العدد 760 - الإثنين 04 أكتوبر 2004م الموافق 19 شعبان 1425هـ

ماذا لو فاز كيري؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا لو فاز جون كيري في الانتخابات الرئاسية؟ ماذا سيفعل وما هي البدائل المتوافرة لديه لإعادة تأسيس سياسة أميركية عقلانية؟

فوز كيري بحد ذاته سيتحول إلى حدث الموسم وهو يذكر العالم بذاك الذي حصل سابقاً لجورج بوش (الأب) الذي سقط من الأعلى في وقت كانت التوقعات ترجح فوزه. إلا أن احتمال سقوط بوش (الابن) سيكون له صداه الكبير دولياً، لأنه يعني أن الناخب الأميركي ليس موافقاً على تلك السياسات التقويضية التي لجأت إليها إدارة البيت الأبيض لتغطية استراتيجية صاغتها «كتلة شريرة» اصطلح على تسميتها «تيار المحافظين الجديد».

إلا أن الفوز الانتخابي لا يعني الانتهاء من المغامرات العسكرية والبدء في الانسحاب الفوري من أفغانستان والعراق. فمثل هذه القرارات الاستراتيجية ستصطدم بعقبات منها تلك المتعلقة بدور «البتناغون» وصلاتها العميقة بمصالح مؤسسات التصنيع الحربي وشركات النفط.

عمليات الانسحاب الفورية مستبعدة ولكنها واردة في إطار جدول زمني قد يمتد طويلاً. إلا أن العنصر الايجابي في المسألة هو احتمال توجه كيري نحو اتباع سياسة أكثر حكمة ودبلوماسية في التعاطي مع دول الجوار وتحديداً إيران وسورية والسعودية. فالمرشح الديمقراطي يغلّب ملف الحد من انتشار الأسلحة النووية (أو الدمار الشامل) على ملف الإرهاب، ويعتبر ان الخطر الفعلي يأتي من الأول لا الثاني، وبالتالي فهو يتجه نحو المزيد من التعاون مع الدول المعنية (أوروبا، روسيا، والصين) لايجاد مخارج سياسية لأزمة يتوقع لها أن تفجر المنطقة في حال أصرت «إسرائيل» على سلوكها المراوغ في التعاطي مع موضوع أمن الدول العربية.

ولاشك في أن الدبلوماسية تعتبر الخيار المفضل لكل الدول العربية والإسلامية والمعنية مباشرة بالخطر النووي الإسرائيلي، لأن استخدام القوة في هذا المجال قد يدفع المنطقة نحو الانزلاق باتجاه مخاطر حقيقية غير محسوبة.

كذلك يمكن وصف مختلف السياسات التي قد يلجأ إليها كيري في حال فوزه. فمواقفه هي الأفضل حتى تلك المتعلقة بمفاهيمه عن النفط و«إسرائيل». موقفه من النفط غير واضح فهو مثلاً دعا إلى تقليل اعتماد الاقتصاد الأميركي على نفط الخليج و«الشرق الأوسط» للتخفيف من الحروب والحد من المشكلات التي لا تنتهي مع دول تتميز بثقافة مختلفة وغير قادرة على التعايش مع النمط الأميركي.

حتى هذه المسألة (النفط وإسرائيل) وهي حساسة إلى درجة كبيرة لأنها تمس استراتيجية ثابتة في السياسات الأميركية يمكن تدويرها والحد من سلبياتها في حال فاز كيري في الانتخابات. صحيح أن كيري يزايد على بوش في موضوع النفط ويطالب بالتوجه إلى دول منتجة أخرى غير السعودية والعراق لتقليص الاعتماد على القوة العسكرية لتأمين الامدادات فإن أميركا لا تستطيع الاستغناء عن نفط «الشرق الأوسط» بمثل هذه السرعة والسهولة. فالمسألة طويلة وشاقة وتحتاج إلى أموال هائلة للاستثمار في امكنة أخرى لتأمين البديل.

هذا من ناحية النفط. أما من ناحية «إسرائيل» فإن إدارة بوش (الأب والابن) هي الأسوأ في التعاطي مع هذا الملف، لأنها اعتمدت سياسة إضعاف العرب وضرب قواهم العسكرية والاقتصادية والمالية بذريعة أن ذلك يخفف من مخاوف «إسرائيل» ويشجعها على التفاوض والسلم. فحصل العكس إذ أدت سياسة إضعاف العرب إلى تقوية «إسرائيل» وتشجيعها على المزيد من الرفض والاستقواء على الدول العربية وتهديدها.

كيري مهما بالغ في تأييده السياسي لـ «إسرائيل» لن ينجح موضوعياً (ميدانياً) في تأمين تلك الخدمات التي وضعتها عائلة بوش (الأب والابن) في تصرف مشروع عدواني - توسعي. فموضوعياً خدمت عائلة بوش «إسرائيل» ميدانياً أكثر من أية عائلة بريطانية أو أميركية بسبب تلك السياسة الحمقاء التي تعتمد نظرية إضعاف العرب لتسهيل عملية السلام. بينما الواقع هو أن إضعاف العرب يعطل احتمالات السلام وهذا ما حصل حتى الآن.

عموماً لن يختلف كيري عن بوش كثيراً في سياسته الخارجية باستثناء بعض التحسينات التي يمكنه ادخالها في إطار احترام توازن المصالح الدولية والإقليمية. وهذا يتطلب على الأقل ليس إلغاء النتائج التي توصلت إليها إدارة بوش بل وقف اندفاعها الايديولوجي المتهور الذي ورط المنطقة في مشكلات أمنية لم تكن موجودة قبل احتلال العراق.

ماذا لو فاز كيري؟ سؤال يجب ألا نراهن عليه. وفي حال وقع الأمر فإن أميركا لن تتغير كثيراً ولكنها بالتأكيد ستتغير قليلاً. وهذا أمر جيد بالحسابات العامة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 760 - الإثنين 04 أكتوبر 2004م الموافق 19 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً