ربما لم تعد عملية الجودة في الصناعة - أي صناعة كانت - هي المحك الأساسي في قدرتها على اختراق الأسواق المكتظة بعشرات الآلاف من الأصناف، ولكن المحك اليوم يقوم على حُسن التسويق، أو ربما ما يمكن تسميته بـ «الشطارة»، هذه العملية تمكن المسوّق الشاطر أن يعبئ الهواء الذي نستنشقه ويعيد بيعه علينا على أنه «نسمات من بلادي».
فالترويج أصبح هدفا لكل تاجر لا يضع إلا الربح الوفير نصب عينيه، والسوق تؤكد أن هناك من التجار من يلجأ إلى حِيل يجمّل بها سلعته ليغش المستهلك من خلال طرق ملتوية، وأبواب خلفية، وتدخل ملامح هذه الحيل في الصبغات الملونة، والنكهات الصناعية، وغيرها من المواد المصنّعة التي تجمل السلعة، وتطرحها في الأسواق بمظهر جميل يسرق عين المستهلك.
مع تطور الحياة وازدهار الاقتصاد، تنوعت الأغذية في السوق، وانتشرت الأطعمة المحفوظة التي استدعت استخدام أصباغ ونكهات صناعية بهدف تحسين مواصفات هذه الأغذية لضمان جذب المستهلك. وكان ذلك على حساب نقاوة هذه الأطعمة من المواد غير المرغوب فيها، والتي يمكن أن تؤثر سلبيا على صحة المستهلك. على رغم ازدياد الوعي الصحي والبيئي للمستهلك في التأكد من مدى صلاحية هذه المواد للاستهلاك الآدمي فإن الاهتمام تركز في معرفة مواعيد إنتاج هذه المواد وانتهاء صلاحيتها من دون التركيز على معرفة مكونات هذه الأغذية.
حيل التجار
اختصاصية التغذية لمياء الشهابي، تتحدث عما يحدث في السوق البحرينية ويضر بالمستهلك، تقول: «هناك الكثير من الحيل يتبعها بعض التجار في السوق للترويج لمنتجاتهم، وجذب المستهلك إليهم، فعلى سبيل المثال، اللحم الذي يباع في البرادات، حتى يكتسب لوناً أحمر برّاقاً، لابد أن توضع عليه مادة حافظة لتكسبه هذا اللون، فهل اللون البراق الذي نراه هو اللون الطبيعي للحم؟ وهذه المواد حتى لو تم التصريح بها، فهي تشكل خطرا على صحة الإنسان، وكلما زادت هذه الصبغات الملونة في السلع الغذائية، كلما شكلت هذه المواد خطورة على الصحة».
وتأكيداً لما تقوله الشهابي، فهناك أبحاث أثبتت ان هناك مركبات يطلق عليها E052، E52، وهي نيترات ونايترات الصوديوم، وتستخدم فقط لحفظ اللحوم من التسمم المكيروبي ولإبقاء اللون الأحمر في اللحم، أما أضرارها فإنها تقتل البكتيريا النافعة في الأمعاء، وتسبب السرطان عندما تختلط مع البروتينات وتكون نيتر اوزامين تلوث الخضار والفاكهة عندما تختلط بها مع ماء الري، كما أن لون الشيكولاتة البني يعد من الأصباغ المستخرجة من الفحم ويستخدم كبديل للشيكولاتة الطبيعية، ومن أضراره الإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى المواد الشديدة الحلاوة ولكنها لا تعطي الجسم سعرات حرارية ولا تحتاج للأنسولين لهضمها، لذلك فهي تستخدم في حالات البدانة والسكر، ومنها السكرين الذي قد يسبب سرطان المثانة، والأسبرين الذي يستخدم كبديل للسكر ويؤثر على هرمونات الجسم وقد يسبب سرطان المخ.
90 في المئة
كما أثبتت الدراسات فإن من 60 إلى 90 في المئة ممن يصابون بالسرطان تعزا الأسباب إلى الكيمياويات، والفيروسات والإشعاع.
والكيمياويات، مصدرها الصناعات والمواد الحافظة في المعلبات والمضادات الحيوية المضافة إلى أكل الطيور، والهرمونات المعطاة للمواشي لزيادة وزنها، والمبيدات العضوية الحشرية، والمواد المصنعة المستعملة لتكوين الأطعمة والمشروبات أو إضافة نكهات جديدة. وعندما نشتري طعاماً أو شرابا محفوظا نجد ان مكوناته أحيانا غير معروفة.
وتشير الشهابي إلى قضايا مماثلة معلقة «إن الطعام إذا كان في علبة معدنية أو ورقية (كارتون)، يفقد الكثير من القيمة الغذائية، فعلى سبيل المثال أصل رقائق الإفطار هو الذرة، وإذا قامت ربة البيت بالاحتفاظ بالذرة يومين إلى ثلاثة فسيفسد، ولكن هذه الرقائق تحفظ شهوراً طويلة من دون أن تفسد وهذا يعني إنها معالجة بمواد تضر بصحة الإنسان، وكل الصناعات الغذائية المحفوظة قامت على معالجة معينة حتى تستمر فترة طويلة، ثم ان هذه المعالجة تؤدي إلى ربح التاجر، ولا نستطيع إنكار ان هذه الأطعمة تفيد ربة البيت في إدارة بيتها، ولكنه لابد ألا تكون الاستفادة على حساب صحتنا، وصحة أطفالنا».
