يعتزم الجيش الأميركي بناء مرافق للحرب المدنية من أجل العمليات العسكرية ضد المقاومة في العراق، فيما ذكرت مؤسسة غلوبال سيكيوريتيز الأميركية أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعتزم فعلاً إقامة ما لا يقل عن 12 قاعدة عسكرية ثابتة في العراق، وهو ما كشف عنه أيضاً المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية جون كيري في مناظرته الأولى مع منافسه الرئيس جورج بوش الخميس الماضي. ومن بين هذه القواعد «معسكر النصر» في مطار بغداد، ومعسكر التمرد في كركوك.
وكانت تقارير ذكرت في مارس/ آذار الماضي أن المهندسين الأميركيين يقومون ببناء 14 قاعدة ثابتة في العراق. وقال مسئولون أميركيون إن مرافق الحرب المدنية ستستخدم لتدريب جنود مشاة البحرية الأميركية (المارينز) لشن عمليات عسكرية في العراق، وستشمل هذه المرافق على تدريبات على حرب المدن. وستستخدم تكنولوجيا باليستية (تتحرك بقوة الدفع الذاتي والجاذبية) في بناء عمليات عسكرية على أرض مدينة في مجمع للتدريب. ويلاحظ خبراء عسكريون أن اصطلاح «قواعد ثابتة» يعني أن الجيش الأميركي سيقيم مواقع عسكرية في العراق طويلة المدى، وهي ليست بالضرورة دائمة، ولكنها تشير إلى وجود عسكري أميركي في العراق إلى ما لا نهاية، سيكلف دافعي الضرائب الأميركيين الكثير لسنوات مقبلة.
ويقول الخبراء إن العدد الفعلي للقواعد العسكرية الأميركية في العراق يتوقف على عدد القوات الأميركية التي سترابط هناك لفترة طويلة. فإذا قررت أميركا تخفيض قواتها من 138 ألف جندي، كما هي الآن في العراق، إلى 50 ألف جندي على سبيل المثال، ووضعها في قواعد فإن الكلفة ستتراوح ما بين 5 إلى 7 مليارات دولار سنويا. ويقول مدير دراسات سياسات الأمن في جامعة جورج واشنطن، جوردون آدمز إن ذلك يعادل ما بين ضعف وثلاثة أضعاف ما تقدمه الولايات المتحدة من مساعدات سنوية للكيان الصهيوني، وإن توفير الأمن لهذا الكيان أحد الأسباب الرئيسية للغزو الأميركي للعراق. وإذا رابطت قوات أميركية أكثر في العراق لفترة طويلة المدى فإن الكلفة ستكون أكثر بكثير. فالمخططون العسكريون الأميركيون يقومون بإعداد خطط للإبقاء على المستوى الحالي للقوات في العراق حتى نهاية العام 2007 على الأقل، لكنه لم يتخذ أي قرار نهائي بهذا الشأن على المستوى السياسي، إذ لم تشر حكومة بوش حتى الآن علنا إلى أنها ستسعى إلى إقامة قواعد دائمة في العراق لتحل محل قواعدها في السعودية، وهو احتمال ذكره نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز قبيل غزو العراق الذي يعتبر هو نفسه أحد مخططيه الأساسيين. وسبق لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن ذكر في مؤتمر صحافي في ابريل/ نيسان 2003 أن أي اقتراح بأن الولايات المتحدة تقوم بالتخطيط لوجود دائم في العراق إنما هو «اقتراح غير دقيق وغير مناسب». ولدى القوات الأميركية الآن قواعد في الكويت وقطر. ومع بقاء 4 أسابيع فقط على الانتخابات الرئاسية الأميركية فإن من غير المحتمل أن يغير الرئيس بوش موقف حكومته إزاء قضية حساسة سياسياً مثل إقامة القواعد في العراق. ولاحظ مشاهدو مناظرة الخميس الماضي أن بوش لم يرد على انتقاد كيري الحاد بشأن القواعد. ومع ذلك فإن الخبراء العسكريين يفترضون أن الحكومة العراقية المؤقتة أو من يخلفها ستحتاج إلى البقاء إلى دعم القوات الأميركية، وهكذا إلى قواعد دائمة لسنوات وربما لعقود مقبلة.
