إذا كان الإيدز عقوبة لبعض ممن ظلموا أنفسهم وخرجوا عن الفطرة السليمة، أو امتحاناً وابتلاء من الله للإنسان غير المذنب، فذلك لا يعطي الحق لأي شخص بأن يحتقر هذا المريض مسلوب الحول والقوة.
والدارج ان ينظر لمريض الإيدز في بلادنا العربية على أنه شخص يثير الرعب والاشمئزاز، ما قد يولد الحقد والكراهية في نفسية المريض ويدفعه للانتقام بنقل المرض للآخرين جراء سوء المعاملة غير الإنسانية من أفراد المجتمع، ما يدفعه إلى الانعزال والعيش في خوف دائم.
هذه هي الحقيقة والواقع المؤلم الذي يعيشه مريض الإيدز ليس في البحرين فقط، وإنما في كل مكان وخصوصاً في المجتمعات العربية والإسلامية، التي هي الأجدر والأولى برعاية هؤلاء المرضى واحتضانهم بالحب والأمل في الحياة وتعزيز ثقتهم بالله، وخصوصا هؤلاء الذين ترجع أسباب أصابتهم إلى التجاوزات الأخلاقية، فلا يجوز شرعاً ولا عقلاً الانتقاص من حقهم في الحياة الطبيعية بحسب تأكيدات رجال الشرع والمدافعين عن حقوق الإنسان.
نقف في نافذة اليوم على كل هذه التفاصيل، كيف يعيش مريض الإيدز في مجتمعنا، كيف واجه رفض المجتمع وسلبه حق التمتع بالحياة والتعايش مع من حوله بسلام، وكيف تمضي اليوميات بقدر وافر من العذاب والألم والرفض.
خوف ونظرات مؤلمة
يقول أحد المصابين الذي سمى نفسه - ولد آدم - 42 سنة «أصبت بالمرض بسبب حقن المخدرات إذ كان أحد أفراد الشلة مصاباً وأخفى عنا مرضه ونقله لي ولاثنين من إخوانه جميعهم توفوا». ويضيف «قبل 13 عاماً أثناء توقيفي بالسجن كنت أرى مرضى الإيدز في سجن انفرادي يعيشون تحت ظروف قاسية ويعاملون كالحيوانات، وبعد خروجي من السجن تلقيت مكالمة من المستشفى لإخباري بالاصابة».
ويستطرد قائلاً: «زوجتي كانت حاملاً، والحمدلله لم تصب، ساندتني كثيراً مع عائلتي بعدها سافرت للخارج 3 سنوات للعلاج وتلمست الفرق بين معاملة مريض الإيدز في الدول الغربية وفي مجتمعنا. في الغرب يعاملون المريض بإنسانية». اما في البحرين «ابتعد عني الأصدقاء والجيران حتى اضطررت إلى ترك العمل بسبب ما عانيته من الناس».
ويضيف «خلال سنوات مرضي وجدت ان معظم المستشفيات والعيادات الخاصة تتهرب من علاج مريض الإيدز باستثناء قسم المعالجة مع الطبيبة سمية الجودر التي لولاها لضاع الكثيرون من المرضى وتدهورت صحتهم ونفسيتهم (...) ذات مرة تم نقلي الى قسم الطوارئ ورفض الطاقم الطبي المناوب علاجي».
«اتمنى ان تقوم جميع الأجهزة المسئولة بتوعية الناس بالمرض وكيفية التعايش مع مريض الإيدز كفرد وانسان له حق التمتع بالحياة كالآخرين». ويزيد «أعيش الآن مع اسرتي وتربطني بهم علاقة حميمة، وأقول لكل الناس نيابة عن كل مرضى الإيدز: أعطونا الحب، نعطيكم الحماية».
مات السر معه
تروي حواء لنا قصتها المؤلمة مع المرض فتقول: «رجع زوجي من السفر بعد قضاء فترة عمل بالخارج ومنذ رجوعه وهو يعاني الكثير من الأمراض، ولم نعرف انه مصاب بالإيدز إلا في أيامه الاخيرة، فقد أجريت له عملية جراحية في الخارج لذلك لم نستطع تحديد سبب الإصابة!».
«سلم الله أبنائي من المرض وأنا حملت الفيروس، أعيش مع أبنائي وأعد لهم الطعام والشراب وكذلك أزور أهلي وأشاركهم كل أشكال الحياة الاجتماعية، أما أهل زوجي فيعاملون أبنائي بلطف ولا يخافون منهم لأنهم يعلمون مدى حرصي على حمايتهم من المرض».
وتضيف «عند زيارتي لأي طبيب أخبره بأنني حاملة للفيروس لأخذ احتياطاته، أما عن ردت فعل الموظفين في المستشفيات فإنهم ينظرون لي بخوف احياناً وبالشفقة احياناً أخرى وبعضهم يسألني عن سبب الاصابة».
