قال الباحث في الشئون الإسرائيلية والشرق الأوسط شلومو باروم ان المجتمع الإسرائيلي يقبل الفكرة القائلة ان كل تقدم من أجل حل النزاع مع الفلسطينيين في إطار اتفاق أو من دون اتفاق، مشروط بإخلاء مستوطنات، ويؤكد ان خطة الانفصال «لا تعطي جواباً شافياً «للتهديدات الأمنية» الناجمة عن «التنازل» عن غلاف أرضي خارجي، إذ يسود التخوف الرئيسي من ان يتم استغلال هذا «التنازل» من أجل تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة».
مشيراً في تحليل دراسة نشرتها استراتيجيا مركز يافا للأبحاث التي يصدرها قطاع الابحاث المستقلة (عربي - إسرائيلي) إلى ان على «إسرائيل» أن تفحص ما إذا كان استمرار محاصرة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في المقاطعة سيؤثر على فرص صنع ديناميكية إيجابية لخطة الانفصال، ويشير إلى أن الايديولوجية من وراء خطة الانفصال هي، أيضاً، الفصل بين الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني، ولكن مثل هذا الفصل يحتاج إلى سنوات غير قليلة. وانه في الحال الناتجة فإن إيجابيات التدخل الدولي في تنفيذ خطة الانفصال تفوق سلبياته، لأنه سيساعد في استنفاذ جميع الفرص الكامنة في هذه الخطة.
ولفت باروم إلى خطة الانفصال المصححة، إذ صدقت عليها الحكومة الإسرائيلية في 6 يونيو/ حزيران، قائلاً: ان الفرق الأساسي بين هذه الخطة والخطة الأصلية أنه لا يوجد هنا أي تصديق على إخلاء مستوطنات، فقط بعد إنهاء جميع الإجراءات لتنفيذ المخطط، ستجتمع الحكومة لتقرر بشأن الانفصال، لكل واحدة من المجموعات على حدة. وقد غير ذلك في الخطة الجديدة كل مركبات الخطة الأصلية:
1- الخروج من قطاع غزة وشمال «السامرة» (منطقة نابلس، وجنين شمال الضفة الغربية المحتلة)، من دون وجود عسكري دائم، إلا على الحدود مع مصر.
2- الجيش الإسرائيلي سيواصل الوجود في محور فيلادلفي على حدود قطاع غزة - مصر.
3- المستوطنات المخطط إخلاؤها صنفت إلى 4 مجموعات:
مجموعة أ- المستوطنات المنفردة في قطاع غزة (موراغ، نتسريم وكفر داروم).
مجموعة ب- مستوطنات شمال «السامرة» (غانيم، كديم، شا-نور وحومش).
مجموعة ج- مستوطنات غوش قطيف.
مجموعة د- مستوطنات شمال قطاع غزة (الي-سيناي، دوغيت ونيسانيت) ما يرمز إلى أن الإخلاء سيكون على مراحل مكونة من مجموعات.
4- النية هي إنهاء خطة الانفصال حتى نهاية 2005.
5- دولة «إسرائيل» ستراقب وتحافظ على غطاء أرضي خارجي من اليابسة، وستسيطر بصورة تامة على الغطاء الجوي وستستمر في نشاطاتها العسكرية في منطقة المياه الإقليمية لقطاع غزة.
6- دولة «إسرائيل» ستواصل منح نفسها «حقها الأساسي» في الدفاع عن نفسها، وضمن ذلك القيام بخطوات مانعة وردود فعل واستعمال القوة ضد تهديدات قد تنتج في قطاع غزة.
7- دولة «إسرائيل» توافق على منح استشارة ومساعدة وإرشاد لقوات الأمن الفلسطينية، بالتنسيق معها، وذلك لكي تحارب الإرهاب وتحافظ على الأمن العام، وكل ذلك من خلال خبراء أميركيين، بريطانيين، مصريين، أردنيين وآخرين. دولة «إسرائيل» مصرة على ألا يكون وجود أمني أجنبي في قطاع غزة أو «يهودا والسامرة» (الاسم المستعمل للضفة الغربية المحتلة - ي. ع). من دون التنسيق معها وموافقتها.
8- في المستقبل ستفحص الحكومة إخلاء محور فيلادلفي ومحيطه وفقاً للواقع الأمني ولحجم التعاون المصري لخلق ترتيب موثوق اخر. دولة «إسرائيل» مستعدة لفحص إمكان بناء ميناء بحري ومطار في قطاع غزة طبقاً لترتيبات يتم تحديدها مع دولة «إسرائيل».
9- لن تبقى بيوت سكنية للمستوطنين ومبان حساسة بما في ذلك كنس يهودية. وتطمح دولة «إسرائيل» إلى نقل مبان أخرى، بما في ذلك صناعية، تجارية وزراعية إلى طرف دولي، تستخدمها لمصلحة السكان الفلسطينيين.
10- الترتيبات التي أقرت في مرحلة المفاوضات المرحلية، والقائمة اليوم بين دولة «إسرائيل» والفلسطينيين ستبقى سارية المفعول، بضمنها وجود السلطة الفلسطينية والترتيبات المدنية وما يتعلق بالبنى التحتية الضرورية (ماء، كهرباء وغيرهما) والترتيبات الاقتصادية.
11- دولة «إسرائيل» تنظر بإيجابية كبيرة إلى مواصلة نشاط المنظمات الإنسانية الدولية والجهات الأخرى التي تنشط في مجال التطور المدني، وتساعد الجمهور الفلسطيني. دولة «إسرائيل» ستنسق مع المنظمات الدولية الترتيبات التي تسهل عملها هذا.
ويضيف باروم: «إن خطة الانفصال هذه تنتج واقعاً من الانفصال التام تقريباً بين «إسرائيل» والفلسطينيين في قطاع غزة، ولكنها تولد واقعا مرحليا في الضفة الغربية، تبقى فيه مستوطنات شرقي الجدار حتى بعد الانتهاء من بنائه، وسنجد مجتمعاً فلسطينياً كثيراً في الجانب الإسرائيلي من الجدار. هذا الواقع غير ثابت.
ويهدف المقال - بحسب باروم - إلى عرض تأثير مثل هذا الواقع والاجابة على السؤال: هل بالإمكان أن تكون خطة الانفصال مرحلة أولى في عملية واسعة النطاق من الانفصال التام بين «إسرائيل» والفلسطينيين؟
الخطة كفرصة
ويردف باروم قائلاً: «بعد أربع سنوات من المواجهات تقريباً وانقطاع العلاقات بين «إسرائيل» والفلسطينيين، تولد خطة الانفصال فرصة لانتاج ديناميكية ايجابية في العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية. إنها ستقلل من الاحتكاك بين «إسرائيل» والفلسطينيين في قطاع غزة، وفي الخطة هناك رسالة للفلسطينيين بأن رئيس الحكومة، شارون، جدي في رغبته بقبول حل دولتين لشعبين، كما يستدل من تصريحاته أنه يرغب في إقامة دولة فلسطينية بثمن باهظ هو اخلاء المستوطنات. لقد أصر شارون على وضع قضية إخلاء شمال «السامرة» في الخطة المصححة، وذلك كونه اراد نقل رسالة إلى الفلسطينيين والمجتمع الدولي، على رغم ان الغاء هذا الجزء كان سيمنحه التصديق عليها... إن امكان تحويل خطة الانفصال إلى مرحلة أولى في عملية إنهاء النزاع مع الفلسطينيين مرتبط بنجاحها، وهو من خلال الموضع الأمني والواقع الذي سيكون في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية... إن انتاج «الشريك» سيحدث إذا استغل الفلسطينيون، بالتعاون مع المجتمع الدولي، هذه الفرصة وأثبتوا جدية في تنفيذ المرحلة الأولى من خريطة الطريق، وهو خفض نسبة العنف وعودة الحياة الطبيعية إلى المجتمعين. وهناك سيتم فتح الطريق أمام الحوار وتجديد العملية السياسية من خلال بناء الثقة المتبادلة... مسار ممكن آخر، فيما إذا لم يتم ذلك، ستستمر «إسرائيل» في نشاطها أحادي الجانب الذي سيؤدي إلى انفصال تام حتى في الضفة الغربية. وفي الحالين، خفض نسبة العنف هو الذي يؤدي إلى خلق دفعة جماهيرية إسرائيلية من خلال الضغط على القادة لمواصلة أحد المسارين».
