جدد حقوقيون مطالبتهم بتعديل قانون الجمعيات والأندية الصادر بمرسوم بقانون رقم (21) للعام 1989، وهو القانون الذي استندت إليه كل من وزارة العمل والشئون الاجتماعية فيما يتعلق بحل مركز حقوق الإنسان وتصفية أمواله كافة، والمؤسسة العامة للشباب والرياضة فيما يتعلق بإغلاق نادي العروبة لمدة 45 يوماً، وهي أقصى مدة يحددها القانون للإغلاق إدارياً.
فمن جهته عبر الناطق الرسمي باسم الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين عن أسفه لقرار الحل والغلق استناداً إلى قانون الجمعيات، مبيناً أنه «لابد للدول التي تخطو نحو تأسيس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان أن تشرك المعنيين فيما يخصهم من تشريع أو تفعيل للقوانين، وإن المعني بقانون الجمعيات والأندية هو مؤسسات المجتمع المدني سواء كانت جمعيات سياسية أو حقوقية أو أهلية أو أندية، كما أنه لابد من الالتزام بالمعايير الدولية للديمقراطية وحقوق الإنسان كونها هي التي تؤسس وتعطي الشرعية للأنظمة».
الموقف من القانون
وعن موقف الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان إزاء القانون قال «إن الجمعية تؤكد أن مملكة البحرين وقد انتهت من مرحلة (قانون أمن الدولة) إلى مرحلة أخرى (الإصلاح) أكد عليها ميثاق العمل الوطني الذي توافق عليه الجميع، وكذلك دستور المملكة والأعراف الدولية للديمقراطية والقوانين والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، يجب أن تنتقل إلى المرحلة التي تلتزم فيها بكل هذه المعايير».
واعتبر كمال الدين القانون مسيئاً لمشروع جلالة الملك الإصلاحي، مؤكداً «إننا نرفض كل قانون يسيء إلى مشروع جلالة الملك الإصلاحي والذي توافق عليه الجميع، وترى الجمعية وجوب وقفة شجاعة ومسئولة من الجميع لمراجعة القوانين والتشريعات كافة التي لا تتناسب ومعايير حقوق الإنسان والتوجهات الديمقراطية والمشروع الإصلاحي».
وكانت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان قد ذكرت في تقريرها الصادر أخيراً بشأن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين طوال العام 2003، «ان وجود هذا القانون الذي ينتمي إلى فترة قانوني الطوارئ وأمن الدولة من شأنه أن يعيق عمل الجمعيات متى ما رغبت السلطة في تفعيل بنوده المقيدة لحريات العمل في الجمعيات. وتطالب الجمعيات الأهلية بإصدار قانون للجمعيات دون الأندية يكون أكثر تطوراً ويتناسب مع مرحلة الإنفتاح».
كيفية تطبيق القانون
من جانبه رأى المحامي محمد أحمد أن تطبيق وزارة العمل أو مؤسسة الشباب والرياضة للقانون بحسب مواده «صحيح من الناحية القانونية الصرف»، إلا أن «نادي العروبة أخذ بجريرة أمر لم يقترفه»، مشيراً إلى أن النادي لم يخالف من الناحية القانونية حتى قانون الجمعيات للعام 1989.
مضيفاً «ذلك لأن التصرف الذي قيل انه المبرر لغلق النادي (الندوة) لم يعبر النادي عنه ولم يساهم فيه». واصفاً قرار الغلق بأنه «تصعيد لا مبرر له».
وعن الجدل بشأن تبعية نادي العروبة بحسب القانون للمؤسسة العامة للشباب والرياضة أو لوزارة الإعلام باعتباره نادياً ثقافياً قال أحمد: «إذا أردنا أن نقرأ النص قراءة جامدة فالفقرة الثانية من تعريف الوزير المختص تقول (ويعتبر رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة هو الوزير المختص للهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة وللأندية الأخرى غير التابعة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية)، فمشكلة نادي العروبة أن اسمه (نادي) ولذلك فهو يتبع المؤسسة بحسب النص، وإلا فهو في الحقيقة مؤسسة ثقافية».
مضيفاً «لو أخذنا المسألة بروح النص لكان نادي العروبة تابعاً لوزارة الإعلام، إذ تقول الفقرة الثالثة: ويعتــبر وزير الإعــــلام الوزير المختص بالنسبة للجمعيات الثـقافية والفنية الوطنية...».
