العدد 2378 - الثلثاء 10 مارس 2009م الموافق 13 ربيع الاول 1430هـ

الانتخابات اللبنانية بوصفها مرآة التحولات الإقليمية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حرارة الانتخابات اللبنانية بدأت بالارتفاع، ويرجح أن تواصل سخونتها حتى تفتح صناديق الاقتراع بعد يوم التصويت في 7 يونيو/ حزيران المقبل ويعرف الفائز.

أهمية الاهتمام بنتائج الانتخابات النيابية في لبنان لا تأتي من عوامل داخلية فقط بل لكونها تعكس التوازن الإقليمي (الجواري والعربي) في دائرة «الشرق الأوسط». وبسبب خصوصية بلاد الأرز وتحولها من جديد إلى ساحة مكشوفة على معطيات ومفتوحة على متغيرات بعد العدوان الإسرائيلي في صيف 2006 بدأ الاهتمام الدولي يتركز لمعرفة الاتجاهات والتوجهات والبناء عليها لتأسيس قراءة تتجاوز حدود لبنان.

المعركة الانتخابية لبنانية في إطار التنافس ولكنها ليست كذلك في سياق قياس نسبة التوازن الإقليمي وموقع المحاور في الدائرة الجغرافية لمنطقة مهمة في «الشرق الأوسط». لذلك تبدو المعركة الديمقراطية (الطائفية) مراقبة دوليا لأن نتائجها تعطي صورة مصغرة عن توازنات إقليمية. مثلا إذا فازت قوى «14 آذار» بغالبية ساحقة فمعنى ذلك أن الرياح الإقليمية أخذت تتجه نحو تغليب منطق على آخر. وإذا فازت «14 آذار» بغالبية نسبية بسيطة فمعنى ذلك أن التوازن الزئبقي لايزال يتحكم بالمعادلة الميدانية.

بعض القوى الدولية والإقليمية والمحلية يتعامل مع الانتخابات بوصفها إشارة سياسية ترسم معالم التعامل مع سلاح «حزب الله». وترى تلك القوى على اختلاف نزعاتها الإيديولوجية أن الاقتراع في 7 يونيو يعادل الاستفتاء على السلاح فإذا فازت «8 آذار» فمعنى الأمر أن الشعب اللبناني يريد المقاومة وليس في وارد التخلي عنها. وإذا فشلت «8 آذار» في تأمين غالبية نيابية فمعنى ذلك أن السلاح انكشف واختار الشعب الدولة وحقها الحصري في امتلاك أدوات القوة.

هذا التبسيط يمكن الاطلاع على خلفياته وتفصيلاته في الكثير من التصريحات والبيانات ولكن الواقع يتحدث لغة أخرى لا علاقة لها بالأرقام ولا بنتائج التصويت في صناديق الاقتراع. المسألة أكثر تعقيدا وهي لا تعني بالضرورة أن الغالبية الشعبية تستطيع سحب سلاح «حزب الله» في حال اكتسحت «14 آذار» مقاعد مجلس النواب كذلك لا يستطيع «حزب الله» اكتساح مقاعد البرلمان حتى لو نجح عسكريا في اجتياح شوارع بيروت في 7 مايو/ أيار 2008. فمن يتغلب في معركة الصناديق لا يملك بالضرورة القدرة على التغلب في معركة السلاح، ومن يتغلب في معركة الشوارع (الأزقة والأحياء) لا يعني أنه بات في موقع شعبي يسمح له بتسجيل فوز في معركة الصناديق.

قراءة الانتخابات في جانبها اللبناني شديدة التداخل. فالأقوى عسكريا ليس بالضرورة أقوى انتخابيا. والأقوى انتخابيا ليس بالضرورة الأقوى عسكريا. وهذا الأمر تتجاهله تلك الأجهزة الدولية والإقليمية التي ترصد الانتخابات في بلاد الأرز حين تنظر إلى النتائج في صورة سياسية مجردة عن تضاريس الطوائف والمذاهب والمناطق التي يتشكل منها النسيج اللبناني. الغالبية والأقلية في البرلمان البريطاني أو الكونغرس الأميركي تختلف في تكوينها الأهلي عن الغالبية والأقلية في مجلس النواب اللبناني. والاختلاف ناتج أصلا عن طبيعة نظام بلاد الأرز الذي يعتمد قانون المحاصصة (الكوتا الطائفية والمذهبية والمناطقية) التي تتقاسم المقاعد وتوزعها وفق تراتب نسبي متوافق عليه سلفا.


