خلال نقاش دار بيني والزميل قاسم حسين قبل أسابيع حول توقعاتي لنتيجة الانتخابات السودانية الأخيرة، قلت إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم سيحصل على 60 في المئة من مقاعد البرلمان الاتحادي وسيحصل شريكه في الحكم، الحركة الشعبية لتحرير السودان، على 30 في المئة وبقية الأحزاب الأخرى على 10 في المئة من تلك المقاعد.
ولم يخطر ببالي وقتها، على رغم وضعي في الاعتبار للظروف الموضوعية في السودان والتي تميل بالطبع لصالح الشريكين، أن يكتسح المؤتمر الوطني الانتخابات بهذا الشكل المبالغ فيه وأن تنال بعض الأحزاب المعارضة التي شاركت في الانتخابات عدة مقاعد فقط.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة لماذا اكتسح المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الانتخابات على مستوياتها الرئاسية والولائية (حكام الولايات) والمجلس الوطني الاتحادي والمجالس الشعبية في جميع الولايات في شمال وجنوب السودان؟
ذهب البعض إلى أن نسبة الوعي السياسي لدى الناخب السوداني قد تراجعت خلال السنوات العشرين لحكومة الإنقاذ ولذلك أتت النتيجة بهذا الشكل، لكن في المقابل نستطيع أن نقول إن نسبة الوعي السياسي لدى الشعب السوداني قد ارتقت ولذلك صوتت حتى الغالبية الصامتة التي لا تنتمي للمؤتمر الوطني ولا لبقية القوى السياسية للرئيس عمر البشير ورئيس الجنوب سلفاكير ولمرشحي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية للبرلمانات المختلفة.
ولمعرفة تفاصيل ذلك الترجيح أطرح السؤال بطريقة مختلفة. وهو: لماذا لم يصوّت الناخب السوداني للأحزاب المعارضة؟
لقد كان أداء الأحزاب المعارضة سواء تلك التي شاركت أو قاطعت الانتخابات خلال الحملات الانتخابية رديئاً بل وإن المتابع لها أدرك منذ الوهلة الأولى أنها تعاني من شعور داخلي بالهزيمة حتى قبل توجه الناخب لصناديق الاقتراع. كما أن تلك الأحزاب وقعت فريسة لمكر الحركة الشعبية التي دعتها لمؤتمر جوبا وكان اعتقاد المتابعين أن الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة ستنسق فيما بينها لخوض الانتخابات بمرشح واحد لرئاسة الجمهورية لمنع البشير من الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى على أقل تقدير. لكن وضح جلياً أن الحركة الشعبية استغلت تلك القوى لتحقيق أهدافها الخاصة وتركتها في مهب الريح عند لحظة الحسم وانسحب ذلك التصرف لصالح المؤتمر الوطني.
دخول الإعلام السوداني والعربي والدولي بقوة في العملية الانتخابية هذه المرة كشف عورة الأحزاب المعارضة وفضحها أمام الناخب السوداني في الداخل والخارج لأنها فشلت حتى في اتخاذ قرار واضح من المشاركة أو المقاطعة حتى قبل 24 ساعة من توجه الناخبين لصناديق الاقتراع ناهيك عن طرح برامج مقنعة، وعليه كان لذلك أكبر الأثر في اتخاذ العديد من الناس قرار التصويت للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية لأنهما كانا الأكثر تنظيماً والأوضح رؤية.
هل تناسى الناخب السوداني المرارات التي عاشها طيلة أعوام الإنقاذ التي تجاوزت العشرين؟ أم أن في الأمر جديد؟ أعتقد أن الناخب وفي حسبة بسيطة عندما ينظر بشكل عام فيما حققته أعوام الإنقاذ من مكاسب ويضع ذلك في كفة ويضع الإخفاقات في كفة قد يميل لهذه أو تلك. لكن عندما يضع عهد الحكومات الحزبية في الميزان يرجح كفة الفشل دون أدنى شك لأنها لم تحقق شيئاً يذكر، ويضيف لذلك الفشل الراهن ويصبح بالتالي الخيار أمامه واضحاً وجلياً.
الأحزاب المعارضة لم تستغل الفرصة التي أتيحت لها لتشارك في عملية الانتقال السلمي للسلطة بشكل إيجابي كما كان يرجو الشعب السوداني من أجل تصحيح المسار. ولم يكن في حسبان الكثير أنها ستحدث اختراقاً لضعفها الناجم عن سنوات طوال حرمت فيها من ممارسة العمل السياسي، لكن في أضعف الإيمان كان يمكن أن تسبب قلقاً للحكومة وتدرك حجم قوتها الحقيقية في ظل المتغيرات الحادثة في البلاد وأن تجد لها موضع قدم مريح في البرلمان تستطيع من خلاله أن تطلق عنان صوتها، لكن يبدو أن الأحزاب لم تضع مصلحة الوطن في مقدمة أولوياتها وخشيت من كشف الحال.
المعارضة لم تستفد من التمثيل النسبي في الانتخابات وهو الأمر الذي كانت تطالب به بقوة ما كان يسمى عقب انتفاضة 1985 بالقوى الحديثة (هي في الغالب أحزاب اليسار والنقابات المهنية) وكان يمكن أن تفوز بعدة مقاعد إن هي أحسنت إدارة حملاتها الانتخابية وخاضت المعركة بعقل منفتح وليس بإحساس المنهزم.
كلمة أخيرة، نتيجة انتخابات 2010 توضح أن الساحة السودانية موعودة بظهور قوى سياسية جديدة تعبر عن طموحات الناخب السوداني الذي ملّ من استمرار تمسك القيادات التاريخية للأحزاب التقليدية على مواقعها وعدم إعطاء الشباب الفرصة. وإن خريطة الوضع الراهن لا تعبر بشكل حقيقي عن حجم القوى السياسية وعليه فمن الخطأ أن يحس المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بالغرور ويزدادوا تغطرساً فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد.
إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"العدد 2798 - الثلثاء 04 مايو 2010م الموافق 19 جمادى الأولى 1431هـ
انت كاتب السلطان
للأسف الكاتب منحاز تماماً لجانب حكومة البشير رغم ادعائه للحياد.
أنت تكتب من بعقلية البشير واتباعه لذلك لن تعترف أبداً ان الانتخابات كانت مهزلة.
وان الشعوب لا تتطور فكرياً في ظل الأنظمة القمعية، ففي عهود الظلم والضرائب والجبايات ينحدر وعي الإنسان دائماً
ثورة الأنقاذ التي انت سعيد بها وتمدح فيها بمقابل ثق في أنها دمرت السودان.
أين قوة السودان العسكرية وهل دخلت الجيش السودان منذ استيلاء الرئيس المزوِّر عمر البشير على السلطة في أي حرب ضد أي دولة رغماً عن اراضي السودان المهوبة بواسطة مصر واثيوبيا
والله يا زول انت مسكين
الى الاخ الكاتب للاسف انت في واد والدنيا في واد وللاسف ان الحكم على الناس منك ظلم هل لان الناس تريد الاستقرار نسيت يا زول حال السودان ايام حكام مضوا وحال السودان الان؟