، أن نساعد الفقراء فحسب ام نساعدهم ونواجه السؤال: لماذا الفقر بالأساس؟ أين المشكلة؟ من دون هذه الاسئلة وما يتلوها من جهد تبدو المساعدات مثل نصف العبارة، فبقدر ماهي مطلوبة فانها لا تقدم الحل الأمثل.
الفقر مشكلة متلازمة مع مشكلات أخرى مثل البطالة، والحديث عن تحسين مستوى المعيشة ليس سوى تعبير آخر للادراك المسبق بأن هناك فقراً وهناك فقراء. وأيا كانت الاجتهادات التي يمكن ان تطرح في هذا الصدد، فان الجميع لن يجد مناصاً من الوصول الى جواب أساسي هو ان تحسين مستويات المعيشة ومكافحة البطالة والفقر لا يمكن ان تتأتى الا مع اقتصاد متنام يخلق آلاف الوظائف وفرص العمل، والأهم يملك إمكانات التوسع.
النوع الأول من الحلول سيظل مطلوباً لأن الحاجة ستظل مطلوبة لدى فئات عريضة من الناس، لكنه وحده لن ينهض بشيء ولن يحل مشكلة الفقر بعيداً عن النوع الثاني من الحلول، أي أن نملك اقتصاداً متعافياً ومتنامياً. ومن الواضح انه لكي نملك هذا الاقتصاد المتعافي والمتنامي، فإن أمامنا مهمة أخرى: كيف نصل الى هذا الاقتصاد. الآن ثمة مقاربة طرحت في هذا الصدد وما علينا سوى المضي قدماً في فتح أبواب النقاش الواسع بشأنها ومحاولة الخروج برؤية تكون فعلاً خلاصة لنقاش وطني عريض. فما جرى طيلة السنوات الماضية هو اننا فشلنا فعلاً في مواجهة مشكلة الفقر والبطالة، وهو فشل لا يترك مجالاً للتردد أو للتأتأة أو للأخذ والرد وطرح حلول جربت طيلة تلك السنوات وكانت النتيجة شاخصة أمامنا: الفقر يتزايد ويستفحل
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 760 - الإثنين 04 أكتوبر 2004م الموافق 19 شعبان 1425هـ