عموماً «أرى ان مريض الإيدز يعاني كثيراً من ردة فعل الناس تجاه مرضه بغض النظر عن سبب الاصابة !» وأقول للجميع «لا داعي للخوف من المكان الذي نمشي فيه، ارحمونا يرحمكم الله».
حاولت الانتحار
لجأت سلمى (مصابة بالمرض) إلى الانتحار بسبب تجربتها مع المرض، تقول: «لا أعلم سبب إصابتي، إذ تعرضت للكثير من العمليات الجراحية وعند فحص زوجي تبين انه مصاب، فهل العدوى من دم ملوث أم من زوجي؟ لست أعلم».
«انتشر خبر إصابتي في المنطقة التي اسكنها وابتعد عني الجميع وخصوصاً الجيران، كانوا يتجنبون المرور في الطريق الذي أمشي فيه، دخلت مستشفى الطب النفسي بسبب سوء حالتي النفسية لما وجدته من هروب ونفور الناس مني».
وتضيف «أعيش الآن وسط أسرتي، اتجنب الاختلاط بأي شخص غريب حتى لا تجرح مشاعري» وأقول للجميع «أنا إنسانة، ولا ذنب لي المرض، دعوني أعيش بسلام بينكم».
حقوق مريض الإيدز
يبدأ رئيس اللجنة الطبية في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان رضا علي، حديثه بشأن أسباب سوء معاملة المريض وهي الجهل بالمرض وطرق الوقاية والعدوى ليقول: «حملات التثقيف الصحي لعبت دوراً كبيراً في تقبل البعض من الناس للمرضى إلا انه مازال الكثيرون يسيئون النظر والمعاملة للمريض».
«ونحن بدورنا نضع مريض الإيدز في مستشفى السلمانية في اي جناح مع المرضى الآخرين دون فاصل أو تمييز حتى يعلم الجميع استحالة نقل العدوى بالتلامس العادي مع المريض ونقوم بزيارة أسرة المريض وتثقيفهم، بالإضافة إلى أماكن العمل في حال وجود موظف مصاب حتى لا يخاف زملاؤه من العدوى (...) ولم ترد لجمعيتنا إلى الآن أية شكوى من مريض يطالب فيها بحقوقه في العمل أو العلاج». وأوكد ان «حملات التوعية يجب ان تركز على ان التعايش الاجتماعي مع المريض في الأسرة والعمل لا ينقل المرض لأن أسباب العدوى معروفة ومحدودة».
لنقبل من قبلهم الله
ويؤكد الشيخ محمد عبدالوهاب المحمود فرحة الله سبحانه وتعالى بتوبة عباده واشتياقه لعودتهم، ليقول: «يجب علينا ان نتقبل من قبلهم الله وان نعينهم على توبتهم ونفتح لهم صدورنا ونساهم في علاجهم ولا نبالغ في التخوف من العدوى، فلعل القدر يخبئ لنا هذا المرض أو لأحد ابنائنا لا سمح الله (...) ولا يجوز شرعاً ان نشهر بالمصاب إلا لضرورة شرعية مثل الزواج ، كما لا يجوز شرعاً ان نشمت بالمريض أو نعياره أو نسخر منه أو نغتابه أو نهجره. هذه أخلاق المسلم المعروفة التي أوصانا بها رسولنا الكريم بقوله: «بحسب امرؤ من الشر ان يحقر أخاه المسلم ، كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»، أي يكفيك شرا ان تحتقر مسلماً حتى لو كان عاصياً فلربما هو عند الله تعالى أفضل وأحسن منك.
المصاب وحامل الفيروس
إلى ذلك، تقول رئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة الامراض التناسلية والإيدز سمية الجودر: «حامل الفيروس هو شخص سليم ظاهرياً خالٍ من الأعراض، لكنه يحمل الفيروس وهو مصدر عدوى لانتقال المرض، ولا يتم معرفته ألا عن طريق إجراء تحليل دم للاجسام المضادة للفيروس، أما المصاب بمتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) فهو شخص قد تظهر عليه أعراض المرض بالإضافة إلى وجود الأجسام المضادة للفيروس ويصنف الشخص بأنه مصاب بالإيدز عندما نقوم بتحليل نسبة كرات الدم البيضاء المسئولة عن المناعة وتسمى(ذي4) إذا كان عددها 200 أو أقل، ويعطى المريض 3 أنواع من العقاقير ويتم متابعته بشكل دوري ويتم فحص وإرشاد شريك حياته».
