بعد أقل من أسبوع من الآن، تفتتح الدورة الثالثة والستون من مهرجان «كان» السينمائي الدولي في الجنوب الفرنسي، نشاطاتها. وستكون، كالعادة بالنسبة الى هذا المهرجان الذي هو الأشهر والأكثر فاعلية بين شتى مهرجانات السينما العالمية، دورة حافلة ومتنوعة... حتى وإن كان تأخير إعلان أسماء المشاركين، مبدعين ونجوماً وأفلاماً، الى أيام قليلة قبل انعقاد الدورة، يوحي – كما الحال دائماً – بنوع من الفراغ. والحقيقة أن تأملاً لما سوف يعرض في الدورة، وفي شتى تظاهراتها، على ضوء ما يمكن أن يعرف مسبقاً عن هذه الأفلام، يقدم فكرة أخرى، آيتها الامتلاء... وفحواها اننا سنكون مرة أخرى أمام احتفال سينمائي ما بعده من احتفال. وإذا كنا في رسائل لاحقة سوف نتابع أبرز علامات هذا الاحتفال، فإننا ننشر هنا – كما اعتادت «الوسط» أن تفعل على عتبة المهرجان كل عام – نوعاً من مدخل أوّلي لالتقاط أبرز علامات الدورة ونشاطاتها... وإذ نقول «أبرز العلامات» هنا فإننا لا نعني «كلها».. ذلك أن هذا «الكل» سوف يتوضح بالتدريج يوماً بعد يوم، بدءاً من الأربعاء المقبل، حيث سيكون الاحتفال الصاخب بالافتتاح عبر واحد من أكثر أفلام هذا الموسم استعراضية: «روبن هود» للانجليزي ردلي سكوت، ومن بطولة راسل كراو... وهو فيلم سوف نعود الى الحديث عنه في الأسبوع المقبل. أما هنا فهاكم المفاتيح الاساسية مرتبة ترتيباً أبجدياً.
منذ سنوات كثيرة، ومع بدء فورة الانتاج السينمائي في الكثير من بلدان القارة الآسيوية، مثل الصين وتايوان واليابان وهونغ كونغ وحتى تايلند وماليزيا، اعتادت سينما هذه البلدان أن تكون حاضرة في التظاهرات «الكانية» بقوة، كما اعتادت على الفوز بالجوائز. صحيح أن ثمة هذا العام أفلاماً لا بأس فيها عددياً، من اليابان والصين وغيرهما، ولكن من اللافت ان هذه الافلام، والتي قد يكون بعضها مفاجئاً، لا تشكل متناً يمكّن من الحديث عن عودة قوية للسينما الآسيوية. ومع هذا علينا أن نراقب جيداً عودة كيتانو من جهة، وبعض الأفلام الاولى من جهة ثانية، فلعله سيكون فيها ما قد يعوض شبه غياب ملحوظ.
حتى اللحظة لا يبدو أن للسياسة حضوراً قوياً في دورة هذا العام، ومع هذا ربما في وسعنا ان نقول إن بشكل ما، ومن منظورين مختلفين فنياً على الأقل، إن لم يكن فكرياً، يحضر الاقتصاد للتعويض، وذلك من خلال عملين يحملان اسمين كبيرين، وان لم يكن من المأمول توخي جديد في أي منهما. فمن ناحية يعود أوليفر ستون، الأميركي المشاغب، الى فيلم قديم له هو «وول ستريت»، ليستكمله بفيلم جديد يحمل عنوان «وول ستريت –2: المال لا ينام». هنا في هذا الفيلم، كل التوقعات تبدو مسموحة على ضوء نظرة ستون الى ما يتخبط فيه العالم من ازمة مالية – اقتصادية، سيحاول ان يقول لنا في فيلمه الجديد إن جزءه الأول، قبل ربع قرن كان تنبأ بها. ومن ناحية ثانية يعود أحد كبار سينمائيي العالم، جان – لوك غودار، الى أسلوبه الاستفزازي والبديع في تشظيه الشكلي في فيلمه الجديد «الاشتراكية – فيلم» ليطرح من خلال تصادم شخصيات ومواقف، نظرته هو الآخر إلى اقتصاد العالم، وسياسته. وربما سيكون حضور فلسطين الجزئي في فيلم غودار، الحضور الفلسطيني الوحيد في مهرجان كان اعتاد أن يعطي فلسطين حضوراً أوسع بكثير.
ربما من الصعب القول إن عرض مهرجان سينمائي كبير – مثل «كان» – لعدد كبير من الأفلام الأولى التي حققها مخرجون شبان جدد، يمكن أن يعني شيئاً كثيراً. ولكن حين نعرف ان مهرجان «كان» تحديداً، اعتاد على حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن الذين يقدمهم في أفلامهم الأولى، سرعان ما يصبحون أهل السينما الكبار خلال سنوات، سنفهم كيف ان المؤتمر الصحفي لإعلان أسماء الأفلام المشاركة، ركّز على وجود عدد لا بأس به من الافلام الاولى في تظاهرات كثيرة، وحتى في عروض التظاهرة الرسمية – انما خارج المسابقة – (فيلم «آبيل» لدييغو لونا، مثلاً) ثم خاصة في تظاهرة «نظرة ما».. ومن هنا لا بد لنا ان نرصد أسماء جديدة مثل ديريك سينانفرانس وفابريس غوبيير وفكرامادييتا موتاوان والاخوين نيغا... لنرى خلال السنوات المقبلة ما اذا كان «كان» لا يزال قادراً على الاكتشاف.
لسنوات قليلة خلت كان المكسيكي أليخادرو غونزاليس اينياريتو صاحب «فيلم أول» برز اول ما برز في «كان».. بعد ذلك توالت أفلامه لتشكل ثلاثة منها: «غراميات/ كلاب»، و «21 غراما» و «بابل»، واحدة من أقوى الثلاثيات في السينما المعاصرة. بعدما اكتملت هذه الثلاثية تساءل كثر: ماذا بعد؟ هل أفرغ اينياريتو كل ما عنده؟ الجواب هذا العام بفيلم ينتظره كثر، وهو «بيوتفيل» المشارك في المسابقة الرسمية، والذي فيه يخرج المكسيكي الشاب عن اسلوب التشظي التركيبي الذي كان طبع ثلاثيته: هذه المرة يقدم حكاية عن خارج على القانون يكتشف ان الشرطي الذي يطارده كان رفيقه في الدراسة. موضوع عادي؟ هنا، من المؤكد انه بين يديّ ايناريتو يفقد عاديته!
قبل سنوات قليلة ايضا أدهش الجزائري الأصل، أهل كان – ثم أهل السينما لاحقاً – بفيلمه الفرنسي «السكان الاصليون» الذي تحدث فيه عن تضحيات المغاربة انقاذاً لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. وبوشارب معروف بمواضيعه الشائكة من حول الوجود العربي في الجزائر، ثم في أوروبا عموماً (فيلم الأخير تدور أحداثه في لندن). في جديده «الخارج على القانون» الذي يشارك في المسابقة الرسمية، يظل بوشارب على همومه المغاربية... فهل يفاجئ هذه المرة ايضاً؟
يعتبر تافرينيه اليوم الاقدم بين مخضرمي السينما الفرنسية، حتى وان كان اهتم بالكتابة خلال السنوات الماضية (حيث أعاد اصدار طبعة ضخمة من كتابه الشهير عن السينما الاميركية)، أكثر من اهتمامه بالسينما. وهو إذ يهتم بها اليوم، يغوص من خلالها في التاريخ الفرنسي، عبر حكاية غرام وفروسية، اقتبسها من قصة كلاسيكية لمدام دي لافاييت. فهل تراه سيقدم هنا معادلاً ما، لفيلم الافتتاح «روبن هود» ام ان تاريخية هذا واستعراضيته، سوف تظلل على تاريخية «أميرة مونبانسييه»؟
منذ اللحظة التي أعلن فيها عن ان تيم بورتون سيكون هو رئيس لجنة التحكيم، ساد اقتناع بأنه من الصعب ان تكون نتائج حفل الختام هذه المرة عادية، او حتى مثيرة لأي اعتراض. سمعة بورتون انه مشاكس واستفزازي.. ونزيه. ومن هنا الترقب منذ الآن، كيف سيختار هو ورفاقه في لجنة التحكيم الرئيسية (ومن بينهم الممثلون كيت بكنسدال وبينشيو ديل تورو وجوفانا متزوجورنو). في المقابل يرأس الكندي الأرمني من أصل مصري آتوم ايغويان، لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، كما ترأس المخرجة الفرنسية كلير دينيس لجنة تحكيم تظاهرة «نظرة ما...».
