حذر السيّد محمد حسين فضل الله، من الغزو الجهنمي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية في كل الساحات وعلى مستوى العالم، معتبراً إياها رائدة الفوضى في العالم والدولة الأولى المارقة على القانون الدولي. وأشار إلى أن الإدارة الأميركية تستخدم «إسرائيل» هراوة نووية بعدما ساهمت في تحويلها إلى دولة عظمى نووياً، في الوقت الذي تمارس ضغوطاً على دول الاتحاد الأوروبي لمحاصرة إيران ومنعها من الحصول على تقنية نووية في الأغراض السلمية.
جاء ذلك رداً على سؤال في ندوته الأسبوعية عن الصراع المحتدم بين ما يسمى «قوة القانون» وقانون القوة الذي تجسده الإدارة الأميركية والذهنية الإسرائيلية؛ وقال: «يعيش العالم في هذه الأيام تحت ضغط القوة المتسلّطة - وإن بدرجات متفاوتة - ففي القمة نجد أن الدولة الوحيدة الكبرى التي تحرك سلاحها في هوى أطماع ومصالح إدارتها ومن دون أية ضوابط قانونية، وتصوغ الأمور على أساس أن يكون لها قانونها الخاص، لأنها تختزن شخصية الهيمنة والعقلية الإمبراطورية التي تسعى لفرض قانونها على العالم، في محاولتها لتأكيد قيادتها الحاسمة على العالم كله وبعيداً عن كل القوانين والأعراف والمقاييس».
وتابع: «وفي متناول هذه الإدارة أسلوبان من أساليب العمل، فهي إذا تمكّنت من جعل القانون الدولي يسير في خدمة أهدافها ومصالحها لجأت إليه، كما فعلت في حرب أفغانستان، وإذا لم تستطع ذلك عملت على اللعب على هذا القانون وتحريفه واستغلال بعض الثغرات فيه لحساب مصالحها وأطماعها، كما حصل في حربها على العراق التي أكد الأمين العام للأمم المتحدة حديثاً بأنها لم تكن حرباً شرعية حسب القانون الدولي وقوانين الأمم المتحدة. ولكن هذا الكلام على أهميته لم يُثِر إلا مجرد ردود فعل سياسية عادية في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، مع أن المسألة تفترض محاكمة عالمية كبرى للرئيس بوش وإدارته على كل هذه الأرواح التي أزهقت وكل الضحايا الذين سقطوا، وكل الدمار والأموال التي صرفت من مستقبل المنطقة ومستقبل أجيالها، وعلى كل هذا الاستغلال السيىء للقوة في مواجهة ما يسمى «قوة القانون».
الدولة المارقة
وقال فضل الله: «إن أميركا هي الدولة الكبرى الوحيدة في العالم التي تمارس غزواً جهنمياً في كل الساحات، وهي وإن استهدفت العالم العربي والإسلامي بشكل مباشر، إلاّ أنها تعمل على فرض قوتها وهيمنتها وقانونها الخاص على العالم كله. ولذلك فنحن نوافق على ما تحدث به أحد المسئولين في الفاتيكان بأن الذي يجري هو حرب عالمية رابعة، وأن أميركا تقود هذه الحرب، وأن الحروب العالمية السابقة كانت تتحرك ضمن مساحات جغرافية محددة ولكن هذه الحرب تشمل العالم كله. لأن هذه الإدارة قرّرت اجتياح العالم، وركّزت على المنطقة العربية والإسلامية انطلاقاً من أهدافها الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت عينه تضغط على العالم كله تحت عنوان الحرب على الإرهاب.
ولكنها ومع كل هذه التكنولوجيا العسكرية المدمرة لم تستطع أن تحقق أي انتصار لا في أفغانستان ولا في العراق، لأنها فشلت في إدارة البلد وغرقت في الرمال العراقية والأفغانية المتحركة، واعترف الرئيس بوش بأنه لم يتوقع أن يواجه هذا الحجم من العقبات، ما يؤكد أن هذه الإدارة لا تملك رؤية مستقبلية للتغيير، وإن كانت تمتلك الجرأة على تحريك الآلة العسكرية بشكل تدميري واسع وباستهداف مباشر للمدنيين بشكل غير مسبوق في هذه المرحلة إلا فيما تفعله «إسرائيل»، وذلك فضلاً عن جرأتها على القفز فوق قواعد القانون الدولي، وإسقاطها لجميع الطرق الحضارية القانونية التي كان يمكن للعراقيين أن يحركوها لصنع مستقبلهم ورخائهم وأمنهم الذي سرق منهم بفعل الاحتلال وما نتج منه من ويلات وما أفسحه في المجال أمام كل العابثين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
هراوة نووية
وأضاف فضل الله: «ثم إن أميركا التي تمثل الدولة العظمى المتسلطة على القانون الدولي عملت على تحريك قوة رديفة لها لتكون بمثابة القوة العظمى في المنطقة، فدعمت ربيبتها «إسرائيل» في احتلالها لفلسطين ولأراضٍ في الدول المجاورة واستخدمتها كهراوة أمنية وعسكرية ونووية في مواجهة المنطقة كلها، فهي طوراً تجتاح وأخرى تغتال وثالثة تقصف، كما جرى في قصفها لمفاعل تموز العراقي، ورابعة تهدد كما في تهديدها الأخير لإيران في المسألة النووية.
أما في فلسطين فهي ترتكب يومياً جرائم وحشية أسقطت فيها أبسط قواعد القانون الدولي من خلال قتلها للمدنيين وتجريفها للبيوت وإقامة الجدار العنصري ونشر المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، والإدارة الأميركية توافق على ذلك عملياً حتى وإن أظهرت كلاماً مغايراً في بعض الحالات... وإذا شعرت بأن المسألة ستصل إلى مجلس الأمن، كما في قرار محكمة العدل الدولية حيال الجدار العازل، هددت باستخدام «الفيتو».
وأردف: «إن أميركا تعتبر رائدة الفوضى في العالم والدولة الأولى المارقة على القانون الدولي، وهي التي عملت لكي تكون «إسرائيل» دولة نووية عظمى، وهي التي تدافع عن غطرستها وجرائمها وعن امتلاكها للسلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل في الوقت الذي تتعهد على لسان رئيسها بأن تمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية، التي أعلنت طهران من خلال أعلى موقع ديني فيها أنها لا تجد شرعية لإنتاج السلاح النووي، وأنها لا تتحرك إلا للأغراض السلمية في هذا الملف، ومع ذلك، فإنّ أميركا ضغطت على الاتحاد الأوروبي وأسقطت حتى القانون الدولي في هذه المسألة بالذات، على رغم توقيع الجمهورية الإسلامية ملحق وكالة الطاقة الدولية لأنها تريد أن تمنع إيران من امتلاك الخبرة النووية».
الهمس الأوروبي
وخلص إلى القول: «اننا نريد لشعوب العالم ودوله أن تعمل على مواجهة هذه الغطرسة الأميركية التي جعلت العالم كله يعيش حالاً من القلق والضياع، بفعل هذا الإسقاط المتعمد للقانون الدولي إلى المستوى الذي باتت فيه البشرية مهددة بعيداً عن الوازع القانوني والأخلاقي، ونريد للدول الأوروبية التي سمعنا كلاماً هامساً من بعض سفرائها، أن الضغط الأميركي عليهم هو الذي جعلهم يسلكون هذا الخط في مواجهة إيران والدول العربية والإسلامية، أن يكونوا حريصين على حماية القواعد الأخلاقية والإنسانية التي تنتهكها أميركا و«إسرائيل» كل يوم، وعلى الأقل أن يتحركوا لتطبيق قوانين الأمم المتحدة لتكون لديهم شجاعة الدفاع عن قراراتها لا أن يعملوا لاستصدار قوانين تطالب سورية بالانسحاب من لبنان، في الوقت الذي لا يبذلون أية جهود لإخراج «إسرائيل» من الأراضي التي احتلتها أو أن يطالبوها بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة بهذا الشأن»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 756 - الخميس 30 سبتمبر 2004م الموافق 15 شعبان 1425هـ