إن من ابرز أهداف الإصلاح الاقتصادي هو تنشيط القطاع الخاص واشراكه في عملية التنمية والتطوير الاقتصادي ولكي يتحقق لهذه الخطوة النجاح يجب ان تتم عبر علاقة تكاملية بين القطاعين العام والخاص وفق تشريعات وضوابط تضمن حقوق العاملين والمواطنين خصوصاً في القطاعات ذات الطابع الخدمي والانتاجي.
إن عملية الخصخصة الجارية في الوقت الحالي والتي هي عبارة عن بيع مؤسسات القطاع العام ذات الطابع الخدمي والانتاجي مثل الكهرباء والبريد والاشغال وبعض اقسام وزارة الصحة وغيرها من قطاعات انتاجية أو خدمية لشركات خاصة وما يرافقه من تعتيم على ظروف وشروط وكيفية هذا التحول إذ أن كل التصريحات والتسريبات الصحافية من بعض المسئولين لا تتطرق من قريب أو بعيد إلى مصير العاملين في هذه القطاعات ما يثير القلق لديهم على أرزاقهم ومستقبل عوائلهم.
صدر قرار مجلس الوزراء في جلسته رقم (1582) المنعقدة بتاريخ 30 ابريل/ نيسان لسنة 2000 بشأن برنامج التقاعد المبكر الالزامي المترتب على تطبيق برنامج الخصخصة إذ يفتقر هذا البرنامج لمنظومة متكاملة من الإجراءات الواضحة والسليمة التي تهتم بمصير عمالة هذه القطاعات، كما لم تكن هناك شفافية كاملة للإجراءات التي تمت وتتم سواء عند اختيار المشروعات المرشحة للخصخصة أو عند تقييم اصوله.
إنه لمن المعروف عادة ما ينتج عن تطبيق برنامج الخصخصة من آثار سلبية تختلف باختلاف ظروف تطبيقها في الدول النامية وغير المستقرة اقتصاديا واجتماعيا، ولعل اعقد المشكلات التي تنجم عن تطبيق برامج الخصخصة هي تسريح العمالة من المشروعات العامة التي يتم تحويل ملكيتها الى القطاع الخاص اي ان برنامج الخصخصة يؤدي الى تزايد صفوف العاطلين وهو ما يؤدي الى انتعاش مشكلات اقتصادية واجتماعية تعرض أمن البلد للخطر، ولمواجهة هذه الاثار السلبية تلجأ بعض الدول الى الكثير من الإجراءات المؤقتة، علما بأنها ليست حلا نهائيا للمشكلة بقدر ما هي تهدئة أو معالجة جزئية لا تغني عن البحث عن فرص عمل منتجة لها أو امكان استيعابها من قبل القطاع الخاص ولنا مثال على ذلك الجمهورية اليمنية.
1- لقد نصت المادة (27) من قانون الخصخصة اليمني (على مالك المنشأة الجديدة الالتزام بالحفاظ على العاملين المنقولين الى المنشأة لفترة لا تقل عن خمس سنوات)، كما تنص المادة (26) على أن (ينقل العاملون المتفق على عددهم من الوحدة الاقتصادية التي تمت خصخصتها الى الشركة المنشأة ووفقا لنص المادة (22) من هذا القانون بالشروط السابقة نفسها من مرتبات ومكافآت شهرية وحوافز وأية مزايا أخرى وفقا للقوانين والتشريعات النافذة، وتعتبر خدماتهم السابقة متواصلة وفي حال ما اذا كانت الحقوق في المنشأة الجديدة أفضل فيتم معاملتهم بها).
2- تشجيع العمال على تملك جزء من اسهم المشروعات العامة التي يتم تحويلها وبالتالي يصبح هؤلاء العمال من الملاك الجدد وتنص على ذلك المادة (28) من قانون الخصخصة اليمني على (في سبيل ضمان اوسع قدر من الاكتتاب العام تعطى الأولوية لمن يرغب من العاملين المنقولين وغير المنقولين الى المنشأة التي تتم خصخصتها).
إن عملية استنساخ ما يجري تطبيقه في البلدان المتطورة اقتصاديا والمستقرة اجتماعيا والتخلص من القطاع العام عن طريق بيعه لبعض الشركات والتهرب من القيام بعملية إصلاح جذري يرسي معايير الشفافية والكفاءة والمساواة ومحاربة الفساد ووضع سلم مناسب للاجور يؤمن عيشاً كريماً للعاملين وليس الاستغناء عن هذه الاعداد من المواطنين وتحويلهم عالة على صندوق التقاعد ما سيساهم في تفاقم ازمة الصندوق المفلس مسبقا حسب ما توصلت اليه لجنة التحقيق البرلمانية، ان إعادة النشاط وتطوير هذه القطاعات يتطلب الآتي:
- إعادة هيكلة إدارة هذه القطاعات وخصوصاً الانتاجية ومعالجة الفساد الإداري وتطوير الاساليب الإدارية في عملية التقييم والتطوير الوظيفي، كما أنه سيساهم في رفع تقييم اصولها وتكون أكثر مردودية عند الشروع في خصخصتها وتشكل عاملاً مساعداً على الاقدام عليها من قبل القطاع الخاص.
- اعطاء قضايا العاملين درجة عالية من الأهمية والعمل على ازالة ما قد ينشأ من اثار سلبية على مستقبل العمالة ومستحقاتها والاخذ بأساليب متنوعة في الخصخصة كالمشاركة أو التأجير.
- الحرص على اشراك العمال في الاكتتاب في أسهم المشروعات العامة التي يتم تخصيصها.
- الحرص على أن تستخدم عوائد الخصخصة في تمويل صندوق التقاعد كم هو معمول به في جمهورية مصر العربية لزيادة مستحقات المتقاعدين من العمال جراء تطبيق هذا البرنامج.
وفي الختام هناك تساؤل بشأن تخوف الحكومة من التعامل مع النقابات العمالية واعاقتها لتشكيل النقابات في هذا القطاع متمسكة بتعميم ديوان الخدمة المدنية، واصرارها على ذلك بطلب تأجيل اقرار هذا الحق من قبل المجلس النيابي متمادية في مخالفتها الصريحة لدستور مملكة البحرين وميثاق العمل الوطني وجميع المواثيق العربية والدولية التي تنص على احقية العمال في جميع المواقع بتشكيل تنظيماتهم النقابية، الشيء الذي يؤكد أن سياسة الخصخصة كاستحقاق للتوقيع على اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الاميركية يجب ان يسير بحسب المرسوم له بعيداً عن مشاركة اصحاب الحق في تقرير مصيرهم نعني بهم العمال وموظفي الدولة عبر ممثليهم النقابيين وهو ما يزيد من قلق العاملين في هذه القطاعات الذين اعطوا الكثير لكي يكافؤا في آخر العمر بالفصل بشكل مباشر أو تحت تسميات مختلفة منها التقاعد المبكر الالزامي.
أمين سر نقابة العاملين في وزارة الكهرباء والماء
العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