الزهايمر
وماذا عن الخطأ الشائع في حفظ الأطعمة؟
- تقول الشهابي: «استعمال ورق الألمنيوم (القصدير) في حفظ الطعام يعد من الأخطاء الشائعة الضارة، خاصة الأطعمة الحمضية، ففي هذه الحالة يتأكسد الألمنيوم ويسقط على الطعام وعند تناول المرء هذا الطعام يمتص جسم الإنسان مادة الألمنيوم وتترسب في خلايا الجسم، وللألمنيوم علاقة كبيرة بمرض الزهايمر.
وتشير الدراسات إلى أن الألمنيوم يؤثر على امتصاص بعض المواد منها، الفلورايد ليسبب هشاشة العظام، والكالسيوم ومركبات الحديد، وفقر الدم والكولسترول، وهو مادة تدخل في مكونات غشاء جميع أنواع خلايا أجسامنا ومنه يصنع الجسم الكثير من الهرمونات وأهمها الهرمونات الجنسية ونقصه يؤثر على الكثير من وظائف الخلايا، كذلك يؤثر على الجهاز العصبي المركزي أو الدماغ، فيسبب النسيان والبطء في وظائف الأعضاء المتحركة وتتطور هذه الأعراض إلى أن تصل إلى عدم التوازن في السير، وربما الموت وهو من المسببات لمرض الزهايمر.
الخضراوات أيضاً
ومن جهة أخرى تؤكد الحقائق العلمية ان زيادة استخدام الأسمدة النيتروجينية لتعويض التربة عن فقدان خصوبتها والمبيدات الحشرية لحماية المنتجات الزراعية من الآفات أدت إلى تلوث التربة بالمواد الكيمياوية وتدهور مقدرتها البيولوجية، كما أن زيادة النشاط الصناعي والتعديني أدى إلى زيادة الملوثات والنفايات الصلبة سواء كانت كيميائية أو مشعة، وتقوم بعض الحكومات بإلقاء هذه النفايات على التربة، أو دفنها في باطن الأرض وفي كلتا الحالتين يكون التأثير السلبي واضحاً، وتؤثر على الإنسان والحيوان والنبات على المدى الطويل.
كذلك المبيدات الحشرية التي تعد من المواد المهلكة للصحة، وفي هذا الصدد يعتبر بلداً مثل فرنسا الثانية على المستوى العالمي في استهلاك المبيدات والمنتجات الكيمياوية التي تؤدي إلى قتل الحشرات والفطريات والأعشاب المتلفة لغيرها. وبما أن المبيدات موجودة بنسبة 90 في المئة في الأنهار الخاضعة للمراقبة، فذلك يعني انها موجودة كذلك بنسبة 50 في المئة في الفواكه والخضراوات على شكل بقايا.
أسئلة
ويتساءل البعض عن مدى خطورة هذه المبيدات على الصحة. يجيب الاختصاصيون على ذلك بقولهم: «إن المستهلك الذي يتناول الفاكهة والخضراوات تصل إليه جرعات ضعيفة جدا من المبيدات على مدى عشرات السنين، وحتى الآن لم تظهر بوادر تؤكد تأثير المبيدات الموجودة في هذه المنتجات على الصحة».
وعموماً تخضع القنوات المائية منذ سنوات عدة لمراقبة حثيثة بغية التعرف إلى تأثير المبيدات على المدى الطويل، ويعتقد المزارعون أن الخطر حقيقي، لأنهم يتعاملون مع المبيدات بكميات كبيرة.
ومن هنا يشير الأطباء إلى أن هذه المبيدات يمكن أن تثير ردود فعل تظهر على البشرة، إضافة إلى تأثيرها السيئ على الجهازين الهضمي والتنفسي، كما يمكن أن تكون سبباً لظهور بعض أنواع الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية عند المواليد الجدد، ويكفي ان بعض العلماء يطلقون على المبيدات الحشرية اسم «المبيدات الحيوية» لأنها تقتل الحياة.
الأسمدة والمبيدات
وتؤكد الشهابي أن للأسمدة الكيمياوية تأثيراً ضاراً على صحة الإنسان، على رغم إيجابيات استخداماتها، وتقول: «للمبيدات الحشرية تأثير ضار على صحة الإنسان، لا أدري كيف يروَّج لتلك الشركات التي تعلن عن رش المبيدات الحشرية للتخلص من الحشرات لفترة طويلة، هي تعني التأثير الضار على الإنسان لسنوات طويلة».
ألا يفيد خروج الأسرة من البيت أثناء عملية الرش؟
- ما المدة التي ستكون فيها الأسرة خارج البيت، مجرد ساعات معدودة ولكن يظل المبيد الحشري في كل أرجاء البيت، وهذا بالتأكيد يؤثر تأثيرا سلبيا على صحة الإنسان، الأفضل أن تتخلص ربة الأسرة من مسببات الحشرات، وهي الحفاظ على النظافة، لا أن يتم رش البيت بالمبيدات الحشرية التي تتسرب إلى جسم الإنسان، وتؤثر على الكبد، وقد تتسبب في الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان.
63000 مركّب
ومن الحقائق التي أثبتتها الدراسات أن أنواع المنظفات لها تأثير ضار على الصحة، فكلها مواد كيمياوية، وتسبب أضرارا وأمراضا مختلفة، كما تؤكد الدراسات أن البعض يدمن استعمال هذه المنتجات التي تسبب لنا الامراض.
وتظهر بيانات الجمعية الكيميائية الأميركية أننا نستعمل أكثر من أربعة ملايين مركب منها 63000 شائع الاستعمال، وأن المنظفات تساهم في زيادة ثقب الأوزون، ومنها ما يسبب الحساسية وبعضها يسبب سرطان الرئة والدم
العدد 759 - الأحد 03 أكتوبر 2004م الموافق 18 شعبان 1425هـ