يشهد العالم اليوم حملة على الإسلام بذريعة مكافحة «الإرهاب» ومطاردة شبكات تنظيم «القاعدة». هذه الحملة ليست جديدة ولكنها جددت لتبرير الهجوم السياسي - العسكري بهدف الاستيلاء على المواقع الجغرافية والثروات وتأمين خطوط امدادات النفط.
أهداف الحملة معروفة إلا ان الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، ينفي هذه المطامع ويؤكد يومياً أن نواياه سليمة وهو لا يريد للمنطقة سوى الخير والرفاهية والازدهار ومحاربة الفساد وتحقيق الإصلاح وتحديث أنماط الحكم.
أمام العالم الإسلامي أكثر من تفسير للهجوم الأميركي. فهناك من يجرد الهجوم من المصالح ويجعله مجرد عمل خيري أرادت واشنطن التبرع به لشعوب المنطقة. وهناك من يرفض تنزيه الهجوم من المصالح ويصر على وجود أهداف أخرى. فأين الحقيقة؟
الحقيقة يمكن التقاط شبكة خيوطها من المناظرة التي جرت بين المتنافسين على الرئاسة الأميركية. فالرئيس أشار إلى نقطتين لتبرير حروبه، الأولى لها صلة بالارهاب والثانية لها صلة بمنع انتقال أسلحة الدمار الشامل إلى شبكات إرهابية. فالحروب برأيه هي ضربات استباقية من أجل مستقبل آمن للولايات المتحدة، وتستهدف توسيع دائرة الاستثمار السياسي في العالم العربي الإسلامي.
جورج بوش لم يذكر الديمقراطية والتنمية والتحديث والإصلاح ومحاربة الفساد في مناظرته. كذلك خصمه ومنافسه المرشح الديمقراطي جون كيري. فهو أيضاً لم يتطرق إلى هذه النقاط المضحكة لأنه يعلم أن تلك المسائل مجرد ذر الرماد في العيون وهي آخر ما يفكر فيها أي رئيس لإدارة البيت الأبيض. فالرئيس انتخب لحماية مصالح أميركا والدفاع عن حدود مصالحها وهذه الحدود لا تخضع للجغرافيا ولا تحددها الأفكار والنماذج وإنما تخطط لها الشركات المتعددة الجنسية. فالحدود الجغرافية انتهت منذ فترة طويلة، كذلك ما يسمى بسيادات الدول (الدولة الوطنية) حين انتقلت الشركات الكبرى الاحتكارية من العمل في السوق القومية إلى الامتداد الجغرافي عالمياً.
بوش إذاً لم يذكر نشر الأفكار والمبادئ في دفاعه عن سياسته. فهذه المسائل متفق عليها داخلياً وخصوصاً حين يريد المترشح تسويق برنامجه أمام الناخب الأميركي.
المسألة إذاً لا صلة لها بالأعمال الخيرية وحقوق الإنسان والحريات بقدر ما لها علاقة بمصالح شركات كبرى الممتدة جغرافياً التي يطلق عليها «المتعددة الجنسية». وهي تشبه تلك القوات «المتعددة الجنسية» التي تحتل العراق اليوم بغطاء من مجلس الأمن وبوكالة حصرية وضعت في يد حكومة معينة.
انها مسألة مصالح والقوات «المتعددة الجنسية» وظيفتها حراسة مصالح الشركات «المتعددة الجنسية» التي تنتشر في معظم بقاع العالم وتحديداً في مناطق تكتنز الثروات الطبيعية (وخصوصاً الطاقة) أو النقدية. فالشركات العالمية لا تريد فقط السيطرة على المواد الأولية والخامات لحماية مصانعها وإنما أيضاً تريد وضع يدها على تلك الثروات النقدية لحماية مصارفها. فالمال مهم كالثروة ومن لا يملك النقد لا يستطيع الاستثمار وتوسيع قاعدة شركاته «المتعددة الجنسية».
مناظرات بوش - كيري ليست مهمة للرأي العام العالمي وإنما هي أصلاً موجهة للناخب الأميركي. والناخب لا يفكر كثيراً بالفقراء والجوعى في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ولكنه يتطلع إلى مزيد من الرفاهية حتى لو كانت على حساب الفقراء والجوعى. والناخب لا يكترث كثيراً للأساليب التي يتبعها كل رئيس لتحقيق تلك الغاية. فالغاية تبرر الوسيلة شرط ألا تكون مكلفة بشرياً ونقدياً.
نقطة الخلاف بين بوش وكيري على كلفة الحروب ونتائجها المأسوية على موقع أميركا «الامبراطوري» في عالم يمزقه العنف والبؤس. فالخلاف على جدوى الحروب الاقتصادية (الخامات والنقد) وليس على الأهداف المخادعة التي تروج لها بعض المنظمات المتأمركة في المنطقة العربية الإسلامية.
واشنطن تراهن على السذج في منطقتنا لتسويق مشروعها الامبراطوري لكن الناخب الأميركي الساذج في معلوماته عن العالم ليس ساذجاً إلى حد الانخداع بأن دولته تبغي من حروبها نشر الديمقراطية وليس جلب المزيد من الثروة والنقد إلى بلاده.
الحملة على الإسلام يجب وضعها في إطارها الصحيح حتى لو رفعت بعض الشعارات الدينية/ الثقافية. فالحملة تهدف إلى السيطرة على الثروات ونهب الرساميل وإعادة توظيفها في السوق الأميركية. فالحملة عملية استثمار طويلة الأجل بدأت في أفغانستان والعراق ولا يعرف أين ستنتهي. فالحدود ترسمها الشركات «المتعددة الجنسية» وتحرسها القوات «المتعددة الجنسية»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