ولدى أميركا حاليا 890 منشأة وقاعدة عسكرية في الخارج وهي تتراوح بين قواعد جوية كبيرة إلى منشآت صغيرة ومرافق رادارية. ويعتقد الخبراء أن القواعد في العراق ستمكن البنتاغون من إغلاق عدد قليل من هذه المنشآت. وتقوم البنتاغون حالياً بخفض عدد منشآتها في ألمانيا التي تزيد عن مئة. ويقول مدير غلوبال سيكيوريتز، جون بايك متسائلاً: «من يحتاج إلى ألمانيا إذا كان لدينا العراق؟» ويرى الخبراء أن بناء قواعد في العراق ينطوي على مخاطر، فاثنان من المهندسين الأميركيين اللذين أعدما في العراق الأسبوع الماضي، كانا يعملان في بناء قاعدة التاجي العسكرية إلى الشمال من بغداد، وهي واحدة من القواعد الثابتة في العراق. والخطر الكبير هو أن استطلاعات الرأي تظهر أن 80 في المئة من العراقيين على الأقل أياً كانت وجهة نظرهم بشأن المقاومة والديمقراطية والإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين، وغيرها من القضايا، يريدون مغادرة قوات الاحتلال الأميركي بلادهم إلى الأبد، وأن جعل القواعد قواعد دائمة سيثير معارضة أقوى للاحتلال الأميركي.
غير أن واشنطن ستعتمد في تبرير وجودها العسكري في قواعد ثابتة، على الحكومة العراقية التي ستقيمها في بغداد، والتي ستعتبر كما يقول بايك: «وجوداً عسكرياً أميركياً إلى أجل غير مسمى في العراق هو الضمان النهائي لوجود حكومة شبه تعددية». ويقول توماس دونيللي، من منظري الحرب على العراق في معهد أميركان انتربرايز اليميني، إن انسحاب قوات الاحتلال الأميركي سينظر إليه من جانب رجال المقاومة العراقية كانتصار لهم، ما يدفعهم إلى مضاعفة جهودهم لقتل المزيد من الأميركيين.
ويجادل دونيللي بـأن أميركا تستطيع الاحتفاظ بقواعد عسكرية في العراق بدعوى أن الإنفاق العسكري الأميركي يقل الآن إلى أكثر بقليل من 4 في المئة من مجمل الإنتاج المحلي، وقد يرتفع هذا الإنفاق كنتيجة للقواعد العسكرية في العراق إلى 5 في المئة من مجمل الإنتاج المحلي، ومع ذلك فإنه سيبقى أقل من الـ 6,5 في المئة من مجمل الإنتاج المحلي التي كانت تنفق أثناء الحرب الباردة أو الـ 10 في المئة أثناء حرب فيتنام. غير أن رئيسة مؤسسة كارنيغي للسلام في واشنطن جيسيكا ماثيوس تقول: إن القواعد الدائمة في العراق هي «فكرة سيئة بصورة كارثية»، إذ إنها تعزز ما يعتقده العراقيون والعرب من أن الولايات المتحدة شنت الحرب لتضع يدها على النفط العراقي وتسيطر على المنطقة وأنها تريد الاحتفاظ بحكومة صورية وألعوبة بيدها في بغداد.، فيما يقدر آدامز كلفة الحرب على العراق بنحو 140 مليار دولار وان إعادة الإعمار الأميركي للعراق سيرفع إجمالي النفقات إلى 175 ملياراً، فيما ستبقي القواعد الدائمة حنفية الإنفاق مستمرة لسنوات مقبلة
العدد 760 - الإثنين 04 أكتوبر 2004م الموافق 19 شعبان 1425هـ