اليوم، تفتتح رسميا حوزة النور النسائية الأكاديمية، التي أسسها الشيخ حسين النجاتي، وبدأت أعمالها مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفيما يشكك البعض في قدرة التعليم الحوزوي/ الأكاديمي على إحداث الاختراق في جسم الحوزة الدينية الشيعية، التي يصفها البعض بأنها أصبحت «خارج الزمن»، يأمل متابعو نشاط المؤسسة الدينية أن تكون هذه المبادرة نواة لتأسيسات أخرى، تأخذ في الاعتبار واقع الحال، وتكف عن اعتبار مؤسسات الدولة «غولا»، والمعطيات الحضارية «وحشاً».
وعلى رغم أن النجاتي لم يأخذ ترخيصا من وزارة التربية والتعليم في تأسيس الحوزة، ولم يدع أياً من الرسميين لحضور حفل الافتتاح اليوم ما يعكس إشكالية العلاقة مع الجهاز الرسمي فإنه يؤكد سعيه إلى أن تحصل الحوزة على اعتراف من «التربية» كأحد خيارات ثلاثة لحصول منتسبي الحوزة على شهادات رسمية، تمكنهم من الانخراط في سوق العمل.
المحرق - عباس بوصفوان
يفتتح السيدجواد الوداعي حوزة النور النسائية الأكاديمية، التي يرعاها مكتب الشيخ حسين النجاتي، بحضور عدد من الرموز الدينية، وفي ظل غياب رسمي، يعكس إشكالية المؤسسة الدينية الشيعية التي تتحفظ أو ترفض التعاطي مع الجهاز الرسمي، كما يبدو واضحا في تعاملها مع المجلس الإسلامي الأعلى، ومؤسسة القضاء، وجهاز الأوقاف، والمعهد الجعفري الذي تتردد أنباء مؤكدة أن وضعه سيكون حرجا بسبب عدم توافر معلمين مؤهلين للتدريس فيه.
ويبدو أن إشكالية التعاطي مع الأجهزة الرسمية لم تكن بهذه الحدة قبل ثلاثين عاما، عندما كانت جمعية التوعية الإسلامية، التي أغلقتها الحكومة في العام 1982، تلتزم بضوابط وزارة التربية والتعليم في المدرسة التي كانت تديرها، والتي كانت تمنح شهادة معترفاً بها من قبل الوزارة، لذلك يرى متابعون في الوضع الحالي نكوصاً، قد يكون في استمراره مزيد من التدهور والتهميش والمواطنية من الدرجة الثانية للحال الشيعية.
ويبدو النجاتي مدركا لحجم المشكلات التي تعيشها المؤسسة الدينية في البحرين، ويتحدث بتفاؤل عن تجربة التعليم الحوزوي/ الأكاديمي في «حوزة النور»، التي بدأت عامها الدراسي الأول مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، على أن تنتهي في نهاية العام الدراسي الرسمي، كجزء من محاولة أوسع لتحويل الحوزة إلى مؤسسة نظامية، تشترط الحصول على شهادة الثانوية العامة للقبول، وتجري امتحانات دورية، وتلتزم بضوابط مقننة في الحضور، وتدرّس منهجاً حديثاً، لا منهجا كتب منذ مئات السنين، على ألا تغرق في الجوانب النظرية، وتراعي متطلبات سوق العمل، على أمل أن يكون ذلك مؤهلاً للاعتراف بالشهادة التي تمنحها الحوزة.
وعلى رغم أن النجاتي لم يأخذ ترخيصاً من الجهات الرسمية قبل أن يفتتح الحوزة، فإن أجرى فيما يبدو اتصالات مع عدة جهات تدير مؤسسات أكاديمية خاصة، بهدف الاستفادة من تجربتها. ويقول إن أمامه ثلاثة خيارات كي تكون الشهادة التي تمنحها الحوزة معترفاً بها، وهي أبرز مشكلات الحوزة، بحسب نجاتي، مضيفاً أنه من غير المعقول أن يدرس الطالب عدة سنوات من دون أن يمنح ما يفيد مروره بهذه الخبرة.
ويفصّل النجاتي السيناريوهات الثلاثة كالتالي: الأول، يتمثل في حصول الحوزة على اعتراف من قبل وزارة التربية والتعليم، كمؤسسة تعليم جامعية عليا، تمنح شهادة البكالوريوس، بعد أربع سنوات من الدراسة.
أما السيناريو الثاني فهو الحصول على الاعتراف من جامعات خارجية، وهناك سعي حثيث لتحقيق ذلك، بحسب النجاتي. والسيناريو الثالث أن تعطى الطالبة شهادة من طرف مؤسسة أكاديمية أخرى، وكأن الحوزة مكان لتقديم امتحان إلى تلك الجامعة.