منذ عامين، بدأ البرتغالي مانويل اوليفيرا يتخطى القرن الاول من عمره (ولد العام 1908).. ومع هذا، في كل مرة يتحضر فيها عالم السينما لوداعه وتكريمه على اعتبار انه صار عميد السينما في العالم، هو الحاضر في هذه السينما منذ ثلاثة ارباع القرن، يفاجئ دي اوليفيرا بكونه لا يزال منتجاً... ولديه مشاريع مستقبلية، ويحب ان يشارك في المهرجانات... غير انه هذه المرة، على الأقل، آثر أن يحضر خارج المسابقة. ومن هنا، من دون تشويق، سوف نشاهد فيلمه الجديد «انجليكا»... على الأقل لنرى كيف ينظر صاحب المئة عام وأكثر الى العالم والى السينما اليوم.
هما اليوم بالتأكيد، والى جانب زميلهما ومجايلهما كين لوتش، المخرجان الانكليزيان الاشهر، وحتى الأكثر ارتباطاً بسينما بلدهما ومجتمعه، سياسياً وفكرياً... ومن هنا يعوضان معاً على غياب كين لوتش الذي حضر العام الماضي بفيلم «رياضي». ولكن اذا كان مايكل لي الذي اعتاد حضور «كان» وحتى الفوز فيه يعود في حكاية اجتماعية «عام آخر» يحاول فيها انتزاع فوز جديد، ها هو فريرز يفضل أن يكون خارج المسابقة بعمل مقتبس من حكاية شرائط مصورة «تامارا درو».. غير انه لن يكون، فيه، بعيداً عن السياسة والنقد الاجتماعي...
لا يمكن القول هذا العام إن الحضور الأميركي اللاتيني في التظاهرات الرئيسية، كبير.. لمشاهدة سينما هذه القارة الصاخبة علينا ان نتجه الى تظاهرة «نصف شهر المخرجين» المستقلة (التي سنعود اليها في رسالة لاحقة). أما هنا فلنكتف بفيلم ينتظره كثر لواحد من اكثر المخرجين الشيليين حضوراً ونشاطاً... وارتباطاً بمفاهيم النضال: باتريسيو غوزمان، الذي بعدما قدم قبل سنوات عملاً تسجيلياً مميزاً عن صديقه الراحل الشهيد سلفادور آليندي، يعود هنا بفيلم منتظر عنوانه «حنين الى النور»... وكعادته سيلفت غوزمان في جديده هذا انظاراً كثيرة، ويثير الحنين الى أزمان مضت...
