«البحرين بلد الأمان»... هذا النشيد الذي ترنمت به قلوبنا قبل ألسنتنا... شعرنا به ولمسناه على أرض الواقع فأمِنّا على أنفسنا وعيالنا وبيوتنا... كان ذلك منذ زمن طويل مضى، ولكن هل يا ترى مازلنا نشعر بالشعور ذاته في أيامنا هذه؟ وكم منا بقي محافظاً على هذا الإرث القديم في ذاته فخرج مطمئناً على نفسه وكل ما يخصه؟!
جل ما أخشاه أننا أصبحنا مثل الببغاوات نردد ما يتلى علينا من دون استيعاب للمعنى... أو أننا أخذنا نكرر هذا النشيد لأنه واجب علينا وبيننا وبين أنفسنا نندب الأمن والأمان الذي ولى وكان.
في المجالس والتجمعات باتت حوادث السرقات تستحوذ على النصيب الأكبر من الحديث، تروي حكايا ما خطرت لنا على بال، وكأنها في سردها لواقع الحال تحذرنا من حيث لا تدري من الخطر الذي قد يداهمنا في أية لحظة، ونحن غافلون سواء كنا غاطين في سبات عميق أو أعيننا مفتوحة وهي في انشغال عن الزمان والمكان.
ما سمعناه ينم عن احتراف لمجرمين غالبا ما يكونون صغارا في سنهم كبارا في عقولهم وجرأتهم التي حرضتهم على سلب الناس أموالهم وممتلكاتهم وحرمة بيوتهم وأمانهم... سرقات آخذة في التوالد والتكاثر من دون أن نعرف بعد هوية مرتكبيها ودوافعهم، ومازال لسان حالنا يتساءل: من وكيف ولماذا وإلى متى؟
لو نظرنا إلى نوعية المسروقات لوجدناها في غالبيتها أشياء بسيطة ليست ذات ثمن من أجله يضحي الفرد بكرامته ويغامر بحياته وسمعته... وهذا لا يستثني أن هناك سرقات طالت بعض المصارف على طريقة أفلام الأكشن أو المافيا الأميركية، وهذا ما يجعلنا نسارع إلى الوقوف على الأسباب والدوافع... وليكن المنطلق ما الذي بدل الحال وحول الأمن والأمان إلى خوف وترقب لأي زائر متخف في النهار أو منتصف الليل؟
مشكلاتنا زادت وطفح بها الكيل حتى ولدت انفجاراً لدى شريحة معينة من الشعب فقامت بالتنفيس عن جام غضبها وحنقها على الحال والأوضاع بسلب كل ما تقع عليه العين وتتلهف له النفس ويعجز عنه الحال فتبادر اليد إلى أخذه من الآخرين بطريق غير مشروع!
الفقر... نعم هو بداية الطريق وخصوصاً في ظل مغريات العصر الكثيرة التي ما إن تعض قليلاً على نفسك لكي تتمكن من توفير ثمن أحدها وتقتنيه حتى تطلع عليك تكنولوجيا العصر باختراع آخر جديد يحيل مقتناك السابق إلى جهل وموضة قديمة يعيّرك بها أصحابك. فماذا نتوقع من صغير فقير يستهزئ به اصحابه لعدم حيازته لموبايل بسيط لا يحمل من التقنيات الحديثة شيئاً فضلاً عن الألعاب الالكترونية والملابس الجديدة التي تحمل صورا لشخصيات كارتونية يتغنى بها الصغار جميعهم إلا صاحبنا الصغير الفقير الذي سمع بها وأبت حال والده أن ينعم برؤيتها أسوة بأصحابه؟
وقضية الفقر هذه تحيلنا إلى قضية اخرى مرتبطة بها وقد تكون في جانب منها مسبباً لحال الفقر هذه ألا وهي البطالة... جيوش عاطلة عن العمل، تبحث عما يسد ظمأها ويحفظ لها ولعيالها لقمة اليوم والغد، التي تغنيهم عن الغير، ولكن لا مفر فالوظائف في شح وإن كانت الشركات في توالد!! وإزاء دمعة فلذات الأكباد المتوسلة لرحمة أبيهم عليهم بكسرة خبز وهو صفر اليدين، ماذا نتوقع أن يفعل؟
الفراغ، الإعلام، البيئة، الأمراض النفسية وربما الجسدية... هذه أمور وغيرها كثير لا يمكن ابدا تجاهل دورها في وضع سيناريو السرقات وبهرجتها بهذه الصورة غير المعقولة حتى شككنا أننا في البحرين بلد الأمن والأمان!