أسئلة مفتوحة
ويتساءل الكاتب هل سيمتلك شارون قوة سياسية لتنفيذ خطة الانفصال، وإذا لم تكن لديه القوة فهل ستلغى الخطة، أم سيتم تنفيذ خطة مقلصة؟ رئيس الحكومة أظهر حتى الآن اصراراً شديداً ودفع ثمناً سياسياً غالياً وصل حتى حل الائتلاف وربما حتى إعلان انتخابات مبكرة إذا لم ينجح في اقناع حزب العمل بالانضمام إلى حكومته. إنه على استعداد للاعتماد على مصر، على رغم انه يشكك فيها. الحاجز الأساسي لتنفيذ خطته هو المعارضة داخل حزبه - حزب الليكود، والمعارضة هناك هي نصف أعضاء الكنيست في الحزب وغالبية أعضاء مؤتمر الليكود. هذه المعارضة لا تريد لشارون أن يضم حزب العمل إلى حزبه، وربما سيضطر إلى إعلان انتخابات مبكرة.
سؤال آخر، هل لدى رئيس الحكومة نية لحل النزاع بصورة شاملة مع الفلسطينيين تكون خطة الانفصال الحالية هي مرحلة منها، أو انه ينوي الاكتفاء بهذه الخطة. (Gaza first and last) لقد أكد شارون مراراً وتكراراً أنه لا مجال للوصول إلى حل دائم مع القيادة الفلسطينية الحالية من الواضح انه يشكك في امكان الوصول الى حل دائم مع أي قيادة فلسطينية، وبالتالي فانه لا يريد الحل في الاتفاق ويفضل خطوات أحادية الجانب.
بالاضافة إلى هذه الأسئلة الجوهرية، هناك أسئلة تتعلق بخطة الانفصال نفسها وبنتائجها، وهي:
1- الخطة هي احادية الجانب ولا توجد نية للتفاوض مع الجانب الفلسطيني بشأنها، والسؤال هنا هل ستنفذ من دون حوار ولن يكون اي تنسيق معهم في تنفيذها؟
2- ما حجم وعمق التدخل الدولي الذي ستكون «إسرائيل» مستعدة له؟
3- بأي شروط ستكون «إسرائيل» مستعدة لإخلاء منطقة حدود مصر وبناء ميناء بحري ومطار؟
4- اي واقع سيكون في قطاع غزة بعد الانسحاب؟ هل ستسيطر السلطة الفلسطينية في القطاع، أم حركة حماس ام ستعم الفوضى؟
5- هل ستؤدي الخطة في نهاية المطاف الى خفض نسبة العنف وتحسين الوضع الأمني كما يريد القائمون عليها؟
ملخص
يقول الكاتب إن المصريين يفهمون جيداً اهمية موقف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، المحاصر داخل المقاطعة حالياً، وان بامكانه افشال اي خطة، في حال تجاهلت الخطة مكانته ولم تؤدي إلى تحريره من المقاطعة في رام الله، ومن هنا فإن الصفقة التي يقومون بتحضيرها مع الأميركيين تشكل قضية مكانة عرفات.
وفي تلخيصه يؤكد الباحث شلومو باروم، أن نجاح خطة الانفصال متعلق بالقدرة على دمجها في عملية شاملة من علاج الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني، والقدرة على ايجاد حلول تمنع وجوداً إسرائيلياً دائماً في الأراضي التي تنفصل عنها «إسرائيل» وانتاج ديناميكية فلسطينية داخلية ايجابية وتدخل دولي ومصري كبير. ويؤكد الباحث إن لـ «إسرائيل» مصلحة كبيرة للقيام بكل ما بوسعها من أجل زيادة فرص نجاح هذه العملية.
ويردف الباحث قائلا، انه على رغم سلبيات الوجود الأجنبي في قطاع غزة، الذي سيحد من حرية نشاط الجيش الإسرائيلي، وانتاج احتكاك بين «إسرائيل» والدول التي يوجد لها ممثلون، فان مثل هذا التدخل، ليس الأمني بل في المراقبة، سيؤدي إلى استنفاذ جميع الفرص من هذه الخطة، وعلينا أن نعرف ان «اسرائيل» ستقوم بكل ما بوسعها من أجل أمنها حتى لو كان هناك وجود دولي في المنطقة التي يتم الانفصال عنها. ومن المفضل أن تستغل «إسرائيل» هذه الفرصة التي نرى فيها رغبة لدى المجتمع الدولي في دعم الفكرة والمساعدة في نجاحها
العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