العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ

من هو القاتل الحقيقي للسلام؟

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يقول كولن باول في آخر تصريح له عن القضية الفلسطينية «إن الانتفاضة الفلسطينية لم تقدم شيئاً للفلسطينيين، بل منعت اقامة دولة فلسطينية، واشاعت الارهاب، وحالت دون تطبيق خطط كثيرة للسلام في المنطقة»! ولذلك فهو يطالب الفلسطينيين بوقفها حتى يتسنى لرئيسه جورج بوش ان يساهم في اقامة الدولة الفلسطينية!!

انه «منطق» عجيب هذا الذي تتسلح به الدول الكبرى في التعامل مع قضايا الشعوب!

ففي فلسطين يطالبون الضحية دائما بوقف ما يسمونه بـ «دورة العنف» و«الارهاب».

وفي العراق يطالبون الرافضين للاحتلال بالقاء السلاح! وفي تعاملهم مع الدول «المارقة» يطالبون حكوماتها بالتخلي عن طموحات الاستقلال في الرأي واتخاذ القرار بناء على مصالحها الوطنية بزعم ان ذلك يخلق فوضى في العلاقات الدولية!

وفي قطاع التجارة العالمية يطالبون ارباب الاقتصادات المحلية بالتخلي عن القوانين الحمائية الخاصة بالدول والاوطان بحجة انها تمنع نمو الاقتصاد العالمي!

وفي قطاع الثقافة يطالبون النخب المحلية في البلدان والاوطان بكسر «القيود والاطر الجامدة» التي تمنع قيام الحوار بين الثقافات والحضارات داعين العالم اجمع إلى العمل بجد من اجل ثقافة انسانية واحدة!

وفي سياق ما يسمونه العقائد والايديولوجيات يعلنون الحرب على كل ما هو «ايديولوجي» أو عقيدي لا ينتمي إلى الليبرالية الغربية المتوجة بمثابة «السيدة الأولى» على العالم، باعتبارها المحطة الاخيرة في نهاية التاريخ!

وبالتالي نستطيع الاستنتاج بأن هذا المنطق يعني بالضرورة ان يتخلى الجميع ممن ينتمي لغير ما يسمى «بالعالم الحر» عن دينه والانضمام إلى دين واحد اسمه «الرأسمالية الغربية الليبرالية» التي يقول عنها جورج سوروس كبير سماسرة البورصة العالمية بانها لا يمكن ان تكون اي «الرأسمالية» الا متوحشة حسب آخر كتاب له.

ثم ومع ذلك نكون نحن الارهابيين ونحن المحرضين على العنف! كيف؟

إن كل من يستمع إلى هذا الخطاب اليومي الذي يصم الآذان ويملأ الفضائيات العربية والإعلام العالمي المرئي والمسموع، يتصور للحظة بان المشكلة بالاساس انما هي ناتجة بسبب محاولات حثيثة ومحمومة من قبل هذه المجموعات التي يصفونها بالمتطرفة مرة وبالارهابية مرة أخرى والمروجة للعنف دوماً، لغزو العالم الحر من أجل تركيعه وفرض شروط الوصاية عليه واننا اصل المشكلة التي يعاني منها العالم!

انه انحطاط اخلاقي لا ريب في ذلك ولا شك يسود العلاقات الدولية. لا امل من آلياته المستخدمة من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي.

هم يقولون ان عصر الايديولوجيات انتهى فيما يغالطون انفسهم من خلال فرض الايديولوجية «الأعلى» المتسلحة بالقوة التدميرية الأولى في العالم، ومستعدون لارتكاب كل المحرمات وخوض انواع الحروب لفرض هذه الايديولوجية الواحدة!

هم يقولون ان التحريض على العنف والارهاب ممنوع ويجب أن يتوقف حتى يعم السلام العالمي وتسود المحبة بين الأمم والشعوب، فيما هم يجيشون كل وسائل اعلامهم ويعبئون كل طاقاتهم للهجوم والتحريض على كل ما هو ليس «غربياً» أو كل ما هو غير «منتمي» للعالم الليبرالي الحر ووصفه بأبشع الصفات والتي اقلها بانه «متحجر وبال وينتمي إلى عالم التخلف أو الماضي المظلم»!

ان نظرة واحدة الى عالم الفضائيات المجندة في حرب «التحريض» هذه، ولا استثني الا النادر منها ممن رحم ربي، فستجدها مجندة فعلاً في جيش الحرب على كل ما هو ينتمي إلى التراث أو العقيدة أو الخصوصيات المحلية لهذا البلد أو الوطن أو ذاك، ما يثير النفوس، نفوس الاكثرية، أو حتى لو افترضنا الاقلية من سكان بلداننا ويدفعهم إلى التمترس في مواقع الكراهية والحقد وتاليا اللجوء إلى مواقع «التطرف والارهاب ودورة العنف» كوسيلة للخلاص من هذا الهجوم المنظم ودفاعاً عن النفس، ومع ذلك نصبح نحن «ابناء محور الشر» ونحن المحرضين على العنف ونحن الذين نعكر العلاقات بين الدول! ونمنع قيام السلام العالمي!

الا يعني هذا المنطق ان المطلوب منا هو رفع راية الاستسلام امام نظرية نهاية التاريخ البائسة؟

واية نهاية هذه التي يريدونها للبشرية بعد ان تصبح خاوية من اي روح وفاقدة لاية جذور ومن ثم هاوية على عروشها؟

هل يعتقدون فعلاً ومعهم جيش المجندين والمنبهرين والمهرجين في بعض فضائياتنا العربية ووسائل إعلامنا العربية والإسلامية، بانها ستكون عند ذاك النهاية السعيدة فعلاً للعالم؟

أليس هو المنطق نفسه الذي قضى على 112 مليون انسان هندي احمر ينتمون إلى 400 شعب وامة حية كما تقول وثائق قيام الولايات المتحدة الأميركية المدونة في الكونغرس الأميركي والمكتبات العامة في الولايات المتحدة؟

أليس هو المنطق نفسه لارباب العرق المفضل الذي يجب أن يحكم العالم والذي أدى الى مئات الملايين من القتلى ومثلهم من المشوهين في حروب عالمية لم يكن المسلمون ولا العرب طرفاً فيها؟

أليس هو المنطق نفسه الذي وضع آلية قيام دولة «إسرائيل» على أرض الغير وعلى حساب شعب حي لايزال يمانع ويقاوم ما يسمونه بـ «شعب الله المختار» ويلوون حقائق التاريخ والجغرافيا من أجله فقط وفقط حتى يفرضوا على العالم آخر «دين» احادي النزعة متسلح بالقوة التدميرية الكبرى، ثم هل أصبح العالم أكثر أمناً واستقراراً ووفاقاً مع سيادة منطق كهذا؟

انظروا الى خريطة العالم من اقصاها الى اقصاها الا ترون رائحة الكراهية والحقد والحروب ودورات العنف تنتشر مثل النار في الهشيم يوماً بعد يوم وكلما زادت قوة هذا «المنطق» المقلوب؟

ولعله هو المطلوب في قاموس هؤلاء وعندها من حقنا ان نتساءل: من هو المحرض الحقيقي على العنف؟! ومن هو القاتل الحقيقي للسلام؟

سؤال في ذمة الديمقراطية الليبرالية الغربية التعددية

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً