خلال الأيام الماضية ترددت في ذهني كلمة «مركز» عشرات، وربما مئات المرات... سمعت عدداً منها، قرأت أخرى، وراجعت في نفسي هذه الكلمة كثيراً.
حضرت في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي ندوة عن تحديات الإعلام الخليجي نظمها «مركز الخليج للأبحاث» في دبي... وهو «مركز» يحتوي على قدرات ممتازة في البحوث واستعراض الموضوعات واصدار الكتب والدوريات وعقد المؤتمرات وله احترامه على رغم أنه مدعوم من الجهات الرسمية في دبي.
أثناء الحوارات تذكرت أن هناك «مركزا» آخر يقال كثيرا ان حكومتنا تدعمه من ألفه الى يائه، وهو «مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية» ولديه «شقة» في لندن... الفرق بين الاثنين هو الفرق بين السماء والأرض من كل جانب، بدءاً بنوعية المحتوى والطرح وانتهاء بالسمعة المحلية والدولية. بل ان أحدهم أشار في حديث عابر الى «إن كلفة مركز دبي أقل من كلفة مركز لندن الذي تموله الحكومة البحرينية».
وفي أثناء ذلك ورد اسم «مركز البحرين لحقوق الإنسان» وهو الذي تم اغلاقه «إدارياً» من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية بعد ما حدث في «ندوة الفقر» في 24 سبتمبر الماضي. مركز حقوق الإنسان، وعلى رغم بعض الأخطاء، إلا انه يقوم بجهود بحرينية، قد نتفق وقد نختلف مع بعضها، ويشرف عليه ناشطون متطوعون لا يكلفون موازنة الحكومة شيئاً. وقد قام المركز بعدة دراسات نوعية، ولو أنه احتفظ بهدوئه لاستطاع انجاز الكثير لأهل البحرين. ولست هنا لألوم المركز والقائمين عليه في أي شيء، فما حصل لهم أخيراً يعادل وربما يزيد على ما قاموا به من خطأ هنا أو هناك.
«مركز الخليج للأبحاث» يستطيع أن يعقد ندوة هادئة ورفيعة المستوى ويقدم المقترحات للمسئولين والمهتمين بالشأن الخليجي. «مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية» تصرف عليه حكومتنا - كما يقال ذلك كثيرا - ولا نعرف لماذا وما هي نتيجة هذا الصرف المجاني... ثم لماذا لا توجه الحكومة، ولو جزءاً يسيراً من ذلك الصرف، إلى مؤسسة بحرينية بدلاً من صرفه على مؤسسة غير بحرينية؟!
ولكي لا نظلم أنفسنا، فإن لدينا «مركز البحرين للدراسات والبحوث»، وقد قام أخيراً بعدد من الأنشطة الحسنة، ولكن أمامه الكثير ايضاً ليصل إلى ما وصلت اليه مراكز البحوث الاستراتيجية في أبوظبي ودبي والكويت. وبصفتنا بحرينيين عرف عنا الكثير تاريخياً، ونستطيع أن نقدم إلى الجهود الفكرية الخليجية طرحاً نوعياً.
ثم تعود بي أفكاري إلى «مركز البحرين لحقوق الإنسان»... ماذا لو تركته الحكومة وشأنه؟ حدثت خطب بعد ندوات، ولكن ما هي خطورة هذه الخطب؟ إذا كانت لا تخرج عن الإطار السلمي ولا تنتج عنها أعمال عنف، فإن السكوت عنها أفضل من مواجهتها، تماماً كما هو حال المواقع الالكترونية التي تقول أكثر مما تقوله خطبة هنا أو هناك.
ماذا يضيرنا لو كانت لدينا مثل هذه النشاطات التي تشبه «الهايد بارك»؟ فلو ذهب شخص ما إلى «ركن المتحدثين» في الهايد بارك في لندن فإنه سيخيل إليه بأن بريطانيا وأميركا وغيرهما من الدول ستزول بعد أيام معدودة لكثرة ما يطلق من كلام، كثير منه غير مفيد ... والشرطة البريطانية لا تتدخل إلا إذا نتج عن ذلك عنف أو كان سيؤدي إلى أعمال عنف.
مركز ومركز ومركز... بعضها يفيدنا أكثر مما يضرنا، وبعضها يضرنا أكثر مما يفيدنا، ولا أدري لماذا نختار دعم ما يضرنا أكثر والتخلي عن الذي يفيدنا أكثر... ؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 760 - الإثنين 04 أكتوبر 2004م الموافق 19 شعبان 1425هـ