أما كمال الدين فقال في هذه المسألة: «نادي العروبة إدارياً وقانونياً تابع للمؤسسة العامة للشباب والرياضة، وقد طالبت شخصيا في التسعينات بإلحاق النادي بإدارة الثقافة بوزارة الإعلام نظراً لخصوصيته الفكرية والثقافية والوطنية لكننا لم نوفق في ذلك حينئذ».
حل المركز
ويستند وزير العمل في حل المركز إجبارياً، إلى المادة (50) من قانون الجمعيات والتي تنص على أنه «يجوز حل الجمعية إجبارياً، كما يجوز إغلاقها إدارياً بصفة مؤقتة لا تزيد على 45 يوماً بقرار من الوزير المختص»، وتذكر المادة أربع حالات لجواز الحل أو الإغلاق وهي (1) إذا ثبت عجزها عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها. (2) إذا تصرفت في أموالها في غير الأوجه المحددة لها طبقا لأغراضها. (3) إذا تعذر انعقاد جمعيتها العمومية عامين متـتاليـين. (4) إذا ارتكبت مخالفة جسيمة للقانون أو إذا خالفت النظام العام أو الآداب.
ويرجح أن يكون الوزير قد استند إلى البند الرابع في حل جمعية المركز، وبشأن ذلك تساءل محمد أحمد ما إذا ما كان القرار قد استند إلى مداخلة الناشط الحقوقي الموقوف عبدالهادي الخواجة في ندوة الفقر أم لا؟ ومع كون الخواجة مخطئاً وقد شارك بصفته الشخصية فلا يجوز معاقبة المركز بأكمله على ذلك، وهو الأمر الذي نفاه وزير العمل أخيراً إذ نفى علاقة ندوة الفقر التي أقامها المركز وتبعاتها بقرار الحل.
وفيما اعتبر العلوي «رسائل وجهها رئيس المركز نبيل رجب إلى الخارج وسببت إضطراباً» سبب الحل، تساءل أحمد عن نتيجة تشكيل اللجنة التي قالت رئيسة قسم الجمعيات الأهلية والتعاونية في وزارة العمل والشئون الاجتماعية بدرية الجيب ان الوزارة شكلتها لدراسة وضع مركز حقوق الإنسان واتخاذ الإجراءات القانونية ضده وشارك فيها ممثلون عن المؤسسة العامة للشباب والرياضة، فالوزارة اتخذت الإجراء القانوني إثر دراسة هذه اللجنة لوضع المركز بسبب ندوة الفقر بحسب تصريحات الجيب.
العقوبات
أما بشأن العقوبات التي يحددها القانون، وعلاقتها بأحكام القضاء، قال أحمد «إن النص القانوني يجرم الفعل، ومن ثم ينظر القضاء إلى الفعل فيما إذا كان يقع في طائلة التجريم من عدمه، فلا تملك النيابة العامة تحريك القضية إلا من خلال الباب الخامس من قانون الجمعيات (باب العقوبات)».
وفي حين أعلن رئيس المركز المنحل نبيل رجب عن نيته ورفاقه مواصلة نشاطهم الحقوقي على رغم صدور قانون الحل فيما يعد «كسراً للقرار»، نبه أحمد إلى ضرورة الاعتبار للنص القانوني القائم، مضيفاً «أما الجانب الحقوقي لقانون الجمعيات فبتقدير كل المؤسسات أنه ابن شرعي لقانون غير شرعي هو قانون أمن الدولة».
يذكر أن المادة (89) من قانون الجمعيات تحدد عقوبة لا تقل عن الحبس ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز 50 ديناراً للعديد من الحالات منها ممارسة النشاط بعد حل الجمعية.
فيما تنص المادة (92) من القانون على أنه «لا يخــل تطبيــق الأحكام المتقدمة بتوقيع عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر»، وفسر المحامي أحمد هذه المادة بقوله انها تعني «إذا كان الفعل ذاته يحمل عدة أوجه بحيث يشكل جريمة أخرى منصوص عليها في قانون آخر كقانون العقوبات فيتم الرجوع في العقوبة إلى هذا القانون. فعلى سبيل المثال الافتراضي لو أن جمعية ثبت تعاملها في مجال المخدرات فهي قد خالفت قانون الجمعيات من جهة ومن جهة أخرى خالفت قانون حظر المخدرات الذي قد تصل فيه العقوبة إلى الإعدام».
ويخشى فيما لو استمر أعضاء المركز في ممارسة نشاطهم الحقوقي على رغم حل المركز أن تجر هذه المادة إلى مواجهتهم لعقوبات أشد من تلك التي يثبتها قانون الجمعيات.
تجربة «المحامين»
وذكر أحمد بتجربة جمعية المحامين مع قانون الجمعيات، إذ قال «المحامون أول من اكتوى بنار قانون الجمعيات، وقد دخلوا في أكثر من مواجهة مع وزارة العمل بسبب هذا القانون، كانت المرة الأولى في العام 1990 عندما امتنعت الوزارة عن إعادة قيد جمعية المحامين لرفض المحامين حينها إدراج مادة عدم الاشتغال في السياسة في نظام الجمعية الأساسي، فقد عارضنا هذا التعبير لأنه ليس صحيحاً، فإبداء الرأي في الشئون العامة من واجب المحامين». مضيفاً «لذلك تلاحظ أن الجمعية الوحيدة التي لا تشتمل على (مادة الاشتغال) هي جمعية المحامين، ذلك طبعاً قبل إنشاء الجمعيات السياسية الحالية. أما المناسبة الأخرى التي واجهنا فيها هذا القانون فقد كانت عند قرار حل إدارة الجمعية العام 1999».
ويعطي قانون الجمعيات الحق للجمعية المنحلة (مركز حقوق الإنسان) فرصة تقديم دعوى قضائية ضد وزارة العمل للتظلم بشأن قرار الحل، وذلك خلال 15 يوماً من تاريخه، ويجب أن تنظر المحكمة الكبرى المدنية في الدعوى «على وجه الاستعجال» كما ينص على ذلك قانون الجمعيات نفسه.
وكان مسئول «الشرق الأوسط وشمال افريقيا» في منظمة «هيومن رايتس ووتش» جو ستورك قد صرح أثناء زيارته البلاد في مارس/ آذار الماضي بـ «إن حرية التعبير وحرية التنظيم يجب أن تنظم بقوانين جديدة تستجيب لمعايير حقوق الإنسان» مشيرا بذلك إلى قانوني الصحافة والجمعيات، قائلاً «الإصلاحات في ميدان حرية التعبير وحرية التنظيم لم تنعكس في قوانين وتشريعات»، وهو الرأي السائد لدى غالبية الحقوقيين والسياسيين في البحرين.
كما طالبت الجمعية البحرينية للحريات العامة ودعم الديقراطية برئاسة المحامي علي العريض مراراً بتعديل القانون، فيما جرت محاولة في مجلس الشورى للتعديل لم تجد طريقها للنجاح حتى الآن.
يذكر أن «منتدى الوسط» استضاف العام الماضي مجموعة من الأندية والجمعيات التي عبرت عن رفضها لقانون الجمعيات وطالبت بتعديله بما يتناسب ومرحلة والانفتاح على حقوق الإنسان والإصلاح الأمني والسياسي.
مركز حقوق الإنسان في سطور
أصدر وزير العمل مجيد العلوي مساء الثلثاء الماضي قراراً بحل جمعية مركز حقوق الإنسان بعد عامين من عمله، وهذه نبذة عن المركز:
- يعد المركز شقاً من نواة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان التي تأسست في أغسطس/ آب 2000 إذ كان نبيل رجب عضواً بارزاً فيها.
- فضل رجب (وقد ضم إليه عبدالهادي الخواجة وحسن موسى) تأسيس جمعية أخرى لحقوق الإنسان بعد اختلاف بشأن مدى التعايش بين مختلف التوجهات في الجمعية الأم.
- 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2001: طلب المركز من وزارة العمل تسجيله كمؤسسة خاصة تعمل في التدريب والدراسات.
- 20 مارس/ آذار 2002: تراجعت وزارة العمل عن الموافقة على تأسيس المركز بعد بوادر من الموافقة.
- 13 مايو/ أيار 2002: التقت مجموعة من مؤسسي المركز بجلالة الملك، إذ أيد حينها المشروع بعد أن اطلع على تفاصيله.
- 20 مايو 2002: رفضت وزارة العمل مجدداً التصريح للمركز كمؤسسة خاصة.
- 1 يونيو/ حزيران 2002: اجتمع المؤسسون الذين ارتفع عددهم إلى 26 فرداً وقرروا تحويل مسمى المركز من مؤسسة خاصة إلى جمعية عادية مع توسيع عملها.
- 6 يوليو/ تموز 2002: أصدرت وزارة العمل القرار رقم 45 لسنة 2002 بشأن الترخيص بتسجيل جمعية مركز البحرين لحقوق الإنسان.
- 24 يوليو 2002: نشر القرار في الجريدة الرسمية العدد 2540.
- 31 أغسطس 2002: اجتمعت الجمعية العمومية للمركز وانتخبت مجلس الإدارة الأول برئاسة عبدالعزيز أبل.
- 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003: انتخاب نبيل رجب رئيساً للمركز وعبدالهادي الخواجة نائباً له.
- استقال عبدالعزيز أبل من المركز بسبب مداخلة لأحد الحاضرين في ندوة أقامها المركز عن التمييز في البحرين وتعرض فيها إلى رموز الحكم، وقيل أنه استقال بسبب خلافات عن أسلوب تعاطي بعض أعضاء المركز مع بعض الملفات.
- توقف عبدالهادي الخواجة عن النشاط في المركز قبل حله بحوالي شهرين لأسباب لم تعرف بعد.
- سجل المركز حضوراً إيجابياً في الكثير من القضايا كان من بينها الدفاع عن الخادمات الأجنبيات والدفاع عن معتقلي غوانتنامو وإعداد دراسات بشأن التمييز.
- اصطدم المركز لأكثر من مرة مع وزارة العمل كان أبرزها حين أعد تقريراً عن التمييز في البحرين ودافع عن معتقلي العريضة الدستورية، إذ اتهمته الوزارة بالتدخل في القضايا السياسية وعدم التفريق بين ما هو حقوقي وسياسي.
- يرتبط المركز بعلاقات وثيقة مع منظمات دولية وأقليمية في مجال حقوق الإنسان.
- لم ير المركز ضرورة أخذ إذن مسبق لإقامة ندواته وفعالياته المختلفة، بل يرى ضرورة الإخبار بذلك فقط، ما خلق خلافاً دائماً بينه وبين الجهات الرسمية المختلفة المتمسكة بتطبيق قانون الجمعيات رقم 21 للعام 1989 عليه.
- حذرت وزارة العمل المركز من إغلاقه إذا لم يأخذ إذناً مسبقاً لإقامة ندوة عن الفقر في البحرين، والتي كانت آخر فعالياته وأقيمت في 24 سبتمبر الماضي.
- شارك عبدالهادي الخواجة في ندوة الفقر بصفة شخصية، واعتقل إثر تصريحات مست أحد رموز الحكم.
- 28 سبتمبر/ أيلول 2004: أصدر وزير العمل قراراً بحل المركز نهائياً وتصفية حساباته كافة.
- بين وزير العمل أن سبب إغلاق المركز لم يكن ندوة الفقر التي أقامها، وذلك بعد أن قال المركز إن الخواجة ليس عضوا في إدارته ولا يمكن تحميل المركز شيئاً مما قاله في الندوة، فيما اعتبر الوزير العلوي اتصالات خارجية قام بها رئيس المركز نبيل رجب هي سبب الحل.
ويطرح مركز حقوق الإنسان عدة أهداف علنية لعمله، وقد وافقت عليها وزارة العمل منذ تأسيسه، وهي:
1- التعريف بالمبادئ الدستورية والتشريعات والقوانين الوطنية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
2- بحث وتذليل الصعوبات التي تواجه تطبيق القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والعمل على ان تكون التشريعات والقوانين المحلية منسجمة فيما بينها ومتلائمة مع المواثيق الدولية ذات الصلة. وبناء مداخل فكرية وقانونية لحل الإشكالات المتعلقة بذلك، والمساهمة في تطوير القوانين على الصعيد الدولي.
3- تعزيز الحقوق المدنية والسياسية، والمساهمة في تنمية قدرات هيئات المجتمع المدني.
4- مناهضة التمييز بكل أشكاله.
5- تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحث جهود التنمية المستدامة، والسعي لان يتوافق التحول نحو العولمة مع مبادئ حقوق الإنسان.
6- إعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بحقوق الإنسان والانتهاكات المتعلقة بها، والمساهمة في جهود تطوير استخدام التقنيات الحديثة في نشر المعرفة وتبادل المعلومات بحقوق الإنسان.
7- التعاون مع الهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية فيما يرتبط بنطاق عمل المؤسسة في داخل وخارج مملكة البحرين
العدد 757 - الجمعة 01 أكتوبر 2004م الموافق 16 شعبان 1425هـ