المخدرات ومصائبها
وتشير الجودر إلى أن العامل الرئيسي لنقل المرض في البحرين هو حقن المخدرات إذ إن القانون بمنع صرف الحقن من الصيدليات دفع المتعاطين لتبادل الحقنة الواحدة وهذا ساعد على انتشار «فيروس الإيدز وفيروس التهاب الكبد الوبائي بين المتعاطين» ومن ثم انتشاره بالمجتمع وكلفة علاج هذين المريضين باهظة جداً، وتشكل عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة وهذه الأمراض يمكن تجنبها بالابتعاد عن طرق العدوى والتمسك بتعاليم ديننا الحنيف، انصح بتوفير ابر معقمة للمتعاطين ووضع آلية لتسليم الابر المستخدمة إلى مصحات للتخلص منها وهذا ما تنادي به منظمة الصحة العالمية لحصر انتشار المرض.
المضايقات النفسية
وتعلق الجودر بأن «مريض الإيدز بالبحرين لا يختلف عن أي مكان آخر، يتعرض إلى التمييز والمضايقات النفسية من حين لآخر، وذلك يعود للجهل بطرق العدوى أو الخوف الزائد غير المبرر من العدوى، ومن المخجل ان هذه التصرفات تصدر من عاملين صحيين أو أطباء وممرضين ما يؤدي لتأثيرات سلبية على نفسية المريض».
وتؤكد «أننا بحاجة ماسة لخلق وعي ثقافي خصوصاً لدى فئة الشباب إذ تبين الاحصاءات العالمية ان 15 ألف حالة إصابة جديدة يومياً في العالم، 50 في المئة من هذه الحالات للفئة العمرية بين 15 إلى 24 سنة و50 في المئة منهم نساء. فلابد من استمرارية حملات التوعية والتثقيف من خلال وسائل الاعلام والمقررات الدراسية في المدارس والجامعات».
الإيدز في البحرين
- تم اكتشاف أول حالة إيدز في البحرين العام 1987.
- العدد التراكمي لمرضى الإيدز من العام 1987 إلى يومنا هذا 119 شخصاً 25 منهم مازالوا على قيد الحياة، 94 لقوا حتفهم من الإيدز أو لأسباب أخرى، 144 تم تشخيصهم بأنهم حاملي فيروس الإيدز، 35 توفوا وذلك لأسباب غير المرض على سبيل المثال من جرعات المخدرات أو حوادث وإصابات أخرى.
- في العام 2001 تم تشخيص 8 حالات جديدة، 6 أشخاص حاملين للفيروس وحالتين مرضى، 7 من الرجال وامرأة واحدة، 5 حالات عن طريق الجنس و3 حالات عن طريق مشاركة الحقن لمتعاطي المخدرات.
- في العام 2002 - أكثر عام تم فيه تشخيص المرض، 23 حالة جديدة، 9 حالات مرضى، و14 حالة حاملة للفيروس، 11 حالة منهم عن طريق الجنس و7 حالات عن طريق المخدرات و3 حالات أطفال عن طريق المشيمة (من الأم إلى الجنين) وحالتي نقل دم ملوث - واحدة خارج البحرين وواحدة نقل دم ملوث قديمة (قبل عمل التحليل) داخل البحرين.
- في العام 2003، 5 حالات مرضى و3 حالات حاملة للفيروس 4 منهم عن طريق الجنس وواحدة عن طريق المخدرات وجميعهم رجال.
- في العام 2004 حتى نهاية اغسطس/ آب، 5 حالات حاملة الفيروس ومريض واحد (5 رجال وسيدة واحدة) حالتين عن طريق الجنس و4 حالات عن طريق حقن المخدرات.
- ترتبط نسبة الإصابة بالإيدز في البحرين بعدد المرات التي يحقن فيها المريض نفسه بالمخدرات بنسبة 94 في المئة، فمن بين 48 مصاباً من أصل 51 مريضاً بالإيدز يحقنون أنفسهم مرة واحدة على الأقل كل يوم.
أحصاءات عالمية
- قدرت منظمة العمل الدولية ان نحو 36,5 مليون شخص في سن العمل مصابون الآن بالإيدز.
- تضاعف عدد الاصابات بالإيدز في البلاد العربية خلال عامين من 400 ألف إصابة العام 2002 إلى 800 ألف هذا العام.
- تقدر احصاءات الأمم المتحدة أن 68 مليون شخص سيحمل الفيروس في العام 2020.
معلومات تهمك
- لا ينتقل الإيدز بواسطة التقبيل والضم ومسك الأيدي ولا ينتقل من خلال لسع الحشرات أو السعال أو العطس وكذلك لا خطر من استخدام دورات المياه المشتركة أو المرافق الصحية العامة والاستخدام المشترك لصحون الطعام أو تناول أطعمة أو مشروبات مسها شخص حامل للفيروس.
طرق الإصابة ونقل العدوى
العلاقات الجنسية - نقل دم ملوث بالفيروس - من الام إلى الجنين - عن طريق حقن المخدرات
العدد 758 - السبت 02 أكتوبر 2004م الموافق 17 شعبان 1425هـ