يوضح النجاتي أن كلفة اعداد مبنى الحوزة وشراء التجهيزات، فاقت أكثر من 150 ألف دينار، جُمعت من أهل الخير المحليين، مؤكداً أن لا حاجة للدعم الخارجي في ذلك، وأن لا حاجة لاستخدام الأموال الشرعية (الأخماس والزكوات)، «إلا جزئياً».
وأشار إلى سعي أكيد، سيتبلور خلال الشهرين المقبلين، لتشكيل مجلس إدارة مستقل للحوزة: ثلثه علماء دين، وثلثه الثاني من التجار، والثلث الأخير من الأكاديميين، مشددا على أن هذا «التشكيل درس بعناية»، وينظر إليه مراقبون على أنه خطوة جديدة في سياسات التعليم الحوزوي التي يحتكرها بعض علماء الدين.
يدرس في حوزة «النور» حالياً 80 طالبة من أصل 150 متقدمة لم يكن بالامكان استيعابهن موزعين على أربع شعب (الطاهرة، الزكية، الشهيدة، الصديقة).
ويقول النجاتي إن بالامكان زيادة عدد الطالبات إلى 25 في كل شعبة، لكن ذلك سيكون سلبيا على التحصيل. وأوضح أن العزم أكيد على بناء طابق ثالث في المبنى المكون من طابقين، والذي يبعد قليلاً عن مسجد الزهراء في المحرق، وهو في الأصل بيت تم تحويله إلى حوزة.
يبدو المبنى أنيقاً جداً، أثاثه جديد، فيما تبدو غرفة الكمبيوتر الأكثر تطورا، إذ تضم أكثر من عشرين جهازا من أحدث الأجهزة، كلف شراؤها نحو ثمانية آلاف وخمسمئة دينار. وهي في مستوى «مدارس المستقبل» الذي دشنته وزارة التربية هذا العام في عدد من المدارس الثانوية، إذ يمكن للمعلمة مراقبة أداء الطالبات من خلال جهازها، وتمنح الحوزة «الرخصة الدولية للحاسوب»، المعروفة اختصارا بـ (ASDL) التي تمنحها «اليونسكو»، وقد وقعت وزارة التربية والتعليم اتفاقا مع المنظمة الدولية لتوفيرها في المملكة.
تأخذ الحوزة رسوماً شهرية «رمزية»، مقدارها 15 ديناراً شهريا، ذلك «أني لا أؤمن بالدراسة المجانية»، كما يقول النجاتي، فيما يكلف الطالبة شهريا نحو 70 ديناراً، تتراوح كلفة التشغيل الشهري للحوزة بين ثلاثة إلى خمسة آلاف دينار. وهي تشغل خمس موظفات وست مدرسات. ويعتبر النجاتي المشروع «وطنيا»، لأنه يساعد الدولة في استيعاب عدد من الطالبات، اللاتي كان من الممكن أن يطلبن مقعدا في الجامعة التي تعاني من الضغط.
يبدي النجاتي حساسية واضحة تجاه سوق العمل، ويقول إن خريجات الحوزة يمكن أن يعملن في التدريس، وفي القطاع المالي الإسلامي، مشدداً على الاهتمام بالدراسات المصرفية، ذلك أن البحرين مركز مالي مرموق في هذا المجال. ومن أجل تحقيق ذلك لن تكون الدراسة دينية بحتة، فنسبة المواد الدينية ستبلغ 60 في المئة، و40 في المئة ستكون مواداً إنسانية وعلمية «لها اتصال بحياة الناس».
تمنح الحوزة شهادة البكالوريوس، بعد أربع سنوات من الدراسة النظامية. السنوات الثلاث الأولى ستكون فيها الدراسة عامة، وستكون السنة الرابعة سنة التخصص في أحد أربعة فروع: الفقه، العقائد والأديان، علوم الحديث، وعلوم القرآن.
مديرة الحوزة يسرى الموسوي، التي لم تكمل دراستها الجامعية، ودرست في حوزة السيدعلوي الغريفي لمدة ست سنوات، تصف تجربتها بأنها «ليست جديدة، إذ كنت أدير أنشطة دينية مختلفة». وتشير إلى أن الدارسات متحمسات، وتؤكد السعي في علاقات تنسيق مع الحوزات الدينية الأخرى. فيما يقول راعي الحوزة الشيخ النجاتي إن أحد أبرز المشكلات تتمثل في أن عدداً من المدرسات لا يملكن شهادة أكاديمية.
إلى ذلك، فإن السعي إلى التطوير مستمر، بما في ذلك بناء حضانة لاستيعاب أبناء المعلمات والدارسات، وأيضاً السعي إلى شراء مبنى لانشاء حوزة للرجال. ويأمل كثيرون أن تكون هذه التجربة بادرة تتلوها مبادرات أخرى لتطوير الحوزة الدينية التي أضحت «خارج الزمن»
العدد 757 - الجمعة 01 أكتوبر 2004م الموافق 16 شعبان 1425هـ