حسناً... أميركا الهوليوودية غائبة... العرب غائبون... الكثافة الآسيوية غائبة... والشكوى بدأت منذ الآن، فهل علينا، كما جرت العادة، ان نتوقف عند الغائبين – لأسبابهم الخاصة كما يؤكد اهل المهرجان – ونسيان الحاضرين...؟
إذا كان كثر غائبين.. فإن فرنسا، التي يجري المهرجان على أرضها، حاضرة وبكثرة... بل وبأكثر مما يجب بالتأكيد: ما لا يقل عن خمسة أفلام في التظاهرة الرسمية وحدها (فيلمان «لعربيين» هما رشيد بوشارب ومحمد صالح هارون التشادي، الى أفلام تافرينيه وامالريك و دوبونوا). ومساهمات مالية انتاجية في اكثر من دزينة أخرى من الافلام. ترى متى يتحول مهرجان «كان» برمته الى صراع فرنسي/ فرنسي خالصاً؟
على أية حال سيقول كثر إنها العولمة: أموال السينما وغلاة متفرجيها لم يعودوا يفرقون بين بلد وبلد. والدليل الأكثر حضوراً، في «كان» هذه المرة، فيلم الإيراني عباس كياروستامي الجديد «نسخة طبق الاصل». هو انتاج فرنسي/ ايطالي، من بطولة فرنسية (جولييت بينوش) وانجليزي.. وتدور احداثه في قرية ايطالية. منذ الآن بدأت الصحافة الايرانية تهاجمه على اساس انه «يشوه صورة ايران»! كيف؟ لا أحد يدري... فهل تصدر السلطات الايرانية خلال المهرجان بياناً تتبرأ فيه من الفيلم؟
هو بالتأكيد الياباني الاشهر في سينما اليوم. وهو بالتأكيد الياباني الاكثر حضوراً في مهرجان «كان» منذ عقدين، كما في غيره من المهرجانات. وهو الآن يعود، بعد غياب طال، وفي فيلم يقول بعض الذين شاهدوه حتى الآن، انه مفاجئ، حتى وان كان كيتانو لم يخرج فيه عن مواضيعه، الساذجة بشكل مزيف عادة، والتي تدور في اجواء رجال العصابات وحياتهم اليومية. منذ الآن نشير الى ان الذين شاهدوا «غضب عنيف»، وهم قلة على أية حال، يتوقعون له جائزة كبرى!
... لكن ميخالكوف الذي يعتبر اليوم صاحب السلطة الاقوى في السينما الروسية المعاصرة، يتطلع بدوره الى جائزة، ربما تكون الاولى... ذلك انه لا يعود،هكذا مجاناً، الى المشاركة في «كان» ولا سيما في فيلمه الجديد «الشمس الخادعة رقم 2». فعبر هذا الفيلم الذي ليس في حقيقته سوى جزء ثان مكمل – بشكل أو آخر – لآخر فيلم كان قدمه في كان قبل 15 سنة تقريباً، وبنفس الاسم، يحاول ميخالكوف ان يجدد انتصاره القديم. ومن جديد عبر فضح للستالينية وتأثيرها المرعب على حياة الناس في سنوات الأربعين.
كم مرة شارك وودي آلن في «كان» حتى الآن؟ شارك كثيراً بالتأكيد، ولكن دون ان يهتم بأن يتبارى مع أحد. بالنسبة اليه مشاركة أفلامه في «كان» هي مدخل لحضور الفيلم لدى الجمهور العريض لا أكثر. ولربما يمكن ملاحظة انه يعرض في المهرجان ومنذ سنوات واحداً من بين كل فيلمين يحققهما. هذه المرة ها هو فيلمه الجديد «ستقابلين رجلاً غريباً طويلاً غامضاً» يعرض خارج المسابقة... وذلك في وقت يستعد فيه وودي لتحقيق فيلم جديد... في فرنسا تحديداً ستلعب فيه السيدة الاولى كارلا ساركوزي دوراً رئيسياً... في الحقيقة ما كان لوودي ان يصور فيلمه الجديد في فرنسا، من دون ان يعطي سابقه لـ «كان» ولوعلى مضض. ومع هذا، من المؤكد ان عرض فيلم آلن، ولو خارج المسابقة سيشكل أحد الاحداث الاساسية في المهرجان.
... وكذلك ستكون عودة هذا المخرج الجورجي الكبير، بعد سنوات غياب طويلة، في فيلم جديد له عنوانه «شانتراباس». وعبر هذا الفيلم سوف نشاهد، بالتأكيد، كيف ينظر الى العالم وصراعاته اليوم، مخرج ثمانيني، بات اليوم مواطناً في بلد يعيش حال عداء حادة مع البلد الذي كان ينتمي اليه سابقاً (الاتحاد السوفياتي) والذي تقلص اليوم ليصبح روسيا... لا أكثر. لقد كان يوسلياني في روائعه القديمة مشاغباً على موسكو... فهل لا يزال حتى اليوم، ام صارت مشاغبته على تقليس (عاصمة جورجيا)؟
العدد 2799 - الأربعاء 05 مايو 2010م الموافق 20 جمادى الأولى 1431هـ