خصوصية ومعادلات

نظام «الكوتا» المعمول به منذ توليد الكيان اللبناني يعطل نمو مظلات سياسية خارج التكتلات الطائفية والمذهبية والمناطقية (العائلية). والتعطيل يمنع بدوره تكوين شرائح موالية أو معارضة في المعنى السياسي التقليدي المتعارف عليه في الولايات المتحدة أو بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من «الدول الديمقراطية».

هناك خصوصية لبنانية تعطي الانتخابات المحلية تعريفات مخالفة للكثير من المفردات والمصطلحات المتداولة في قواميس اللغة والسياسة. وهذه الخصوصية تكون دائما محكومة بمجموعة معطيات إقليمية ومتغيرات دولية تؤشر بهذا الاتجاه أو ذاك ولكنها لا تقلب معادلات وتطيح بها إلا إذا حصلت تطورات جذرية بالغة الأهمية على مستوى توازن القوة في المحيط الجغرافي والإقليم السياسي (الشرق الأوسط).

هذه الخصوصية تعطي انطباعات مغايرة لكل التوقعات والاحتمالات وهي بالتالي تفترض ضمنا اعتماد قراءة تحاول قدر الإمكان مقاربة التحولات الجارية في المحيط اللبناني القريب والبعيد. المصالحة العراقية - العراقية إذا تقدمت خطوات إيجابية في بلاد الرافدين ستنعكس إيجابا على بلاد الأرز. والمصالحة العربية - العربية إذا استقرت على نظام علاقات إقليمي وتبلورت في مشروع تسوية مشترك ستدفع باتجاه استقرار نظام علاقات الطوائف في لبنان. والمصالحة الفلسطينية - الفلسطينية إذا نجحت في تشكيل مظلة وطنية متوافقة على صيغة التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية ستعطي ثمارها السياسية في بلد تحمل الكثير من نتائج تأخير الحل الدولي - العربي للقضية المركزية.

تأثير المصالحات العربية والعراقية والفلسطينية على لبنان لا تقل في أهميتها السياسية عن الترجيحات المتوقعة لنتائج الانتخابات. الأمر نفسه يمكن ملاحظته من خلال مراقبة مصير دعوات الحوار «وجها لوجه» التي صدرت عن إدارة باراك أوباما باتجاه طهران ودمشق. فالدعوات في حال تحولت إلى سياسة عملية يمكن أن يكون لها تأثيرها على سلاح «حزب الله» أضعاف مضاعفة من احتمال فوز «14 آذار» في الانتخابات المقبلة. فالفوز اللبناني لا يؤخر ولا يقدم في حال لم تفتح قنوات الاتصال والتصريف والتبادل بين واشنطن وطهران واستتباعا دمشق.

حرارة الانتخابات اللبنانية ارتفعت. وأهمية الحرارة أنها ترصد تحولات في المعطيات الإقليمية (مقاربات محورية ومصالحات عربية) ومتغيرات في أسلوب التفاوض الأميركي مع المحور الإيراني - السوري واحتمال انتقاله من السرية إلى العلنية ومن طور اللقاءات «الفنية» و«التقنية» إلى طور السياسة العملية. فهذه المستجدات في حال تبلورت خطوطها العريضة قبل أو بعد قمة الدوحة العربية التي ستعقد في نهاية مارس/ آذار الجاري يمكن أن تعطي مفعولها السياسي الإقليمي قبل أن يتوجه الناخب إلى صناديق الاقتراع. فالصناديق اللبنانية محسوبة ولا تحمل نتائجها الكثير من التوقعات المخالفة للاستطلاعات باعتبار أن نظام «الكوتا» يتكفل سلفا في تشريح الحصص وتوزيعها على الطوائف والمذاهب والمناطق من دون الأخذ بنظرية النسبية وتلك المعادلات التي تراهن على أكثرية وأقلية. الأكثرية والأقلية النيابية في لبنان لها خصوصية في عناوينها لكونها في الآن لا تعكس وتعكس توازنات محلية بقدر ما تشكل أيضا تلك المرآة العاكسة للمحاور الإقليمية (معطيات التصالح والافتراق) والدولية (متغيرات الانفتاح والانغلاق).

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2378 - الثلثاء 10 مارس 2009م الموافق 13 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً