كثيرة هي التجمعات التي تضم في هيكلتها مجموعة أناس تجمعهم سمات واهتمامات وربما حاجات مشتركة... ليس بالضرورة أن تكون هذه التجمعات هيئة رسمية أو غير رسمية أو جمعية وما شابه، فقد تضم أناسا عاديين مثلنا تسمو بينهم صداقة نحسبها - بحسب الظاهر أمامنا - من نوع فريد قل وجوده في هذا الزمن، وقد لا تشكل مجموعة فيكفي أن تكون صداقة بين واحد وآخر تجدهما لا يفترقان جسديا في أي مكان ولا حتى ذوقيا فاختياراتهما في الغالب واحدة، وقد تكون بين زوج وزوجته وغيرها من العلاقات التي لا تصفق بيد واحدة...
وعلى رغم ما يبدو في الظاهر من روح التفاهم والانسجام بين الاثنين أو المجموعة ككل، ففي لحظات معينة لا تسمع إلا شجاراً، بل معركة قد دبت وكأن أطرافها اختاروا الانقسام إلى فريقين كل واحد منهما لا يحمل إلا الحقد والضغينة للآخر وليس همه إلا الانتصار في المعركة وترجيح كفته هو وسقوط الآخر... معركة أعداء وليس أصدقاء أو أحبة!
تتبادر إلى أذهاننا أسئلة نجدها تلح في الطرح كلما سمعنا حكاية أو شهدنا معركة من هذا النوع ومنها: ما الذي يشتت القلوب إلى فرق وملل بعد أن كانت تصب في قالب واحد وروح واحدة؟ ما الذي يحول الشخص الرحيم الرؤوف بصاحبه إلى وحش كاسر لا يمانع أبدا من الانقضاض على فريسته والتهامها بأبشع صورة؟ ما الذي يجعلنا فجأة ننسلخ من آدميتنا ونتحول إلى مجرد زاعقين وصارخين وشاتمين وضاربين و... و...؟
أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة إلا واحدة وهي أننا نفتقد إلى لغة الحوار... تقبل الرأي والرأي الآخر... دائما نحن على صواب وغيرنا لا... مخالفتي لرأيك تحولني إلى عدوك اللدود الذي يجب أن تسكت فمه بأية طريقة... اختلافنا في وجهات النظر ولو على أمور بسيطة يجعلنا كما في برنامج «الاتجاه المعاكس» فلا أنت رضيت بما أقول ولا أنا قبلت بما تذكره وإن فندته بالأدلة والبراهين والحجج... وفي النهاية نخرج كلاً من باب وكلاً منا لاعنا وشاتما للآخر...
جل ما أخشاه أن يكون زعيقنا وسيلة لإثبات ذواتنا ووضع حجر الأساس لشخصياتنا القوية في هذا الزمن الذي لا يعترف إلا بالقوي، وخصوصا قوي اللسان!... وسيلة نتوارثها جيلا بعد جيل إلى أن نقبر لغة الحوار والشورى التي حثنا عليها ديننا ونحن فسرناها بحسب أهوائنا وأمزجتنا ووأدناها بألسنتنا السليطة وعقولنا المتحجرة...
من منا يتقبل النقد لفكرة من أفكاره الجهنمية أو مبدأ من مبادئه التي لا يحيد عنها أبدا؟ من منا يستطيع أن يمنح صاحبه فرصة التعبير عما في جوفه من دون أن يحشره بين صراخ ولعن وهو مازال يتمتم بحروفه الأولى؟ من منا يستطيع كبح جماح غضبه وثورة أعصابه فلا يهجم على صاحبه غارسا أنامله الكاسرة في عنقه لمجرد أنه عارضه في جزء من فكرته وليس كلها؟! ومن منا بادر على الاعتذار إلى صاحبه بعد هدوء العاصفة وعرف أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية فقبل اعتذاره وعادا سمنا على عسل؟
أرى أننا في فقد مستمر لصداقات حميمة وجميلة، وزيجات ليس بين قلبي طرفيها إلا الود والحب، وجماعات لها من المبادئ والقيم ما يعين في حل مشكلات كبرى في المجتمع ولكن خلاف أصحابها نفر الكل من حولها فما عادت تجدي الزرع في الأراضي البور ففاقد الشيء لا يعطيه!
الدنيا كلها في حال استنفار... افتقدنا الهدوء والسكينة... افتقدنا الرحمة والدعة... افتقدنا الصداقة الحقيقية التي لا يهزها أي خلاف عابرا كان أو غير عابر... فهلا عدنا إلى رشدنا ووعينا أن الدنيا كلها أيام وستنقضي فـ «حسافة» نعيشها في فرقة وغضب.
مع القراء
على الجانب الآخر من كتابة مقال اليوم وصلني اتصال أثلج الصدر حقا من الأخ حسن قمبر نيابة عن حسن الآخر (الساري) وعبدالأمير الحايكي الذين كنت قد أشرت إلى أسمائهم تحديدا في مقال الأمس واستفسرت عن سر هذا الانقطاع المفاجئ... نعم، كانت بيننا أمور يشوبها شيء من الضباب، جعلتهم «يأخذون على خاطرهم شوي» ومنها تأخر نشر مساهماتهم وتغيير بعضها أو استبعادها عن النشر... ولكنا على عكس كل الجماعات التي تجمع أصحابها في الظاهر وتفرقوا في الجوهر... استوضحنا الأمور وتقبل بعضنا عتب الآخر وعجزه أمام موجة التيارات المعادية ورجعنا - إن شاء الله دوم - سمنا على عسل... فهل نكون قدوة للمتناحرين؟ واستعدوا للجديد من «الكاريكاتير» الذي ستحبونه أكيدا... وبسرعة يا حسنان وبسرعة يا حايكي فوعدكم شمل الجميع.
وفي الدفة الأخرى من كل ما يجري اتصلت مجموعة من أولياء الأمور لطالبات في إحدى مدارس المحرق التي ولظروف الصيانة نقلت طالباتها إلى مدارس أخرى واستمر الحال لمدة (سنتين!) حتى استأنفت نشاطها من جديد... ولكن يبدو أن المدرسة تاقت لطالباتها فاستدعتهن بشوق ولهفة ناسية أنها لم تكمل (بعد!) محاولة إعادة الحياة إلى مرافقها وخدماتها، فما كان من طالباتها وأولياء أمورهن إلا مبادلة شوقها بتذمر ونفور... والله يجازي اللي كان السبب في فرقة الأحبة
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