العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ

«مسمار الزرقاوي»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في مشهد محزن نقلته إحدى الفضائيات من الفلوجة. رجل يحمل طفلاً يقول «هذا من بقي من عائلته. أسرته قتلت بغارة أميركية على منزل في حي شعبي بذريعة أنه مأوى للزرقاوي. ترى هل هذا الطفل هو الزرقاوي؟ كل يوم تقصف وتغير الطائرات وتقتل الأبرياء وتدعي واشنطن أنها تلاحق مجموعات للزرقاوي».

هذا المشهد يتكرر يومياً من النجف إلى مدينة الصدر وحي حيفا والسامراء وبعقوبة والموصل وغيرها من مدن وقرى في الشمال والوسط والجنوب. والذريعة نفسها تتكرر وهي أن قوات الاحتلال (التحالف أو المتعددة الجنسية) تلاحق شبكات «القاعدة».

«مسمار الزرقاوي» بات الذريعة التي تبرر قتل الأبرياء وقصف الأحياء المدنية في مختلف القرى والمناطق والمحافظات.

إلى «مسمار الزرقاوي» تتذرع القوات الأميركية بأوامر حكومة إياد علاوي. فالقوات الأميركية لا تتحرك لوحدها كما تقول دعاية واشنطن؛ فهي مؤجرة لسلطة حكومة محلية. والحكومة هي التي تصدر الاوامر للقوات والأخيرة تنفذ ما تؤمر به. هذه الدعاية هي أشبه بدعابة سمجة يذهب ضحيتها يومياً العشرات وأميركا تؤكد أنها غير مسئولة عما تفعله فهي تنفذ الاوامر والمسئولية تقع على حكومة علاوي التي تتحمل نتائج ما تفعله قوات الاحتلال. إنها دعابة ولكنها في النهاية تحاول تمرير كذبة تقوم على مسمارين: الأول ملاحقة الزرقاوي والثانية مسئولية حكومة علاوي عن كل ما يحصل من قتل ودمار.

وفي مشهد محزن آخر نقلت الفضائيات صوراً عن انفجار وقع في حي شعبي بغدادي سقط خلاله 47 شهيداً بينهم أكثر من 30 طفلاً كانوا يتناولون حلوى توزعها دورية أميركية. المشهد مفجع. أشلاء أطفال وصراخ نساء ومروحيات أميركية تنقل جرحى الدورية وتترك جرحى العراق ينزفون حتى الموت. المشهد مخيف والحادث مريب... إلا أن الانترنت تكفل ليلاً بحسم الأسئلة: الزرقاوي يعلن مسئوليته عن ارتكاب هذا الفعل الاجرامي.

هل هذا معقول؟ وهل الايغال في الدم يدفع الإنسان إلى هذا المستوى من برودة الاعصاب ويقتل أطفالاً أبرياء وجدوا مصادفة في مكان ما؟ لنفترض أن الحادث وقع مصادفة وأن المقصود كان دورية أميركية وحصل المكروه فهل تتباهى جماعة تدعي انتسابها إلى الإسلام بما فعلت أم تعتذر عن الخطأ في حال كانت هي مسئولة عن حادث التفجير؟ مسألة غريبة وهي تطرح أسئلة عميقة لها صلة بالجريمة، وكيف يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا الدرك من السقوط.

أسئلة لا معقولة تطرح في زمن لا معقول فقدت فيه كل الاطراف المعنية بالشأن العراقي مسئولية حماية الاخلاق من الانهيار. فالولايات المتحدة تتحمل المسئولية الأولى والأخيرة عن كل ما حصل في العراق بحسب ما تذهب إليه المواثيق الدولية الموقعة في جنيف والأمم المتحدة. فالدولة التي تحتل دولة أخرى وتقوض نظامها العام تتحمل المسئولية المادية والمعنوية عن كل التداعيات التي تقع.

الولايات المتحدة تتحمل المسئولية، كذلك الحكومة المعينة (المتعاملة) باعتبارها الوكيل الحصري للاحتلال. حتى لو بالغت واشنطن في ادعاءاتها بأنها تتلقى أوامرها من إياد علاوي فإن البيت الأبيض هو المسئول الأول ويأتي بعده ذاك الطرف المحلي الذي فتح له الباب وأعطاه المبررات للحرب والاحتلال.

هذه المسئولية الأولى والأخيرة لا تعفي من يصف نفسه بالمقاوم من تحمل جزء من الكوارث التي وقعت أصلاً بسبب الاحتلال، ولكن بإمكان العقلاء المساهمة في التخفيف منها لا مفاقمتها. وهنا يأتي دور «مسمار الزرقاوي»، فمثل تلك الافعال المشينة لا تخدم المقاومة، بل تعطي المبرر لشرعية الاحتلال. وبوش استفاد كثيراً من «مسمار الزرقاوي» ذاك وتلك الأعمال الاجرامية التي وقعت في بغداد امتداداً إلى مدرسة بيسلان في روسيا. فكل هذه التصرفات الحمقاء صبت في مصلحة المرشح الجمهوري واعطته الذريعة للهجوم المعاكس ضد الاتحاد الأوروبي وروسيا والمرشح الديمقراطي جون كيري.

إنها ثلاثية تكمل بعضها. فهناك الاحتلال، وهناك المتعامل، وهناك «مسمار الزرقاوي» وافعال مجرمين يصطادون في مياه الفوضى... والضحية في النهاية هم أطفال بيسلان وبغداد وشباب السامراء والفلوجة والنجف. والكارثة السياسية في النهاية ستقع على هذا العالم الإسلامي التي قررت الدول الكبرى استباحة دمه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً