العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ

إصلاحات سوق العمل... الضرورة والتحديات

عبدالنبي سلمان comments [at] alwasatnews.com

- يجب أن يكون المستقبل مختلفاً.

- يجب أن تكون للبحرينيين الأولوية.

- يجب أن يتم تنشيط الاقتصاد.

- يجب تطوير نظامنا التعليمي إلى أعلى مستويات الامتياز.

- من بين كل ثلاث فرص عمل تذهب اثنتان للعمالة الوافدة.

- إنها مسألة إنصاف وعدالة...

بهذه الكلمات التي حملت الكثير من الاصرار والكثير من العزم على بلوغ الأهداف، توجه ولي العهد صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة إلى حضور ورشة إصلاحات سوق العمل الخميس الماضي والتي استمرت حتى السادسة مساءً، وتخللتها مشاركات جادة ومسئولة من قبل الحضور المتميز والنوعي، مع عرض لفيلم يتحدث عن معاناة الشباب البحريني الباحث عن عمل، وعرض جريء لتداعيات الفقر والعوز في مختلف مدن وقرى البحرين، والتي ترافقت مع رؤية الخبراء المحليين والدوليين وآرائهم الموثقة في الفيلم عن ضرورات الاصلاح الاقتصادي وتجارب الآخرين في هذا المجال وحجم التحديات القادمة.

ونجد أنه من المهم ان نؤكد أهمية ورشة إصلاحات سوق العمل هذه باعتبارها خطوة أولى ونوعية على طريق يزخر بالكثير من التحديات لمستقبل تطور بلادنا البحرين. وإذ إن هذا الحوار الوطني الموسع، الذي شاركت فيه فعاليات وطنية من مختلف مؤسسات المجتمع المدني ونخب سياسية واقتصادية وقيادات حكومية ونيابية وعمالية، قد أكد بشكل واضح جدية معهودة واخلاصاً يتصدى لها بعزم واصرار سمو ولي العهد الأمين، الذي أكد أهمية ان يكون الجميع شركاء في وضع رؤية اقتصادية جديدة، منعا لتكرار سلبيات الماضي التي عودتنا عليها الأنظمة العربية في مصادرة القرارات الوطنية والغاء الرأي الآخر في صوغ قراراتها الوطنية، فقد جاءت ورشة العمل هذه لتشكل في حد ذاتها نهجا جديدا في أسلوب إدارة الدولة الحديثة، نهجاً يطمح إلى تجاوز عقبات الماضي ومساوئه ويتفهم بوضوح إشكالات الحاضر وتحديات المستقبل القادمة، ويعرض بصدق واقع الناس وعذاباتهم واحباطاتهم وطموحاتهم التي كثيرا ما تتحطم على صخرة الواقع الذي كثيرا ما شوهته السياسات الخاطئة والخطط الغائبة والبيروقراطيات المعوقة والفكر المترهل في كيفية إدارة الصراعات الاجتماعية ومعالجة القضايا الوطنية الملحة التي ترتبط وثيقا بمسائل الخبز والكرامة والمستقبل وحب الأرض ومعنى الانتماء الحقيقي، بعيدا عن المصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة التي كرست بدورها نهجا عقيما استطاع ان يشل - مع الأسف - من قدرتنا كشعب على المضي في مسيرة التنمية بنجاح طيلة العقود الماضية، اذ تجاوزنا الزمنُ وتجاوزنا الآخرون.

بهذه الروح وهذه العقلية المنفتحة تم التعامل يوم الخميس الماضي مع أهم قضية وطنية ألا وهي قضية الاصلاح الاقتصادي والتنمية، ولا أقول اشكالات سوق العمل فحسب، وبحضور خبرات محلية وأجنبية استفاضت في سبر أغوار الدراسة المعروضة، اذ ساد العقل ولغة الارقام والحقائق الموثقة بالصوت والصورة عندما دخلت الكاميرا الى مستنقعات بشرية مأهولة بالفقر والعذاب والحرمان، وعندما دخل خبراء «ماكينزي» أكواخ الصفيح وشوارع النسيان وعندما غاصوا من دون اسقاطات مسبقة في معاناة شبابنا وقسوة الحياة من حولهم، اذ تركوا نهباً للفاقة والاستلاب ومحاصرة جائرة من العمالة الوافدة الرخيصة التي همشتهم وهشمت قدراتهم سنوات طوالاً خدمة لثروات شخصية كان نصيب الوطن منها قدرا كبيرا من دم ودموع وضياع.

لقد حذّرت دراسة «ماكينزي» من العواقب المنتظرة للتراجع المخيف والقادم للاقتصاد الوطني عندما قدمت الارقام والحقائق موثقة للحاضرين وللرأي العام، اذ قالت بوضوح لا يحتمل الشك ان سوق العمل البحريني يحتاج الى 8000 فرصة عمل سنوية لسد حاجة أبنائنا من الخريجين والخريجات، وما توافر منها للبحرينيين هو 800 فرصة فقط على مدى السنوات العشر المنتهية، وانه خلال السنوات العشر المقبلة تنتظرنا بطالة في صفوف البحرينيين تقدر بـ 100 ألف عاطل عن العمل، وان مستوى الأجور التي يتسلمها البحرينيون قد انخفض بنسبة 19 في المئة خلال العقد الأخير وان تحويلات الأجانب المالية السنوية إلى الخارج تلتهم معظم دخلنا الوطني من النفط، اذ تزيد تلك التحويلات على 1,3 بليون (مليار) دولار سنويا، وان هناك كلفة اقتصادية كبرى تدفعها الدولة إلى العمالة الوافدة من مشروعات بنية تحتية وطرق وأمن ومدارس وكهرباء وماء وغير ذلك، وان واحدا من بين كل ثمانية بحرينيين عاطل عن العمل، وان معدل الفقر والأجور يشهد انحدارا سريعا نحو الأسفل وان معدل الدخل المعيشي في البحرين يصل الى 224 دينارا ويمكن اعتباره قريبا جدا من معدل خط الفقر لدينا، بينما متوسط أجور البحرينيين في القطاع الخاص يبلغ فقط 150 دينارا وفي القطاع العام 290 دينارا.