البعض يلقي باللائمة على رجال الأمن والشرطة في البلاد في تهاونهم في عملهم وعدم اتخاذ ما يلزم فعلاً من حيلة وشدة في القبض على هؤلاء السراق، كما يلقي باللوم ايضا على قوانين عقاب السارق التي اعتبروها هينة ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن تردع من سرق أو ترعب من بيّت النية بينه وبين نفسه على الالتحاق بركب مقتحمي البيوت والمصارف والمؤسسات و... إلخ.
نحن لا نشكك أبدا في معقولية هاتين اللائمتين، ولكنا يجب ألا نقصر النظر وننوء بأنفسنا عن المساهمة في تفاقم هذه المشكلة يوما بعد يوم... نعم نحن جميعا أطراف في هذه المشكلة ومن حيث لا ندري... وإن تناولنا المسألة بشيء من العدل قد نخرج بنتيجة مفادها أننا نحن المجرمون وليسوا هؤلاء!
آباء، أمهات، مربون، أصحاب شركات ومؤسسات، جميعنا قصرنا في استيعاب المهمات المنوطة بنا وألقى كل منا بالحمل على الآخر وتجاهلنا أنفسنا وما علينا فعله... ولنفكر قليلا... ما الذي سيدفع بهؤلاء إلى السرقة إذا أحسنّا أدبهم وتربيتهم على صون الأمانة في أنفسهم والآخرين، وعودناهم على الرضا والقناعة وعلى ألا نقف صاغرين أمام عثراتنا ونحاول تخطيها بما يرضي الله، لو استغنينا عن «فشخرتنا» وغرورنا قليلاً ووضعنا في بالنا أن هذا البحريني أولى من غيره بلقمة أرضه وخيراتها وزرعنا في النفوس أن العمل ولو كان بسيطا فهو من شيم الرجال... لو بادرنا إلى تطبيق كل ذلك على أرض الواقع وليس بهتافات وشعارات نرفعها متى نشاء وكلما رغبنا في طرق الباب حبا في الظهور لا نشك أننا سنتمكن من الحد من هذه المشكلة، ونبقى نردد «بحريننا بلد الأمان» قولاً وفعلاً وأمانها حمل يتكبد عناء الجميع.
مع القراء
رسام كاريكاتير - كما يبدو للمغشوشين أمثالي- أتحفنا للمرة الأولى برسمه الجميل، ومن شدة إعجابي بالفكرة المطروحة سارعت إلى نشرها وخصوصا أنها تتناول مسألة محط أَخْذ وَرَدًّ في هذه الأيام، وكم كانت فرحتي شديدة لكسب قارئ وفنان جديد في هذه الصفحة... ولكن يا فرحة ما تمت، إذ سرعان ما بددها الأخ الزميل حمد الغائب بتنبيهي إلى أن هذا الرسم الكارتوني مسروق من الانترنت مسترشداً بخطوطه المعوجة دليلاً على صحة كلامه... وهنا لا يمكنني إلا شكر أخي حمد على إيقاظي من غفوتي. واعذروني فلم يخطر في بالي أن السرقات طالت حتى الرسوم وبشكل علني... فيا سراق الكاريكاتير احذروا حمد
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 757 - الجمعة 01 أكتوبر 2004م الموافق 16 شعبان 1425هـ