هكذا نلاحظ أننا أمام أرقام مرعبة وحقائق لا تقبل الدحض أو حتى مجرد السكوت عنها، وهي تفرض وبإلحاح صحوة وطنية كبرى وسريعة وعلى مختلف المستويات، وان تكون هذه المحاولة خطوة أولى على طريق حافل بالتحديات لابد ان نخطوه جميعاً متساءلين باخلاص: أي بحرين نريد للمستقبل؟ وهل باستطاعتنا ان نتجاوز مصالحنا الذاتية لننظر إلى مصالح الأمة والوطن؟ وهل سنقبل ان تعوقنا خصوصية وثقافة المجتمع عن السير نحو اهدافنا المشروعة في التقدم والإمساك بالمستقبل في ظل تحديات قادمة لسوق العمل ولاقتصادنا الوطني الذي تتضاءل امامه الخيارات وسط أوضاع تنافسية اقليمية وعالمية؟

وهل علينا ان نستكين لمخاوف البعض التي تعودنا عليها كثيراً فيما يذهبون اليه بسبب وبغير سبب من اننا بهذا سنفقد ميزتنا التنافسية وخصوصا عندما يعجز هؤلاء المتشككون عن تقديم البدائل والحلول، وهل علينا ان نتعايش مع الألم قبل ان يداهمنا المرض والعجز لا سمح الله؟ ولأننا مسئولون أدبيا عن مستقبل أجيالنا المقبلة فحري بنا ان نتخلى عن انانيتنا وسلبيتنا في التعامل مع المستقبل الذي نريده مضيئا ومشرقا لأجيالنا المقبلة.

لقد أوضحت المداولات والنقاشات على مدى الاسبوعين الماضيين قبيل التدشين الرسمي لاصلاحات سوق العمل عدة مخاوف لا أشك لحظة في أنها حقيقية بالنظر الى تبعات وترسبات الماضي بكل تشنجاته وارتداداته وعوامل غياب الثقة التي صاحبت توجهاته التي انعكست ارتجالا اقتصاديا وعشوائية وفوضى في صوغ القرار الاقتصادي للوطن وتغييب للمشاركة الشعبية في صوغ القرار الاقتصادي وفي المستقبل ايضا، وأعتقد جازما أن رجال الاعمال لدينا أسهموا بشكل كبير في ذلك الارتجال عندما غابت ارادتهم الموحدة في الاصرار على الإسهام في صناعة المستقبل والتخطيط له باعتبارهم قادة ومساهمين للقطاع الخاص بكل ما يعنيه من أهمية لمسيرة التنمية بكاملها، وأنا هنا أتفهم ردات فعلهم المتشككة تجاه كل ما هو جديد نظرا إلى غياب عوامل الثقة والضمانات احيانا أخرى، ولكن مع كل ذلك لابد لنا من مواجهة الحقائق بموضوعية ونقد ذاتي من دون ان نطمر رؤوسنا في الرمال، وان نعزز من قيمة وأهمية المشاركة الواعية في رسم السياسات الاقتصادية بكثير من التجرد توخياً لعواقب المستقبل المنتظرة في حال سكوتنا على الأخطاء والمساوئ.

من هنا فإن تدشين مشروعات الاصلاح الاقتصادي بورشة عمل تحمل برنامجا طموحا لاصلاح سوق العمل لدينا في البحرين يجب ان يترافق مع اصلاحات اقتصادية جذرية نحن على موعد معها قريبا، وكذلك مع اصلاحات في السياسات التعليمية لتسير الاتجاهات الثلاثة بتواز ورقابة ذاتية ورسمية في أساليب وآليات التطبيق والتنفيذ بغرض اصلاح الاخفاقات والمثالب كما وعد خبراء «ماكينزي» بذلك على مدى تطبيق تلك الاصلاحات وامكان إعادة رسمها بما يحقق النتائج المرجوة منها، اذ ان المسئولية هنا تكمن في كيفية استعادة ثقة المجتمع ورجال الاعمال والعاطلين وأصحاب القرار، ربما قبل ان نطمح إلى كسب ثقة المستثمرين الذين هم عماد ثقتنا في تحقيق نهضة اقتصادية واعدة نعلم مسبقا انها تحتاج إلى فعل وطني مخلص يتجاوز مثالية الطرح ليدخل في لغة الفعل ولنعمل بحافز قدّمه لنا خبير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي حاضر في الورشة عندما تحدث عن تجارب النهوض في دول أوروبا الشرقية، كوريا وسنغافورة التي احتكمت لارادتها واصرارها في تحقيق انجازاتها الاقتصادية والحضارية، اذ قال: «إنني لا أجد سبباً واحداً يمنع البحرين من تحقيق حلمها في نهضة اقتصادية وتنموية مثلها مثل بقية الدول الناهضة وخصوصاً انها تمتلك شعباً طموحاً ومتعلماً ومحباً للعمل ويحتاج فقط إلى أن يعطى الفرصة كاملة لتحقيق ذلك». انها مسألة تحدَّ وصراع واصرار على تحقيق النجاح وبلوغ الأهداف.

عضو مجلس النواب

العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً